الكندري، لطيفة وآخرون (1431هـ-2010م). التربية الاجتماعية في القصة النبوية. مجلة التربية: جامعة الأزهر ، العدد 144 الجزء الثالث.

التربية الاجتماعية في القصة النبوية

أ. د. لطيفة حسين الكندري

د. محسن حمود الصالحي

أ. د. بدر محمـد ملك

 

بحث ممول من الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب

الكويت

رقم البحث المدعوم BE-09-27

 

ملخص مشروع البحث:

يهدف هذا البحث إلى دراسة أسس التربية الاجتماعية في ضوء القصص النبوي إذ أن هناك عشرات القصص التي رواها الرسول صلى الله عليه وسلم. تتضمن تلك القصص في طياتها الكثير من القيم التربوية والإرشادات الاجتماعية التي تهم المربين وتوسع دائرة ثقافتهم. سيركز البحث على علاقة الإنسان بالآخرين في الأسرة والمجتمع. المنهج المستخدم في الدراسة هو تحليل المحتوى. وتوصلت الدراسة إلى عدة نتائج منها ما يلي:

  1. تخاطب القصة النبوية الوجدان والعقل لتهذيب السلوك الوجداني وحماية الفطرة، ورقي الشخصية، وبناء المجتمع ليحقق ذاته بما يتسق مع توجيهات الإسلام وبما يتفق مع المعاني الإنسانية عامة فهي في مقاصدها في منتهى الروعة والعمق والدقة.
  2. يشهد القصص النبوي بجلاء أن الأخلاق المجتمعية مرتبطة بالقيمة المركزية الأولى في الإسلام؛ الإيمان بالله سبحانه فمثلا إنظار المعسر وإعانة الفقير المعدم من القربات الدينية والمقامات العلية

 

 

Abstract

Social Education in the Prophetic Stories

This research aims to study the foundations of social education of the Prophet’s stories as there are dozens of stories narrated by the Prophet peace be upon him. These include stories on the values of education and social guidance that concern educators and expand their culture. Research will focus on human’s relationship with others in the family and society. The approach used in this study is to analyze the content. The most important results of the study are as follows:

1-    The stories that are narrated by prophet Mohammed “peace be upon him” addresses the conscience and the mind to refine the moral sense, protect intuition, enhances the personality, and builds society to achieve individuality that is consistent with the Islamic instructions and the general meanings of humanity which beholds in its own goals that are simply outstanding.

2-    The stories witnesses with clarity that social morals are related with the first central value of Islam, which is faith in Allah.

 

 

المُقَدِّمَةُ

المتدبر في الحديث النبوي الشريف يجد طائفة غير قليلة من القصص ذات المضامين الاجتماعية والأبعاد التربوية الجديرة بالعناية الأكاديمية على مستوى المنهج ومستوى المضمون. إن التربية في أدق تجلياتها تحتوي على أسس عملية للتنشئة الاجتماعية لأنها تعتني بتنمية الفرد في الفضاء الاجتماعي وبما يكفل حقوقه الفردية ومصالحه الذاتية من جهة، ويحفظ نسيجه المجتمعي المعتمد على التعامل الواعي الإيجابي المتزن مع الآخرين من جهة أخرى. وإلا فسد الأمر وتنامت العلل وزاد الخلل ونمت وتفاقمت التجاذبات السياسية والتناقضات الاقتصادية . تقوم السنة النبوية على أساس إن من البيان لسحرا وحكمة والقصة النبوية عظيمة الشأن فهي هداية للناس، وبيان وتبيين للسائلين، وطريقة مثلى للسائرين في مدارج السالكين. وعلاوة لما سبق، فالقصة تنمي الذكاء اللغوي والإيماني والعاطفي والاجتماعي والحضاري وهي ذكاءات تشكل الشخصية المسلمة القادرة على تنمية ذاتها بالقيم الإنسانية، ومواجهة التحديات بحكمة بالغة، وتحسين معيشتها سعيا للحياة الطيبة.

والقصة النبوية عموما من الحقول المعرفية القديمة حيث أن قصصها منثورة في طيات كتب الحديث النبوي الشريف ولأن كتب الحديث النبوي غالبا ترتكز على التبويب الفقهي أو الترتيب بحسب حروف الهجاء أو بحسب اسم الصحابي كما هو الحال في إعداد المسانيد فإن تناول الموضوع بشكل تحليلي مفصل يعتبر جديدا نسبيا. لذلك نشط الباحثون في عصرنا الحديث في إفراد كتب أو فصول تدرس القصص النبوي وتقوم بترتيبها وتفصيل القول فيها ولا زال الطريق يشهد ارهاصات متنوعة لتحقيق فهم أعمق لذلكم الميراث المبارك على نحو متزامن مع معطيات العلوم الإنسانية. هذا الحقل وإن كان في قليل من جوانبه يشترك مع كتب السيرة النبوية إلا أنه في عمومه مستقل عنه فالسيرة تتحدث عن حياة النبي صلى الله عليه وسلم بينما ميدان القصص النبوي لا ينحصر نطاقه في عصر من العصور بل هو أشمل والسيرة أخص كما أن السيرة تتضمن ما نُقل عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فعله وقوله وتقريره ونعته وكذلك تتضمن السيرة ما قالوا عن حياة النبي صلى الله عليه وسلم بيد أن القصة النبوية تمتد مساراتها ومسافاتها وتتسع مداراتها ومدركاتها فتحتوي على ما رواه النبي صلى الله عليه وسلم من قصص أو مواقف عن نفسه (من مثل قصة الإسراء والمعراج-رحلته إلى الطائف) ، وعن الأمم الأخرى، والأحداث الغيبية التي تأخذ في عمومها طابع الأسلوب القصصي.

تلك الأسباب والمعطيات – وغيرها بطبيعة الحال – تدفع الباحثين دفعا نحو تقديم دراسات منهجية بحثا عن المضامين التربوية والخطوط التعليمية المبثوثة في تضاعيف كتب السنة النبوية المطهرة. والبحث الراهن يرمي إلى تتبع معالم ومكونات التربية الاجتماعية في القصة النبوية بظلها الوارف، وفكرها الوافر عبر استنباط فوائد عامة تكشف مفاهيم التنشئة الاجتماعية الصالحة وعلاقتها بقضايا العصر من المنظور التربوي.

مشكلة الدراسة

وجد بعض المهتمين أن الميدان التربوي يعاني من قلة الدراسات المعنية بالقصة النبوية (عبود، 2007م، ص 4، ملك 1990م، ص 15) رغم أن السنة النبوية لم تترك القصة، بل اتخذته أسلوبا في بناء القيم والاتجاهات والأخلاق الإسلامية واكساب الإنسان الخبرة والمعرفة والإيمان (العياصرة، 2010م، ص 572). يشرح القصص النبوي المعاني والأخلاقيات بالأمثلة الحية الواقعية (السقا، 2003م، ص 248). إن المنهج النبوي في التربية غير خفي لكنه لا يزال مفرقا في الكتب وهو بعيد عن المصطلحات التربوية الحديثة مما حجب علماء التربية المعاصرين عن الاستفادة منه والاستقاء من معينه (الزحيلي، 2009م، ج6، ص 646). ومهما يكن الأمر فإن الكثير من الدراسات في الحقل لا تشرح القصص النبوي بقدر ما تركز على سرد القصة النبوية والإشارة الاجمالية إلى معانيها من مثل دراسة رياض ( 2007م، ص114) ودراسة الحويني (1411ه).

هناك خلط شنيع عند كثير من الباحثين بين القصة النبوية التي هي قول الرسول صلى الله عليه وسلم وبين قصة النبي صلى الله عليه وسلم التي هي تاريخه وتاريخ صحابته الكرام (الزير، 1985م، ص 34) ولا زال هذا الخلط الشنيع شائعا في كثير من الدراسات ولا زال الأمر ملتبسا عند كثير من الباحثين. يعتبر الهاشمي (2006م) قصة سلمان الفارسي مع أبي الدرداء وشكوى زوجته قصة نبوية (ص 303) ويدرجها تحت باب ما رواه النبي صلى الله عليه وسلم والصواب أن النبي الكريم أحد الأشخاص في القصة لكنه ليس راويا لها وكان الأجدر فصل القصص التي رواها النبي صلى الله عليه وسلم عن قصص السيرة التي رويت عنه كي تكون المصطلحات دقيقة الإشارة، وقطعية الدلالة . من المؤكد أن معظم الانتاجات في القصص النبوي لا تضع في مقدمتها تعريفا للمقصود بمصطلح القصص النبوي ولا ترسم الحدود الفاصلة بينها وبين السيرة النبوية مما يزيد الغموض ويضاعف فرص الالتباس والتوهم. إن الحداثة النسبية للتأليف والتصنيف في القصص النبوي كمجال مستقل قد يكون عاملا مهما في زيادة الاشكالية. كثير من الدراسات من مثل دراسة زينو (2006م) ومصطفى (2003م) والمنجد (2001م) تخلط بين المجالين ولا تضع حدا فاصلا بينهما، وتصبح قصص السيرة الورادة عن الصحابة في كفة واحدة مع قصص الرسول صلى الله عليه وسلم مع أن الفارق كبير بين المجالين.

من جهة أخرى، فروائع القصص النبوي خير زاد للآباء فضلا عن الأبناء، وللدعاة قبل العامة، وللمربين وكل المهتمين. إن المربي الذي يفقد اتصاله بدينه وبنبيه صلى الله عليه وسلم لا يصلح أن ينتمي إلى ضمير هذه الأمة حتى يعود للنبع الصافي ويفهم التربية الإسلامية ويسعى إلى العمل النافع وفق معطيات العصر، ومرئيات العلوم، ومتطلبات الأمة. لا نستغني تربويا عن الإفادة من رصيد العصور الماضية وأصيل موروثاتها مع البصيرة بثمرات العصر الحديث فهما معا من أهم مصادر المعلم في تشكيل هويته، وتوسيع ثقافته، وتجويد مهنته. إن بين الثقافتين (ثقافة الماضي والحاضر) علاقة وثيقة وصلة محكمة وهما على التحقيق متكاملان ومن الخطر المؤكد عزلهما فكرا وتنفيذا فإن الثنائية مطلوبة، والعزلة خسارة كبيرة، وضياع محقق والحاضر لن يطوي الماضي بل يستضيئ منه.

يظل الحديث النبوي ينبوع بيان لتهذيب وجدان الإنسان، وتقويم المجتمع وتزويده بالقيم المتدفقة بالتوافق والتكافل والصلاح. ولا تستقيم التربية الإسلامية من غير معطيات السنة النبوية فالأجيال لا تستغني عنها على مر العصور وكلما تجددت مناهج البحث تعددت منافعها الحياتية، وتوسعت مداراتها الحضارية. ورد في الحديث الصحيح ” أعطيتُ جوامعَ الكلمِ”. قال الأبشيهي (2008م) “وهو أفصح العرب لساناً، وأكملُهم بياناً ” (ج1، ص 53). وصدق الجاحظ في كتابه البيان والتبيين حينما قال “لم يَسْمع الناسُ بكلامٍ قَطّ أعمَّ نفعاً، ولا أقصَدَ لفظاً، ولا أعدلَ وزناً، ولا أجملَ مذهباً، ولا أكرَم مطلباً، ولا أحسنَ موقعاً، ولا أسهل مخرجاً، ولا أفصح معنًى، ولا أبين في فحوَى، من كلامه صلى اللـه عليه وسلم”. لقد وجد الفيلسوف الروسي تولستوي (1997م) أن الجانب الاجتماعي في شخصية وتعاليم الرسول صلى الله عليه وسلم في غاية الأهمية وذلك بعد أن استعرض مجموعة من الأحاديث النبوية ذات الدلالات الاجتماعية. قال ليف تولستوي “ومما لا ريب فيه أن النبي محمدا من عظام الرجال المصلحين الذين خدموا الهيئة الاجتماعية خدمة جليلة ويكفيه فخرا أنه هدى أمة برمتها إلى نور الحق وجعلها تجنح للسكينة والسلام… رجل مثل هذا جدير بالاحترام والإكرام” (ص 64، باختصار). رفض تولستوي الاستجابة على الشر بالعنف مشددا على دور التربية المميز في تحسين العلاقات بين الكائنات البشرية وفي تحقيق الرفاهية الاجتماعية (إيغوروف، 1995م، ج2، ص 247) والدعوة الإسلامية أساسها السلام وهي القيمة الخالدة لكل الأمم وفي جميع الأحوال.

لا زالت القصة الدينية تلعب دورا كبيرا في التربية وتشكيل أخلاقيات المجتمع حتى في المجتمعات العلمانية (بريان، 2008م، ص 84) فالإنسان كائن روحاني يحتاج إلى القيم الروحية (تيلمان –كولومينا، 2006م، ص 79). إن الفلسفة التربوية اليوم تحاول ربط التربية الأخلاقية بالقصص وتقدم رؤية مستقبلية للمنظومة الأخلاقية. القصة لديها القدرة على تطويع الذاكرة التاريخية لتكون مرجعية أخلاقية تحرك السلوك على نحو فعال (Lockwood, 1998, p.12, 20) لا سيما ونحن نعيش في عصر يشهد تفاقم المشكلات الاجتماعية وتناميها بشكل مطرد (تيلمان، 2006م، ص 7) وبذلك تعاني المجتمعات المعاصرة من فقدان الاحساس بالقيم (ساندرز، 2007م، ص 11).

إن استثمار السنة النبوية في حياتنا التربوية من شروط تحقيق الأصالة والفعالية والاطراد في أدائنا الفكري والروحي والسلوكي والاجتماعي والحضاري؛ أفرادا ومؤسسات، ودولا ومجتمعات (برغوث، 2007م، ص 19، 34، الأنيس، 1430هـ، ص 342).

علاوة لكل ما سبق فإن الميدان التربوي يتطلب دراسات تخصصية تفرد الجانب الاجتماعي بالدراسة. ثمة الكثير من المحاولات لدراسة القصص النبوي (مدبولي، 2004م، الصعيدي، 2000م، الهاشمي، 2000م، مركز الاتقان، بدون تاريخ، فقيه 2003م، زينو 2006م، المطوع وآخرون، بدون تاريخ) وهي محاولات جيدة ومتنوعة للكبار والصغار ومعظمها تتميز بحسن الاخراج وجمال الرسومات ولكنها عموما تدرس أو تعرض الموضوع من زاوية عامة أما الدراسة الحالية فإنها تسعى لدراسة القصة النبوية تربويا ولا سيما من منظور أصول التربية الاجتماعية كوحدة مستقلة على أمل فتح المزيد من الأبواب المعنية بالتخصص العلمي الدقيق والمعالجات الاجتهادية. إن دراسة الدين عبر معطيات الميراث الديني ومناهج العلوم الإنسانية من الأهمية بمكان لحسن عرض وتوظيف الفوائد الثاوية في النصوص الدينية .

مصطلحات ذات صلة بالدراسة

القصة التربوية: حكاية نثرية هادفة ذات حبكة مترابطة، مستوحاة من الخيال أو الواقع تعزز الجوانب الإيجابية وتخلو من الخرافات والمعاني السلبية (انظر العياصرة، 2010م، ص 571). قال ابن الأثير في كتابه الموسوعي النهاية في غريب الحديث والأثر:”القَصُّ: البَيان. والقَصَصُ بالفتح: الاسم، وبالكسر: جمع قِصَّة. والقاصُّ: الذي يأتي بالقِصَّة على وجْهِها، كأنه يَتَتَبَّع مَعانِيَها وألْفاظَها. ومنه الحديث “لا يَقُصُّ إلاَّ أمِيرٌ أو مَأمور، أو مُخْتال” أي لا يَنْبَغي ذلك إلاَّ لأِميرٍ يَعِظُ الناس ويُخْبِرُهم بما مَضى ليَعْتَبِرُوا، أو مَأمورٌ بذلك، فيكون حُكْمه حُكْم الأمِير، ولا يَقُصُّ تَكَسُّباً، أو يكون القاصُّ مخْتالاً يَفْعَل ذلك تَكبراً على الناس، أو مُرائِياً يُرَائي الناس بقوله وعمله، لا يكون وعْظُه وكلامه حقيقة. وقيل: أراد الخُطْبة، لأنَّ الأمَراء كانوا يَلونَها في الأوّل، ويَعِظُون الناس فيها، ويَقُصُّون عليهم أخْبار الأمَم السالِفة”.

“والقصص هو مجموع الكلام المشتمل على ما يهدي إلى الدين، ويرشد إلى الحق ويأمر بطلب النجاة فبين تعالى إن الذي أنزله على نبيه هو القصص الحق ليكون على ثقة من أمره، والخطاب وإن كان معه فالمراد به الكل” (تفسير الفخر الرازي، سورة آل عمران، آية 62).قال جل ثناؤه “نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ” (سورة يوسف آية 3). قال العلماء نحن نقصُّ عليك -أيها الرسول- أحسن القصص بوحينا إليك هذا القرآن, وإن كنت قبل إنزاله عليك لمن الغافلين عن هذه الأخبار, لا تدري عنها شيئًا.

والقصة النبوية هي القصة التي يحكيها النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه أو عن الأمم السابقة أو المواقف الغيبية التي تندرج تحت باب القصص النبوي. تهدف تلك القصص إلى بناء القيم وترسيخ مبادئ الإسلام في النفوس وصياغة الشخصية المسلمة على نحو متميز وفق المحددات القرآنية. ومن أمثلة القصة النبوية ما ورد في صحيح البخاري “عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَسَقَتْهُ فَغُفِرَ لَهَا بِهِ” (كتاب الأنبياء – باب: {أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم} /الكهف: 9). ومن القصص النبوي أيضا “إن رجلا ممن كان قبلكم خرجت به قرحة. فلما آذته انتزع سهما من كنانته. فنكأها. فلم يرقأ الدم حتى مات. قال ربكم: قد حرمت عليه الجنة” (رواه مسلم، كتاب الإيمان- باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه) .

يذهب بعض الباحثين إلى أن عدد القصص النبوي نحو 139 قصة (الزير، 1985م، ص 71) والكثير منها قد تقع في نطاق الأحاديث القدسية (الصبابطي، 2005م، ص 267، الخطيب ، 2003م، ج8، ص 108، باختصار). سعت القصة النبوية إلى تحقيق مجموعة أهداف منها استخدامها كوسيلة تعليمية، وكهدف معرفي، وكمنهج من مناهج الدعوة، ولبيان القرآن وتوضيحه، ولغرس مكارم الأخلاق. ومن أهم سمات القصة النبوية الاعتماد على التشويق، وتحفيز السامع، واشباع الخيال، وإثارة المشاعر. ومن أشكال القصة النبوية قصص وقعت للرسول صلى الله عليه وسلم نفسه ويرويها بعباراته، القصة التمثيلية، والقصة الغيبية، والقصة التاريخية (علي، 2002م، ص 347 -356).

التربية الإسلامية “مجموعة من الأصول الخاصة ببناء الإنسان المسلم والواردة في القرآن والسنة المطهرة والآراء والتطبيقات التربوية في أي زمان أو مكان بهدف بناء الشخصية الإسلامية المتكاملة التي تعمل لخير دنياها وآخرتها” (انظر الميمان، 2002م، ص 499). تسعى التربية الإسلامية إلى تأسيس مجتمع إنساني فاضل تسوده قيم التكافل وتحكمه قوانين العدل والإحسان وحسن التفاعل.

التربية الاجتماعية: “تلك العملية القائمة على التفاعل الاجتماعي، ويتم خلالها اكتساب أبناء المجتمع المكانات والأدوار والحقوق والواجبات الاجتماعية، والقيم والعادات السائدة في المجتمع، والتي تتفق مع أهدافه وطموحاته وتتميز هذه العملية بالمباشرة والاستمرار، حيث يتولى جيل الكبار تربية جيل الصغار اجتماعيا” (الشخيبي، 1998م، ج2، ص 527). وعليه فإن التربية الاجتماعية “هي تربية تعنى بتربية المهارات الاجتماعية” (جرجس وحنا الله ، 2004م، ص 323). تسعى التربية الاجتماعية إلى “إعداد أشخاص يستطيعون المساهمة في نشاط المجتمع مساهمة فعالة” (نجار، 2003م، ص 931).  وتهدف التربية الاجتماعية علاوة إلى ما سبق ذكره آنفا إلى “تنمية وعي الفرد بذاته، وتنمية مهاراته في العلاقات الاجتماعية، وقدرته على تحمل المسئولية والاستقلالية، واتخاذ القرارات ، وتنمية وعيه بمجتمعه والتغيرات التي تطرأ عليه، وتحديد مكاناته وأدوارها الاجتماعية والمسئوليات المناطة بهذه المكانات والأدوار (الشخيبي، 1998م، ج2، ص 527).

هدف الدراسة

تهدف الدراسة الراهنة إلى تسليط الضوء على أسس التربية الاجتماعية على وجه الخصوص واستثمار القصص النبوي في تنمية الثقافة التربوية المعاصرة وربط القصص النبوي بالأدبيات التربوية والمصادر الرصينة بغرض الارتقاء بواقعنا وتخصيب ثقافتنا. إن إثراء المكتبة التربوية بمثل هذه الدراسات تعطي التربية المعاصرة سمات الأصالة ومزج المصادر الأصيلة بالمعطيات العصرية ثقافة وعملا وتفاعلا إيجابيا. العاملون في حقل التربية الإسلامية بحاجة لتفعيل الميراث النبوي في الواقع التربوي ومثل هذه الدراسات تقدم لهم مسارات منهجية لتحقيق الهدف المذكور وترشيد العمل في الواقع الميداني مع تجنب التحديات التي قد تظهر في هذا الميدان من مثل الفهم الخاطئ لنصوص بعض الأحاديث النبوية التي تحتمل تأويلات اجتهادية قد لا تتفق مع مقاصد الإسلام.

وعليه فإن البحث الراهن يسعى إلى “الإسهام في الجهود العلمية التي تدعو إلى تأصيل العلوم التربوية والنفسية، بغية التأكيد على انبثاق العديد منها من دين الإسلام ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم” (البشري، 2009م، ص 192). كل حديث نبوي يتضمن فوائد شتى (الطويل، 2001م، ص 24) ودورنا التربوي تجلية الدروس والعبر وربطها بمتطلبات تطوير الواقع وتحسين مخرجاته التعليمية وفق رؤية متوازنه.

نحن نجلب عناصر حياة الغد من ماضينا. فإن استطعنا أن نعجنها في معاجن ثقافتنا الذاتية بنور الدين وضوء العلم، نكون قد عرفنا طريق التوفيق (كولن، 2010م، ص 127، أركنه، 2101م، ص 263).

 

منهج الدراسة

هذه الدراسة هي دراسة تحليلية وصفية استنباطية (البشري، 2009م، ص 193، الزير، 1985م، 23) تقوم على بيان وتحليل محتوى القصة النبوية واستنباط دروسها الضمنية والصريحة ذات العلاقة بالتربية الاجتماعية. ولا يتوقف المنهج الوصفي في البحث على وصف الأحداث الماضية وتحليلها بل يكشف عن تأثيرها على الحاضر (الحمد، 1427هـ، ص 17). وهذا البحث سيستثمر بعض طرائق المنهج التفسيري التأويلي (hermeneutics) في فهم القصص النبوية وهو منهج لا يختص بفهم وتأويل النصوص الدينية فحسب بل يهتم أيضا بأنواع الشئون البشرية والعلوم الاجتماعية (كولينز، وأبراين، 2008م، ص، 279). تهدف الدراسات التأويلية للوصول للمعاني ولتجلية القيم الدينية (hermeneutics, 2010, Malek, 1997). لن يتتبع البحث الحالي كل الأحاديث المتعلقة بالموضوع ولن يفسرها تفسيرا موضعيا بل موضوعيا؛ سيتتبع الأفكار التربوية الرئيسة من بعضها ويستنبط مضامينها العامة في اطار بلورة رؤية اجتماعية دون الخوض في تفصيلاتها وتعليلاتها. سيتم ذلك كله مع شواهد وأدلة تعزز الرأي الراجح مع محاولة لربط الطروحات بقضايا العصر.

حدود الدراسة

سيتناول البحث الحالي الأبعاد التربوية الاجتماعية المتضمنة في صحيح القصص النبوي وذلك بعد استقراء القصص النبوي وسيتم انتقاء القصص أو المقاطع ذات الصلة من مظانها وتحليلها تحليلا تربويا لدعم طروحات الدراسة الراهنة حسب تساؤلاتها. يركز البحث على القصص التي هي قول النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه أو ما يحكيه على سبيل القص ولا يبحث في القصص الواردة في السيرة وتاريخ الصحابة.

تساؤلات الدراسة

1-              ما أهم أسس التربية التي تتضمنها القصة النبوية؟

2-              كيف يقوم أفراد الأسرة بتنمية العلاقات الاجتماعية؟

3-              كيف نكون العلاقات الاجتماعية الإيجابية؟

 

الدراسات السابقة

دراسة رجب (2009)

اهتمت الدراسة بدراسة الإعجاز التربوي في السنة النبوية. عرض الباحث الملامح العامة للإعجاز التربوي في السنة النبوية مع بيان مفهوم السنة. كما أوضحت الدراسة مدى توفر الإعجاز التربوي في القصص النبوي. وقدمت الدراسة مختارات من الحديث النبوي, واهتم الباحث بعرض الأحاديث الصحيحة وخلت الدراسة من الأحاديث الضعيفة. وتوصلت الدراسة إلى توصيات عديدة منها:

1-              “تدعيم مجال الأنشطة المدرسية (الإذاعة – الصحافة – المسرح المدرسي) بالقصص النبوي للإفادة منه في غرس القيم الإيجابية في نفوس النشء.

2-              توجيه أنظار وسائل الإعلام إلى القصص النبوي بوصفه مصدرا من مصادر التربية الاجتماعية.

3-              إضافة منهج البحث عند المحدثين ضمن مناهج البحث التي تدرس في كليات التربية بما يحقق التواصل بين تراثنا الإسلامي وواقعنا التربوي” (ص 515).

 

دراسة المرشدي (2007)

تناولت الدراسة القصص النبوي دروس وعبر. احتوت الدراسة على عشرين قصة من القصص النبوي وركزت على بيان مضمونها إجمالا, ثم الدروس المستفادة منها. حرص الباحث على تخريج الأحاديث والآثار الواردة من مصادرها المعتمدة من كتب السنة. بدأ الباحث الدراسة بمفهوم القصة وأقسامها ثم بيان أهمية أسلوب القصص. وقد ذكر الباحث أهداف القصة النبوية ومزاياها ومن هذه الأهداف:

1-              “استخدامها كوسيلة تعليمية.

2-              استخدامها لهدف معرفي.

3-              استخدامها كمنهج من مناهج الدعوة.

4-              استخدامها لغرس مكارم الأخلاق” (ص 17 – 18).

دراسة الأشقر (2007م)

عرضت الدراسة صحيح القصص النبوي حيث عرف الباحث القصص النبوي وبين أهمية القصص عموما والقصص القرآني والحديثي خاصة. قسم الباحث الدراسة إلى خمسة فصول.  استهل الفصل الأول بقصص الأنبياء والمرسلين وفي الفصل الثاني قدم الباحث القصص الدالة على عجائب قدرة الله, أما الفصل الثالث فلقد اهتم الباحث بالقصص الدالة على فضائل الأعمال. وعرج الباحث في الفصل الرابع إلى قصص النماذج الإيمانية الراقية. وختم الباحث الدراسة في الفصل الخامس بقصص النماذج السيئة. تناول الباحث هذا الموضوع بعرض القصة ثم تخريج الحديث, وغريب الحديث, وشرح الحديث, وأخيرا فوائد الحديث. وللمؤلف كتاب آخر اسمه قصص الغيب في صحيح القصص النبوي تتبع فيه الباحث قصص آخر الزمان وقصص الجنة والنار، وسار فيه على نفس نهج الكتاب الأول.

دراسة (Malek, 1997)

تسعى هذه الدراسة إلى تحليل ثلاث قصص رواها الـرسـول صلى الله عليه وسلم مـن حيث أنهـا تصـور الأسس العـامـة للتربيـة الأخـلاقيـة فـي الإسـلام وتـعـكـس نـظـرة الإسـلام للمفاهيم التالية:

 1- الإنسان  2- المجتمع   3- الحياة. الـمنهـج الذي اتـبـعـه الباحـث هـو المنهج التفسيـري التحليلي الـقـائـم على تتبــع النصوص ومعـرفـة أصـولـهـا ثــم تحـلـيـلـها وربطهـا بالأدبيـات التربوية الأخرى. تنبع  أهمية الدراسة من كونها تتعامل مع النصوص النبوية ليس باعتبارها مجرد وقائع تاريخية ذات دلالات أخلاقية بل إضافة إلى ذلك هي في جوهرها نصوص نبوية تعكس الرؤية الإسلامية لـلإنسـان والمجتمع والحياة من خلال ترسيخ معالم التربية الأخلاقية. علاوة على ذلك فإن الدراسة تعقبت مناقشات المستشرقين الخاصة بالأحاديث النبوية من حيث صحتها أو عدم صحتها وذلك من خلال دراسة ونقد آراء كل من جولدتسيهر المجري، وشاخت الألماني، ونابيا أبات الأمريكية، وموتزكي الألماني. ركز البحث على أهمية القصة في ميدان التربية والأخلاق واستعرض بعض تطبيقاتها قديما وحديثا، شرقا وغربا. وفي سياق شرح القصص النبوية قام الباحث بالتركيز على المفاهيم الرئيسة في التربية الإسلامية مثل الإيمان بالله وأنماط العبادة والابتلاء والإخلاص والتأثير السيكولوجي للإيمان على سلوكيات الإنسان. قـام الـبـاحـث بـاخـتـيـار ثـلاث قـصـص –من أصل أكثر من مئة قصة نبوية – رواهـا الـرسـول صلـى الـلـه عـلـيـه وسـلـم وتشمل قـصـة (أصـحـاب الـغـار)، وقـصـة (الأعـمـى والأقـرع والأبـرص)، وقـصـة (جـريـج الـعـابـد) وهــي ثـلاثـيـات وقـعـت فــي عـهـد بــنــي إسـرائـيـل.

دراسة سلمان (1991)

جمعت الدراسة قصص السالفين من الحديث النبوي الصحيح وذلك من خلال شرح غريب الألفاظ وذكر الفوائد والعبر المستفادة من هذه القصص. واعتنت الدراسة “بالرد على من أنكر الحديث, أو أثار شبها تشكك في صحته” (ص 10). ذكر الباحث العديد من الفوائد في هذه القصص منها:

1-              “أن بها ربط المسلم بالأجيال السابقة, وفيها ما يشعر المسلم المعاصر بأن السابق واللاحق من أمة الإسلام أمة واحدة, يدعو لاحقها لسابقها, ويدعو سابقها للاحقها, وأن سنة الله على الجميع لا تختلف ولا تتبدل.

2-              أن فيها مشروعية التحديث بأخبار تحتوي على عبر وعظات؛ لما في ذلك من التأثير والذكرى” (ص 12).

دراسة الزير (1985)

هذه الدراسة اللغوية من أوسع الدراسات في هذا الباب. هدفت الدراسة إلى عرض “أدب رسول الله القصصي ودراسته دراسة علمية فاحصة تكشف عن مقوماته وخصائصه” (ص 13) الفنية حسب معطيات اللغة العربية. استخدم الباحث في معالجة هذا الموضوع المنهج الوصفي التحليلي, وقد تناولت الدراسة موضوع القصة النبوية وفق خطة قائمة على تمهيد, وسبعة فصول, وملحق, وخاتمة. وتوصلت الدراسة إلى أن القصة النبوية تمثل لونا من ألوان النثر الفني الممتع الجميل, الذي جاء معبرا عن فكرته بألفاظ سهلة وميسرة. إن القصة النبوية تتضمن تجارب قصصية متنوعة ورائعة في مختلف المجالات, وهي بذلك ذخيرة حية تعطي فرصة كبيرة جدا للأدباء والفنانين لأن يستفيدوا منها. إن موضوعات القصة النبوية من النوع الذي يثير في السامع والقارئ كثيرا من الانفعالات والعواطف (ص 503).

الإطار النظري

سيحاول البحث الراهن بناء إطار نظري عام من شأنه أن يقدم مدخل لثلاثة مكونات: الحياة الاجتماعية والتربية، والقصة ودورها التربوي، والمقاصد الاجتماعية للقصة النبوية.

كما هو معلوم في كل نوع من أنواع المعرفة البشرية، أن دراسة أي مشكلة من المشكلات، يقتضي بالضرورة أن يمتلك الباحث رؤية، أو منظوراً منهجياً، يتصور من خلاله المسائل، ويحلل في ضوئه الفرضيات، والإشكاليات المطروحة على بساط البحث. ودراسة السنة النبوية، كظاهرة دينية، واجتماعية متصلة بالواقع الإنساني، في كل مستوياته، العقلية، والنفسية، والسلوكية، والفردية، والجماعية، بحاجة إلى مدخل منهجي، يتيح للباحث فيها فرصة دراستها بشكل مستوعب، ينكب به إلى فهمها، واستخراج قوانينها، وإدراك منطقيتها، ومنهجها الاستدلالي، ونظامها الفكري. فالدراسة العلمية للقصة النبوية خاصة والسنة النبوية عامة، تستدعي فهماً مستوعباً للمفتاح المدخلي، الذي يمكن الباحث من دراستها بشكل صحيح، ومثمر  (مبارك، بدون تاريخ).

يمثل الدين في وعي وحركة الإنسان أحد أهم العوامل ، التي تسهم في إرساء الأنظمة الاجتماعية وسيرورة الثقافة ، فهو من جهة يقدم نموذجا معرفيا لادراك الوجود وتفسير العالم، ومن جهة أخرى يحدد القواعد ومناهج السلوك، التي تؤطر مختلف العلاقات الإنسانية (بلعقروز، 2010م، ص 4).

يقضي الإنسان حياته في وسط اجتماعي يتفاعل معه، ويستفيد منه، ويضيف إليه، ولكنه لا يستغني عن الخدمات المادية والمعنوية التي يقدمها الآخرون. الجانب الاجتماعي علاوة لما سبق هو أهم جانب في شخصية الفرد فمن المجتمع ونواته (الأسرة) نتعلم في البداية كل ما نحتاج حتى الاسم الذي يحمله الإنسان طوال حياته نأخذه من أسرتنا فالمجتمع يطلق علينا الأسماء (بكار، 1431هـ، ص 109). وعليه فالتربية في عمومها عملية شاملة ومعقدة لتكيف الفرد مع بيئته الاجتماعية المحيطة به، بكل ما فيها من أفكار ومعايير مرجعية تستهدف بناء الشخصية الإنسانية (الرجوب، 2004م، ص 24).

ولتحقيق ما سبق كانت القصة عبر العصور مصدرا أصيلا للتنشئة. يعود تاريخ القصة إلى ما قبل معرفة الإنسان الكتابة وتهدف إلى تحقيق أثر. وعبر استقراء حقائق التاريخ يمكن القول أن معظم القصص الشرقية القديمة من كنعان حتى الهند مرورا بوادي النيل وحوض الرافدين وفارس كانت ذات طابع تعليمي (الحفار، 2006م، ج15، ص 412).

والقصة الدينية “إحدى الوسائل الايجابية لتكوين العقيدة الدينية في نفوس الأطفال؛ وذلك لما لها من قيمة عظيمة في تهذيبهم وتقديم القدوة والمثل الصالحة التي ترسخ فيهم مبادئ الإيمان” (أحمد، 2004م، ص 105). وإلى جانب ذلك حرص الإسلام على تربية الفرد تربية اجتماعية تجعله ينسجم مع الآخرين ويحسن إليهم، ويسهر على سلامة الناس وأمنهم، ويمتنع عن إيذائهم والعدوان عليهم (عمر، 2000م، ص 155، 157).  التربية عملية تعزيز النمو والتقدم في المجال الإدراكي والجسدي والاجتماعي والعاطفي لدى الأفراد أو المجموعات (كولينز، وأبراين، 2008م، ص، 205) والقصة وظيفتها ترسيخ ما سبق وكما قال الشافعي القصص وعظ وتذكير (النووي، 1996م). إن تشبع القصة الجانب الاجتماعي لدى الفرد، وتساعده في التكيف مع نفسه، وبيئته، كما توسع نظرته للحياة، وتنمي اتجاهاته الاجتماعية السليمة، وتساعده في عملية تكوين علاقات اجتماعية سوية (محمد، 2008م، ص 21، مرسي، 2007م، ص 15). ومن هنا يقصد بالتربية الاجتماعية كافة السبل والوسائل التي تؤدي إلى تقوية روابط التعاون بين أفراد المجتمع بما يحقق الحب والتراحم والتعاطف ليعيش الجميع حياة كريمة آمنة مطمئنة. ويتطلب ذلك تربية الإنسان منذ النشأة وخلال أطوار حياته على أنه جزء من المجتمع الذي يعيش فيه (شحاته، بدون تاريخ).

إن “التربية الإسلامية هي عملية تنشئة إسلامية تمكن الفرد المسلم من تحقيق أهداف الإسلام، وعلى رأسها عبادة الله ، وعمارة الأرض، مراعية الشمول والتكامل، فهي تربية تسعى إلى تنمية جوانب الشخصية الإنسانية، لترقي هذه الشخصية إلى مستوى يمكنها من تطبيق الإسلام في المجتمع بما يكفل ازدهار الدنيا ، وسعادة الآخرة” (العياصرة، 2010م، ص 450، الجعفري، 2007م، ص 8). وعلى هذا النهج تسير السنة النبوية بكافة مفرداتها وأهدافها لترسخ القيم الكبرى الكفيلة بتأسيس حياة كريمة للفرد والجماعة والبيئة.

لقد وضع الرسول صلى الله عليه وسلم “مبادئ اجتماعية كان لها أبعد الأثر في نمو التقاليد والنظم الإسلامية، كان أهمها مبدأ الإخاء والمساواة والرحمة بين جميع المؤمنين، بغض النظر عن اختلافات الجنس أو اللون. جاء في القرآن الكريم “إِنّما المؤْمِنونَ إِخوَة” (الحجرات 10)، وفي الحديث الشريف «لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى». وقد أسهمت هذه المبادئ في تدعيم الوحدة الروحية وتقوية أواصر المودة والائتلاف بين المسلمين في البقاع الإسلامية المختلفة، كما أثرت في حركة الثقافة العربية وفي حركة التربية والتعليم بين العرب” (الجندي وحمدان ، 2002م، ج6،  ص 301).

يؤكد علي وطفة على أن التربية التي أسس لها المصطفى عليه صلوات الله وسلامه متفوقة فهي تحث على الخير في طبيعة الإنسان وعلى مبدأ الحرية ومبدأ القدوة وهي المبادئ التي نجدها في الفكر التربوي الحديث. إن السير على نهج النبوة في التربية لا يضعنا خارج السياق التاريخي للفكر التربوي المعاصر بل يدخلنا في أعماقه وفي جوهره ويجعل من التربية التي ننهجها تربية مشروعة للخروج من دائرة الوهم. إن حداثتنا التربوية ونقلتنا الحضارية مرهونة اليوم و أكثر من أي وقت مضى في تأصيل المنهج الإسلامي التربوي ومبادئه الخلاقة.

القصة الهادفة من مصادر التربية والإصلاح لأن الله عز وجل قال: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} (يوسف: 3)، وقال: {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ} (الأعراف: 176).  قال ابن الجوزي وإنما ذُمَّ القصاصُ لأن الغالب منهم الاتساع بذكر القصص دون ذكر العلم المفيد، ثم غالبهم يخلطُ فيما يورده، وربما اعتمد على ما أكثرُهُ مُحالٌ، فأما إذا كان القصصُ صدقاً ويوجبُ وعظاً فهو ممدوحٌ، وقد كان أحمد بن حنبل يقول: ما أحوج الناس إلى قاصَ صدوق. إن كل قصة لها ثلاثة أوجه؛ رؤيتنا ورؤيتهم والحقيقة (Keyes, 2004, p. 6) وليس من السهل دائما التمييز بين القراءات أو الوجوه المتنوعة للرواية الواحدة مهما كان الراوي أمينا، والشارح حريصا.

قسم من القصص القرآني والنبوي يندرج تحت باب الأمثال وهي ليست قصصا حقيقية (البكاري، أبوعلام الصديق، 2009م، ص 260) . قال محمد عبده “إن القصص جاءت في القرآن لأجل الموعظة والاعتبار لا لبيان التاريخ ولا للحمل على الاعتقاد بجزئيات الأخبار عند الغابرين وإنه ليحكي من عقائدهم الحق والباطل ومن تقاليدهم الصادق والكاذب ومن عاداتهم النافع والضار لأجل الموعظة والاعتبار فحكاية القرآن لا تعدو موضع العبرة ولا تتجاوز مواطن الهداية ولابد أن يأتي في العبارة أو السياق وأسلوب النظم ما يدل على استحسان الحسن واستهجان القبيح” (خلف الله، 1999م، ص 22، 74).

السنة النبوية مصدر ثري للفقه الحضاري، وللسلوك الحضاري فهي ترسخ فقه المعرفة والحياة والواقع ومقاصد الشريعة ومكارمها وأهمية الاتباع في الدين والابتداع في الدنيا والإيجابية البناءة واعتبار الغايات العليا للحياة، والتسامح مع المخالفين والتراحم (القرضاوي، 2008م، ص 302). يدور المؤمن مع السنة النبوية حيث دارت فهي شارحة للقرآن الكريم وعلى ذلك قامت التربية الإسلامية عبر القرون (المصري، 2010م، ص 434).

تخاطب القصة النبوية الفطرة وتثير مكامن الخير فيها، والفطرة هي هي في الإنسان في كل العصور (عبود، 2007م، ص 13، طحان، 2009م، ص 147)، واستغلت القصة النبوية الحاجة الفطرية للناس لسماع القصص، ووضعت ذلك في اطار التربية والإفادة، وبث الأفكار السامية لإصلاح المجتمع عن طريقها (المنجد، 2010م، ص 11). والقصة النبوية تقوم على أساس التربية الفكرية التي تبعث في النفس الثقة والانطلاق نحو العمل الصالح (السيد، 2008م، ص 48). من هنا كان منطقيا أن يهتم التربويون بالقصة النبوية كأسلوب من أساليب الدعوة والتربية وطرقها من أجل نقل معلومات معينة أو غرس قيم، أو تغيير اتجاهات وتعميق مبادئ الإسلام في النفوس (علي، 2002م، ص 344).

” إن منطق السنة في التعامل مع الظواهر الاجتماعية منطق متميز، أخذ قوته الاستدلالية، ومنهجه البرهاني، من منهج القرآن الكريم، الذي يمتلك حق النظر في الماضي، والحاضر، والمستقبل، وفي كل غيب علمه عند الله سبحانه وتعالى، ويتحكم في هذه الحركة بشكل مستوعب، وصحيح لا ريب فيه مطلقاً. فهو صبغة الله، ومن أحسن من الله صبغة. وعلى هذا فالسنة النبوية مثلاً عندما تتحدث عن ( قصص الأنبياء) ، فهي تكشف لنا عن تجارب حضارية عميقة وعن تركيب جوهري للحقيقة الدينية، مع حوادث الكون، والحياة. ومن هنا يكون لها القصص النبوي، حق كشف السنن، وتوجيه الناس إلى سنن الهداية. فعندما تعطي السنة النبوية حكماً حضارياً ، وتاريخياً مضطرداً ، فإنما تأخذ حجتها من الموقف القرآني الكلي، وتعتمد فيما وصلت إليه على استقراء كلي للمنطق القرآني في دراسته للظاهرة التاريخية” (مبارك، بدون تاريخ).

يسعى القصص النبوي عموما إلى إكساب قيم تربوية معينة أو توضيح مفاهيم غامضة وتنظيم عملية التعلم من خلال ما يلي :

  1. عناصر القصة البشرية والبيئية معلومة لدى الجميع.
  2. قلة عدد العناصر الممثلة للقصة.
  3. عرضها خال من التفاصيل المملة والرتيبة.
  4. استخدم فيها التوجيه المباشر (مزيد، 2009م، ص 259).

وإذا كان البعض يقلل من نتائج علم الآثار عندما يقارنها بمعطيات القصص النبوي (الأشقر، 2007م، ص19) فالأمر قد لا يستحق تلك المقارنة بتلك المفاصلة فهذا مساق وذلكم مساق وبينهما قواسم مشتركة ولا داعي للمفاضلة بينهما أساسا. وجيل اليوم بحاجة ماسة جدا للتعمق في فهم دينه والتعلم من المناهج الأنثروبولوجية وغيرها ولا داعي لتلقين الناشئة بأن علم الآثار “علم مشوب ، لا يجلي الحقيقة” فكل منهج بشري له تحدياته وحسناته وبضاعتنا العربية في هذه العلوم ضئيلة وتلك الدعوات تزيدها ضعفا وضآلة. العلوم جميعا لا تتعارض بل قد توضح بعضها بعضا لا سيما في قطعياتها الكبرى.

“مهما يكن لدى المرء من قدرات ومواهب وأساليب يستثمرها لتربية ذاته وتزكيتها، فإنه لا يستغني عن وجود قدوة من بني جنسه تكون له نبراسا في سيره إلى ربه. فعليه أن يحرص على اختيار شخص استجمع قدرا كبيرا من الفضل والتقوى يكون قدوة له في أمور الخير والهدى ويرجع إليه في السراء والضراء مستفيدا من رأيه ومشورته فيما يلم به من أحداث ومواقف. فللقدوة تأثير كبير في تكوين شخصية الفرد وصقلها حيث إن الإنسان ميال بطبعه إلى التقليد والمحاكاة، وفي التربية الإسلامية يتحول هذا التقليد ويرتقي إلى مفهوم راق يطلق عليه “الاتباع”، وأرقى هذا الاتباع ما كان على بصيرة. يقول الحق سبحانه وتعالى: “قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي” (يوسف:108). فالاتباع عملية فكرية يمزج فيها بين الوعي والانتماء والمحاكاة والاعتزاز في ظل البصيرة والحجة” (أوجي، 2008م).

      الأسلوب القصصي من أهم الأساليب التي يمكن استخدامها لابراز القدوات الصالحة  ولتدريس القيم التالية:

  1. القيم العقائدية: الإيمان بالله والرسل والملائكة والكتب السماوية واليوم الآخر والقضاء والقدر.
  2. القيم التعبدية: الشهادتان الصلاة، الصوم، الزكاة، والحج.
  3. القيم الأخلاقية: الصدق والأمانة والوفاء والرحمة والصبر والتسامح.
  4. القيم الاجتماعية : التعاون وزيارة المرضى وصلة القربى.
  5. القيم الاقتصادية: الزراعة والصناعة والتجارة.
  6. القيم السياسية: العدل والشورى والمساواة.
  7. القيم الجمالية والنظافة والنظام (الجلاد، 2010م، ص 87، 119).
  8. القيم النفسية: الثقة بالنفس ، الاعتدال، المبادرة، حل المشكلات.

 

القيم تُنتج السلوك السوي وتُولد الأخلاق الرفيعة التي تحكم النسيج الاجتماعي وتهيمن على مساراته ومساربه وتلامس بذلك حياة الناس فعلا وبفاعلية. وعليه، فالأخلاق – المنبثقة من القيم الكبرى- في جملتها حركة تصاحبها مشاعر نبيلة لا مزاعم نتشدق بها ونتمسح بها، إنها منظومة تمنح شخصية الإنسان الحساس سلوكا قويما، وتهب المجتمع بكل أطيافه دعماً عظيما بعيدا عن الدعاوي الخاوية والشعارات الفارغة. إذن، القيم الحميدة بجميع امتداداتها الأخلاقية وتجلياتها السلوكية ذات طبيعة تطبيقية لها مؤشراتها ومبشراتها في دنيا الواقع، وعالم الحقيقة، وسجل الباقيات الصالحات. لقد أسست التربية الإسلامية بجميع تعاليمها السمحة علاقة وطيدة بين الإيمان وبين المجتمع والسلوك ونجد ذلك جليا في الحديث النبوي الشريف “مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقلْ خيراً أو ليصمت” (رواه البخاري).

واستنادا وامتدادا لما سبق في الاطار النظري لهذه الدراسة فالإنسان كائن اجتماعي في منتهى الدقة والواقعية لا تنتظم حياته ولا تستقيم إلا بالقيم النافعة. والقصص بجميع مناخاتها العقلية والوجدانية وسيلة لتحقيق ذاتية الفرد وضبط مصالح المجتمع من أجل ترسيخ معالمه على هدى الفكر المستنير لا سيما إذ انبعث شعاع القصص من ضياء الحديث النبوي الشريف. الأمة المسلمة والإنسانية جمعاء في حاجة روحية وعقلية لغذاء الأخلاق المثمرة من شجرة القيم السامية المحفزة للعطاء والتي تقوي الإرادة وتقرب البشرية نحو الحياة الرغيدة عبر تربية اجتماعية رشيدة.

منهج القصة النبوية منبثق من الإسلام وهو منهج شامل متوازن لهداية البشرية وهذا المنهج الاعتقادي والعملي لا يمكن أن يكون مصدرا للتنوير الفكري ما لم ننهل منه القيم الكبرى والدروس الأخلاقية الضابطة للمعيشة اليومية بغرض تطبيقها والاستناد إليها لتحرير العقل والارتقاء بكافة طاقاته الخلاقة. تتضمن التربية الاجتماعية من المنظور الإسلامي على طائفة غير قليلة من السنن الكونية الثابتة مهما تغيرت الأزمنة والأمكنة. لا تزال التربية الحديثة أمامها الكثير لاستباط السنن الاجتماعية المحركة للإنسان ككائن اجتماعي حساس لا يستغني عن حسن التعامل مع النفس والناس ووفق هذه الرؤى مجتمعة يمكن التعامل مع معطيات التاريخ وخلاصة القصص التي رواها النبي صلى الله عليه وسلم.

محاور الدراسة

أسس التربية في القصة النبوية

يرمي القصص النبوي في جوهره إلى ترسيخ أصل وحيد هو التوحيد؛ الإيمان بالله سبحانه ومن هذا الأصل الأم تتفرع جميع الأصول. ذلكم الأصل الأصيل في وجدان ووجود الإنسان يجعل القيم الاجتماعية لاحقا مرتبطة به، مستمدة منه، معتمدة عليه. العلاقات المجتمعية النابعة من الإيمان بالله تضمن التكافل الاجتماعي وتجلب التواضع والتضامن وتنفي الأنانية والظلم والتكبر والغلظة لأن الله لا يحب الفحش بكافة صوره وكل درجاته. وفق تلك القاعدة تجري أحداث القصة النبوية فكلما قوي الإيمان كان الجانب الاجتماعي مشرقا متألقا. هذه سنة من سنن الاجتماع الإنساني فالإيمان الحقيقي يهدي إلى أطيب الطباع وأعفها.

جميع القصص النبوي يهدف إلى غرس وتعزيز الإيمان بالله جل ثناؤه. هذا الأصل الذي لا يغيب عن أحداث القصة النبوية أبدا. نجد في قصة الثلاثة الذين دخلوا الغار شدة إيمانهم بالله وخشيتهم منه سبحانه هو الدافع لهم جميعا لتحسين سلوكهم الاجتماعي. إن الأعمى نجح في احتبار الشكر في حين سقط الأقرع والأبرص لأنه كان إيمانه حيا وقلبه يقظا وكذا نهض الْكِفْلُ من كبوته بقوة الإيمان ونجد هاجر عليها السلام تقف بشموخ في صحراء مكة وتصبر محتسبة كما نلحظ في قصة عجوز بني إسرائيل شوقها لدخول الجنة وعلو همتها المنبثقة من إيمان عميق (جميع القصص السابقة مذكورة في ملحق الدراسة).

هذه القصص مهمة اليوم لأن الصراع بين الكفر والإيمان صراع دائم عالميا وعلى مر العصور، واليوم هناك مؤسسات قوية معنية بنشر الإلحاد ومحاربة التوحيد لا سيما على الصعيد الفكري (http://freethinker.co.uk). لقد رسخ كثير من الفلاسفة والمفكرين فكرة الإلحاد في العلوم الإنسانية كما فعل فرويد الذي اعتبر الدين وهما (فرويد، 2010م). لازالت قضية الإيمان بالله تتحدى الإلحاد عالميا (Markham, 2010, Oubrou, 2010, p. 12) والقصة وسيلة لزرع الإطمئنان الروحي والإيمان الديني. وصدق محمد اقبال:

إذا الإيــمان ضاع فلا أمان ولا دنيا لــمن لم يحي دينا         ومن رضي الحياة بغير دين                           فقد جعــــلالفناء لها قرينـا

“إن أول شيء تثمره القيم التربوية الإسلامية في البناء الشخصي للإنسان المسلم هو تقوية صلته بالله عز وجل، إلى الدرجة التي تجعله يراقبه في السر والعلن، في كل حركاته وسكناته، فهو لا يقدم على شيء إلا وهو يراعي حرمة الله ويرجو له وقارًا” (ابن مسعود، بدون تاريخ)، وهكذا تشكل القيم الاجتماعية طاقة التعمير والنهضة وتصبح شبكة أمان تحفظ المجتمعات من الانهيار (سعيد، 2008م، ص 31) فالإيمان بالله سبيل الرقي وأساس تربية الإنسان المسلم في المجتمع الإسلامي (مقبل، 1989م، ص 233).

إن القصة النبوية تربط المعاملات المالية والتجارة والبيع والشراء وقيم سداد القرض بالإيمان بالواحد الأحد سبحانه وتعالى كي تنتظم حياة البشر كما نجد ذلك جليا في قصة المقترض (انظر الملحق) الذي قال كفى بالله شهيدا. لقد قرن القرآن الكريم بين الإيمان وقول الحق فقال سبحانه “يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالقِسْطِ شُهَدَاءَ لِله وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ” (النساء: 135). وربطت التربية النبوية الإيمان بالله بجميع الجوانب الاجتماعية. وفي سنن الترمذي خير مثال لعلاقة العبادة بمتانة العلاقات الاجتماعية وأن الإصلاح بين الناس من أفضل القربات لله سبحانه إذ يقول الحديث “أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصّيَامِ وَالصّلاَةِ وَالصّدَقَةِ؟ قَالُوا: بَلَى. قال: صَلاَحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، فَإِنَ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ”. وهكذا فإن المشاحنات تفسد الدين والحياة معا لأنها تورث البغضاء وتقضي على الألفة وتزيل الاجتماع وتعكر معاني التعاون والتواصل.

استنبط العلماء من قصة قاتل مائة نفس أهمية البيئة الاجتماعية في سلوك الفرد سلبا وايجابا. “وقد صرح العلماء باستحباب مفارقة التائب المواضع التي أصاب بها الذنوب ومقاطعة الحاثين له على ذلك ماداموا على حالهم، وأن يستبدل بهم صحبة أهل الخير والصلاح فتتأكد بذلك توبته؛ فإن مزايلة أماكن السوء وأماكن الضلال والركون إلى أهل الخير والعيش معهم كلها من علامات ثبوت التوبة” (سلمان، 1991م، ص 263). قال العسقلاني معلقا على قصة قاتل المائة نفس “وفيه فضل التحول من الأرض التي يصيب الإنسان فيها المعصية لما يغلب بحكم العادة على مثل ذلك إما لتذكره لأفعاله الصادرة قبل ذلك والفتنة بها وإما لوجود من كان يعينه على ذلك ويحضه عليه، ولهذا قال له الأخير: ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء، ففيه إشارة إلى أن التائب ينبغي له مفارقة الأحوال التي اعتادها في زمن المعصية، والتحول منها كلها والاشتغال بغيرها”. ومن القصة السابقة يتعلم المرء عدم احتقار المذنب مهما فعل (زينو، 2006م، ص 56) فقد يختم الله له بالخير فالمذنب قد يحتاج من المجتمع الشفقة والرحمة والرأفة وحسن التوجيه وفتح باب الأمل لا البطش والتشهير . إن التعامل مع الظواهر السلبية وانحرافات الشباب وغيرهم بحاجة إلى فقه مستنير ومنهج صحيح للاصلاح لبناء جسور التواصل والتصويب.

قال الغزالي أن الأخلاق السيئة تُكتسب من مسارقة الطبع مما يشاهده من أخلاق الناس وأعمالهم فهو داء دفين قلما يتنبه له العقلاء فضلا عن الغافلين (ص 572). يرى البهاء العاملي (2010م) أن مسارقة الطبع هو اكتساب “الصفات الذميمة من قرناء السوء” (ص 251). وهكذا فإن للبيئة الاجتماعية عظيم الأثر في تكوين شخصية الفرد فمن طريق المخالطة بين الأفراد يتم انتقال الأفكار أو الوجدان أو السلوك من فرد إلى آخر ومن جماعة إلى جماعة (عبدالله، 2006م، ص 275).

 ومن أهداف القصة النبوية غرس وتعزيز المفاهيم التالية: التعليم، الترغيب والترهيب، والموعظة، والتوبة، والتسرية (الزير، 1985م، ص 425) وهذا من شأنه أن يجدد الطاقة الاجتماعية ويرفع من مستوى التنمية. ركز القصص النبوي على مجموعة قيم منها قضية الثبات في العقيدة وأهمية الصلاة، والعفة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتوبة والأمانة (الزير، 1985م، ص 388-398) وأن الأعمال الصالحة تفرج الضيق (أبوشيخة، 2003م، ص 28). قال ابن حجر في قصة أصحاب الغار “وفي هذا الحديث استحباب الدعاء في الكرب، والتقرب إلى الله تعالى بذكر صالح العمل، واستنجاز وعده بسؤاله… وفيه فضل العفة والانكفاف عن الحرام مع القدرة، وأن ترك المعصية يمحو مقدمات طلبها، وأن التوبة تجب ما قبلها. وفيه جواز الإجارة بالطعام المعلوم بين المتآجرين، وفضل أداء الأمانة، وإثبات الكرامة للصالحين… وفيه أن المستودع إذا اتجر في مال الوديعة كان الربح لصاحب الوديعة… وفيه الإخبار عما جرى للأمم الماضية ليعتبر السامعون بأعمالهم فيعمل بحسنها ويترك قبيحها” (باختصار). واستنبط ابن حجر العسقلاني استنباطا لطيفا من القصة المذكورة حيث ذهب إلى أن المحسن لابن عمته خير الثلاثة فقال “ويظهر ذلك من الأعمال الثلاثة: فصاحب الأبوين فضيلته مقصورة على نفسه لأنه أفاد أنه كان بارا بأبويه، وصاحب الأجير نفعه متعد وأفاد بأنه كان عظيم الأمانة، وصاحب المرأة أفضلهم لأنه أفاد أنه كان في قلبه خشية ربه، قد شهد الله لمن كان كذلك بأن له الجنة حيث قال: (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى) وقد أضاف هذا الرجل إلى ذلك ترك الذهب الذي أعطاه للمرأة فأضاف إلى النفع القاصر النفع المتعدي، ولا سيما وقد قال إنها كانت بنت عمه، فتكون فيه صلة رحم أيضا، وقد تقدم أن ذلك كان في سنة قحط فتكون الحاجة إلى ذلك أحرى”.

      ويعلق سعيد اسماعيل علي (2002م) على قصة أصحاب الغار قائلا ” فها هنا تحمل القصة العديد من الدلالات التربوية، مثل بر الوالدين، فهما اللذان ربيانا سنوات طويلة تحملا فيها الكثير ، فلا أقل من رد بعض المعروف لهما بمراعاتها وقد كبرا، وكذلك مجاهدة النفس للسيطرة على الشهوات والأهواء مما في شأنه أن يقوي الإرادة، فيصبح الإنسان أكثر قدرة على مواجهة الصعاب والمشكلات والعثرات، وأيضا الإبتعاد عن المعاصي والذنوب خوفا من الله، وأداء الأمانات إلى أهلها” (ص 356). وقصة جريج العابد تبين بجلاء أهمية تقديم بر الوالدين على التطوع بالصلاة (عمر، 2007م، ص 123).

والحق أن الإسلام فتح أبواب الجهاد المدني “ففيهما فجاهد” فمن “مجالات الجهاد: المجال الاجتماعي الذي يتعلق برعاية الأسرة من الوالدين والأولاد والأرحام” (القرضاوي، 2009م، ج1، ص 216).

إن قصة أصحاب الغار تحث على محبة الوالدين وإكرامهما وحسن خدمتهما وعدم استخدام المال إلا بالخير وأهمية “حفظ حقوق العمال وصيانة أجرهم وأتعابهم، واستثمار أموالهم لخيرهم أيضا” (الهاشمي، 2006م، ص 299). تكشف القصة أصناف الناس (كرزون، 2007م، ص 371، النحلاوي، 2008م، ص 105) في حقيقتها في التعامل مع أنعم الله سبحانه فقسم يجحد وقسم يحمد.

جميع القصص النبوي يتمركز حول فكرة رئيسة وهي أن رقابة الله أساس رعاية حقوق البشر ودور التربية هو جعل الإيمان وازعا للخير ورادعا للشر. هذه الرقابة الذاتية طاقة متجددة أساسها الإيمان الصادق والرغبة في الصلاح. الإنسان والمجتمع والحياة ثلاثة مفاهيم فلسفية ترتكز حول محور واحد أساسي هو الإيمان بالله. هذا المعنى العام للإسلام إذ أن التسليم لله رب العالمين أساس سلوكيات الإنسان وفق المنظور الإسلامي.

      والقصة ذاتها – قصة أصحاب الغار- تحث بوضوح على صحبة الأخيار لا سيما في حال السفر حيث تسفر أخلاق الناس وتنكشف عاداتهم بالمعاشرة الحسنة أو العسرة. إن عماد الحياة الالتزام بالصحبة الصالحة والجماعة الصادقة القادرة على توفير الأمن الاجتماعي والتنزه عن الدنايا والتوجه نحو التماسك والضبط والتوافق والتفوق. وهذا المغزى نجده كذلك بارزا في قصة قاتل المئة حيث طلب منه العالم أن يهجر موطن الذنب ويلوذ بمكان فيه صحبة صالحة ليعم الأمن ويقلع عن الشطط ويفر من المعصية على الفور لا التراخي ويعزم عزما جازما أن لا يعود لمثلها أبدا.

وقصة أصحاب الغار تتضمن حوارات شائقة تعطي القصة مظهرا جاذبا فكرا وروحا ولغة. إن الحوار عنصر مهم في القصص النبوي حيث بلغ عدد القصص النبوية المشتملة على الحوار 72 قصة واشتملت على 164 صورة من صور الحوار وهذا يخفف من رتابة سرد القصة (الزير، 1985م، ص 313، 323، عبود، 2007م، ص 12). ومن منظور تربوي فإن الحوار يثري الأذهان ويرفع من قيمة الإنسان. إن الحوار السقراطي (Conley, 2002, p. 10) وغيره من أسس توليد الأفكار وتدريب العقل على التركيز والتفكر وشحذ الذهن وحماية المجتمع من الجمود. فتح قنوات الحوار وسيلة راقية وحضارية لتحسين حياة الجماعة.

وإذا انتقلنا إلى قصة الأقرع والأبرص والأعمى فإنها كأخواتها من القصص ترشد إلى الإفادة من تجارب الأمم والشعوب والتعارف على لطائف المعارف بغض النظر عن جنس ولون ودين تلك الأمم. الحديث عن الأمم الأخرى من سماحة الإسلام والقصة النبوية تجسد تلك الرؤية المفتحة على الآخر والمتفاعلة معه.

تتضمن قصة الأقرع والأبرص والأعمى على جملة وافرة من المعارف أشار العسقلاني إلى طائفة منها من مثل جواز ذكر ما اتفق لمن مضى ليتعظ به من سمعه ولا يكون ذلك غيبة فيهم، ولعل هذا هو السر في ترك تسميتهم. وفيه التحذير من كفران النعم والترغيب في شكرها والاعتراف بها وحمد الله عليها، وفيه فضل الصدقة والحث على الرفق بالضعفاء وإكرامهم وتبليغهم مآربهم، وفيه الزجر عن البخل، لأنه حمل صاحبه على الكذب، وعلى جحد نعمة الله تعالى.

ومن الآداب الاجتماعية المستنبطة من القصة المذكورة “جواز قول المرء لأخيه أنا بالله ثم بك. ولا يجوز أن يقول : أنا بالله وبك” (سلمان، 1991م، ص 194). إن الآداب الاجتماعية في الإسلام ليست شكلية ولفظية بل المقصود منها ربط كل مناحي الحياة بالأدب مع الله سبحانه فلا يليق بالإنسان أن يشرك مع الله أحدا لا في القول ولا العمل ولا الاعتقاد. إن حسن معاشرة الناس لا يفضي بالمرء إلى الاعتماد عليهم بل قلب المؤمن دائما يتوجه مخلصا لله سبحانه وينزه اللسان والجنان والأركان من الشرك به.

ومن المعاني الكبرى في طيات تلك القصص النبوي أن يستفيد السامع منها خلق الصدق ويحمل نفسه على التحلي به، ويمقت الكذب وينأى بنفسه عنه (اليوبي، 1428هـ، ص 427). والصدق دائما يلازم الأمانة والصادق الأمين صلى الله عليه وسلم جاء ليتمم صالح الأخلاق وقصصه تصب في هذا المصب الأخلاقي.

الأسرة وتنمية العلاقات الاجتماعية

من خلال المواقف الأسرية المختلفة يُكَوِّن الطفل مفهومه عن ذاته؛ ما نوع الشخص الذي يدرك نفسه على أنه هو؟ وما مصادر قوته؟ وما الكفايات التي يرى نفسه على أنه يتصف بها؟ وما الذي يتوقعه لنفسه في الحاضر وفي المستقبل؟ ويتعلم الطفل داخل الأسرة كيف يعيش داخل نظام اجتماعي, كيف ينظم سلوكه بطرق متسقة كي يتواءم مع سلوك الآخرين, وكيف يتفاعل مع الآخرين في إطار شبكة معقدة من العلاقات الاجتماعية؟ فهو يتعلم بذلك كيف يعيش متوافقًا داخل نظام اجتماعي منسجمًا مع أسلوب حياة الجماعة؟ (الموسوعة العلمية للتربية، 2004م، ص 45-46).

نلحظ في قصة هاجر مع ابنها وزوجه (انظر الملحق) العلاقة الحميمة بين الأم وابنها والولد ووالده كما نجد أن العلاقات الزوجية لا تستقيم بالشكوى بل بالحمد والشكر لهذا حض إبراهيم عليه السلام ولده بالحفاظ على زوجته الحامدة الشاكرة وطلب منه فراق المرأة التي تتذمر حتى للغرباء. قال الشاعر:

الشكر يفتح أبوابا مُغلّقة         للـه فيها على مَن رامه نِعَمُ

فبادر الشكر، واستغلق وثائقه    واستدفع اللـه ما تجري به النِّقمُ

وفي القصص النبوي نجد الجانب الاجتماعي يكشف أن صفات الأم أو الأنثى ومكارم الأخلاق لا تتعلق بغني أو فقير وإنما هي صورة لإنسان سويٍّ من بني البشر، ومن المواضع التي ذكر فيها الجانب الاجتماعي حديث أصحاب الغار، والكفل، والمتصدق، وفيها نجد أن الفقر من أسباب اللجوء إلى الفاحشة (الحكيم، 2008م، ص 100). ولاريب أن الجانب الاقتصادي له دوره العظيم في رخاء وشدة حياة الناس لهذا عالج الإسلام هذا الأمر بفرض الزكاة والحث على الصدقات والتواصي بالبر وحض على التطوع.

جاء في دراسة لعمر الأشقر (2007 م) في صحيح القصص النبوي أن “على الرجل أن يحذر من زوجته من أن تحرف مساره, فقد أكل آدم من الشجرة بمشورة حواء” (ص 28) ودليله أن الحديث الصحيح يقول أن آدم في آخر لحظة من حياته قال لحواء وهو يبعدها عنه “إليك إليك عني، فإني إنما أوتيت من قِبلك، خلي بيني وبين ملائكة ربي تبارك وتعالى، فقبضوه”. وقدم محمد عبدالرحيم (2005 م)  القصة نفسها لقرائه (ص 24) إقرارا بها وغرسا لها. ويستند كل من الأشقر وعبدالرحيم على قصة يعتبرانها من القصص النبوي ويؤكدان على صحتها سندا ومتنا. والقصة تروج فكرة خطرة وهي أن آدم خرج من السماء بسبب مشورة خاطئة من حواء ولكن معظم الكتب المتخصصة في القصص النبوي لا تلتفت للحديث السابق لضعف سنده كحديث مرفوع ولغرابة متنه.

ومهما يكن الأمر فالعلاقة بين الرجل والمرأة وبالأحرى الزوج وزوجته علاقة ثقة وحسن الظن فهما شريكان بينمها مودة ورحمة ولا حاجة لتسويق مثل تلك الأفكار المتعارضة مع جوهر العلاقات الزوجية وتلك الاجتهادات الدينية قلقة ولا تتسق مع قطعيات القرآن الكريم.

فهل نتحمل أوزار أمنا إن كانت فعلا فعلت ما فعلت؟ أليست كل نفس بما كسبت رهينة إذا افترضنا جدلا صحة القصة؟ إذا كانت الرؤية الوجودية (الانتولوجي) على هذا النحو فالمعرفة (الإبستمولوجي) والفكر في هذا الإطار الفلسفي هل سيكون صحيحا؟ وهل القيم (الأكسيولوجي) المتفرعة مما سبق هي قيم عادلة نربي عليها الناشئة ونبشر بها الأمم قاطبة؟ إذا كانت النظرية فيها بذور الشقاء والاتهام والعقدة فهل التطبيق العملي سيكون رحمة وعدالة؟ هل هذه عقيدة نعيش بها أم عقدة نؤمن بها؟ (ملك والكندري، 2009م، ص 184).

ويقدم الأشقر (2001م، 2007م) صورة أخري أيضا غريبة لعلاقة الزوج بزوجته حيث يعتقد الباحث على ضوء فهمه للقصص النبوي أن داود كان ” فيه غيرة شديدة وكان إذا خرج أغلقت الأبواب فلم يدخل على أهله أحد حتى يرجع” (ص 139، سلمان، 1991م، ص 363). يرى الأشقر أن تغليق الأبواب وعزل الزوجة عن الآخرين نوع من الغيرة الشديدة المحمودة التي يجب أن يتعرف عليها القارئ كخلق نبوي كريم (ص 142). هذه اجتهادات تخلق عقلية شكية ولا تتسق مع مجمل مقاصد القصص النبوي حيث تتحرك المرأة في المجتمع بشكل طبيعي وتتحدث مع الآخرين وتتفاعل معهم في حدود الأدب والعفة وهذه سنة من السنن الاجتماعية عند الأمم قاطبة ولا داعي لفهم النصوص الدينية وفق بعض العادات الاجتماعية التي تسجن المرأة وتضيق على حركتها باسم الغيرة والدين.

ولقد ساهمت بعض الوصايا التربوية في فرض النقاب الكثيف على المرأة وحبسها وراء أربعة جدران حتى قال ابن المقفّع: إيّاك ومشاورة النساء، فإن رأيهنّ إلى أفنٍ، وعزمهنّ إلى وهنٍ. واكفف عليهنّ من أبصارهنّ بحجابك إيّاهنّ، فإنّ شدّة الحجاب، خيرٌ لك من الارتياب. وليس خروجهنّ بأشدّ من دخول من لا تثق به عليهنّ، فإن استطعت ألاّ يعرفن عليك فافعل” (الدينوري، بدون تاريخ، ج4، ص 76). هذا التوجه المتشدد نحو المرأة من أسباب تردي الأحوال الاجتماعية لعدة قرون لأنه شل حركتها (البنا، 2010م، ص 11، 129) وليس من الحكمة أن تكون القصة النبوية سلاحا لتكريس ذلك التشدد.

يقول محمد الغزالي  “إن فسادا واسعا وقع في عالم الاقتصاد ٬ وفي فقه العلاقات الدولية  وفي العلاقات بين الجنسين وفي بيان أصول الحكم بسبب العوج في الفقه٬ أو القصور في الفقه اللذين يصيبان مشتغلين بالمرويات. والواجب أن تزداد عناية المسلمين بفقه الكتاب٬ فإن النكبة في هذا الفقه لا يداويها الاستبحار في السنن” (2009م، ص 76، الغزالي، 2010م، ص 373). “إلا أن هذا لا يقلل من أهمية الجهد الذي بذله علماؤنا لتنقية السنة، كما أنه لا يبرر بأي حال مقولات البعض من أنه يكفينا القرآن الكريم ويمكننا الاستغناء عن السنة النبوية، فهذا كلام في منتهى الخطورة” (العلواني، 2010م، البنا، 2009م، ص 92) .

يؤكد الزير (1985) على أن القصص النبوي يبين طبيعة المرأة بأنها تتأثر بالمظهر وتنساق بسهولة عجيبة وراءه وأن غريزة حب المظهر والظهور تدفعها للغرور (ص 270، الحكيم، 2008م، ص 74). إن الصورة النمطية عن المرأة استحكمت حلقاتها لا سيما في المجتمعات المتخلفة وآن الأوان لكسر ذلكم الطوق التقليدي وبث القيم الإنسانية القائمة على دور التربية في فلاح الإنسان وتزكية روحه سواء كان ذكرا أو أنثى. وآن الأوان أيضا إلى النظر للاختلافات بين الجنسين نظرة تنوع وثراء وخصوصية ومن الخطأ الارتكاز عليها لتعزيز الفكر النمطي وتبرير دونية المرأة أو تسويغ اللامساواة. إن تدني مكانة المرأة في العالم العربي قضية حساسة ومن الحكمة الاستعانة بالحديث النبوي لتصحيح الوضع لا لترسيخ العادات الجائرة التي هيمنت على العقول لعدة قرون حتى احتجبت المرأة عن مسرح الحياة وهي مرغمة فشح نشاطها، وقل عطاؤها فكريا بسبب عزلها أو التضييق عليها باسم الدين.

ترصد القصة النبوية المرأة في مواضع رفيعة وقد تبرزها قدوة حسنة خالدة مثل قصة سارة مع الجبار، وهاجر، وعجوز بني إسرائيل، وماشطة بنت فرعون –إن صحت القصة- لإثبات قوة المرأة وعلو مكانتها في صنع تاريخ البشر عبر مواقفها الكريمة، وسعيها الموفق، وذكاؤها المتوقد. ولعل البر بالوالدين من أبرز علامات العناية بالمرأة في الحديث النبوي وكما جاء في قصة جريج “لو كان جريج فقيها لعلم أن إجابة أمه أولى من عبادة ربه”.

تبين قصة أيوب عليه السلام[1] أن الصبر ضياء وتكشف دور الأسرة في توفير الرعاية الكريمة لا سيما في الشدائد. ومن قصة أيوب نجد أن الصبر مفتاح الرضا الاجتماعي ولكن من الغريب أن نجد البعض يروي أن أيوب كان يستحي من أن يدعو الله كي يكشف عنه البلاء (البراوي، 1978م، ص 70، 72). إن الدعاء عبادة بل من أرفع العبادات فكيف يستحي أيوب من دعاء ربه ! إن علم الله سبحانه بحال عبده لا يغني العبد من التذلل بين يديه والدعاء له وطلب الحاجة منه لأنه سبحانه يحب من عبده أن يسأله بحرارة الحاجة ولهفة المكروب. كل أسرة تمر بسلسلة من التحديات ولا بد من التفاؤل والأمل لتجاوز العقبات.

لقد وظف الصحابة رضي الله عنهم القصص النبوي في تعزيز الراوبط الأخوية والحفاظ على مسيرتها من الشرور كالغرور الذي يفرق صف الأحبة ويمزق شمل الإخوة. ذكر ابن حبان (1996م) عن ضمضم بن جوس اليمامي “قال : دخلتُ مَسْجِدَ الرسولِ فإذا أنا بشيخٍ مُصَفِّرٍ رأسَهُ بَرَّاقِ الثنايا مَعَهُ رَجُلٌ أَدْعَجُ، جَميلُ الوجهِ، شابٌّ، فقالَ الشيخُ: يا يَماميُّ، تَعَالَ لا تَقُولَنَّ لرجلٍ أبداً: لا يَغْفِرُ اللَّهُ لكَ، واللَّهِ لا يُدْخِلُكَ اللَّهُ الجنةَ أبداً، قلتُ: ومَنْ أنتَ يرحمُك اللَّهُ؟ قالَ: أنا أبو هُريرةَ، قلتُ: إنَّ هذهِ لَكلمةٌ يقولُها أحدُنا لبعضِ أهلِهِ أو لخادِمِهِ إذا غَضِبَ عليها، قال: فلا تَقُلْها، إنِّي سَمِعْتُ رسولَ اللَّهِ يقولُ: «كانَ رَجُلان مِنْ بني إسرائيلَ مُتواخِيَيْنِ، أحدُهما مجتهدٌ في العبادةِ، والآخرُ مُذْنِبٌ، فأبصرَ المجتهدُ المذنبَ على ذَنْبٍ، فقالَ لَهُ: أَقْصِرْ، فقالَ لَهُ: خَلِّني ورَبِّي. قالَ: وكانَ يُعيدُ ذلكَ عليهِ، ويقولُ: خَلِّني وربي، حتى وَجَدَهُ يوماً على ذَنْبٍ فاستعظَمَهُ، فقالَ وَيْحَكَ أَقْصِرْ، قالَ: خَلِّني وربي، أَبُعِثْتُ عليَّ رقيباً؟ فقالَ: واللَّهِ لا يَغْفِرُ اللَّهُ لكَ أبداً، أو قالَ: لا يُدْخِلُكَ اللَّهُ الجَنةَ أبداً، فبُعِثَ إليهما مَلَكٌ فَقَبَضَ أرواحَهُما، فاجتمَعَا عندَه جلَّ وعلا، فقالَ رَبُّنا للمجتهدِ: أَكُنْتَ عالماً أَمْ كُنتَ قادراً على ما في يَدي، أَمْ تَحْظُرُ رحمتي على عَبْدِي؟ اذْهَبْ إلى الجنةِ، يريدُ المذنبَ، وقالَ للآخرِ: اذهَبُوا بهِ إلى النارِ، فوالَّذي نفسي بيدِهِ لَتَكَلَّمَ بكلمةٍ أَوْبَقَتْ دنياهُ وآخرتَهُ».

      إن العبادة الحقة لا تورث الغرور بل ترقق القلوب وتقرب العبد من العباد وتزيد الأخلاق حسنا، وتعطي العلاقات قوة، وتمنح الناس مودة. إن التدين الفاسد يحيق بصاحبه المهالك عبر العصور وينفر الناس من التدين القويم. لقد استخدم الصحابة القصة السابقة في ضرورة حسن انتقاء الكلمات وعدم الإساءة في استخدامها لا سيما في ساعة الغضب مع الأهل وبين الإخوان أو مع الخدم فالغضب من أهم أسباب الندم. المؤمن مأمور بالقول الحسن لقوله جل ثناؤه “وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً” (البقرة: 83) ولهذا كان هذا الأمر داخل الأسرة أو بين الإخوان أو الأصدقاء غاية في الأهمية لصلاح المجتمع.

ومن منظور التربية الأسرية نجد في قصة جريج العابد ووالدته أن الإنسان قد لا يتعلم إلا إذا جاءته مصيبة فعند ذلك يتغير فالإنسان في بعض الحالات لا يعرف الصواب إلا بعد أن يمتحن ويعرف ماذا ينبغي عليه أن يفعل (المنجد، 2001م، ص 127). جمع العسقلاني مجموعة فوائد من قصة جريج منها: أن إجابة الوالد في النافلة أفضل من التمادي فيها، وعظم بر الوالدين. وفيه الرفق بالتابع إذا جرى منه ما يقتضي التأديب لأن أم جريج مع غضبها منه لم تدع عليه إلا بما دعت به خاصة، ولولا طلبها الرفق به لدعت عليه بوقوع الفاحشة أو القتل. وفيه أن صاحب الصدق مع الله لا تضره الفتن. وفيه قوة يقين جريج المذكور وصحة رجائه، لأنه استنطق المولود مع كون العادة أنه لا ينطق؛ ولولا صحة رجائه بنطقه ما استنطقه. وفيه أن الأمرين إذا تعارضا بدئ بأهمهما، وأن الله يجعل لأوليائه عند ابتلائهم مخارج، وإنما يتأخر ذلك عن بعضهم في بعض الأوقات تهذيبا وزيادة لهم في الثواب. وأن المفزع في الأمور المهمة إلى الله يكون بالتوجه إليه في الصلاة. وفيه أن البشر طبعوا على إيثار الأولاد على الأنفس بالخير لطلب المرأة الخير لابنها ودفع الشر عنه ولم تذكر نفسها (باختصار).

كان الرجل البار بوالديه في قصة أصحاب الغار يطعم والديه ثم أطفاله وهذا الهدي في خدمة الأهل ومباشرتهم بنشاط وحكمة غاية في الأهمية بل كان هو سلوك النبي صلى الله عليه وسلم سيد الأخيار في بيته والأخبار الصحيحة في ذلك متواترة ومؤثرة تحث على حسن الطباع، وتبث كرم الاجتماع. إن الرجل الذي يفعل ذلك في بيته ويشارك بفاعلية في أعمال المنزل وحسن تربية أطفاله ويولي اهتمامه لعائلته في المنزل وخارجه هو شخص ناجح لأنه يعامل شريكة حياته وشقيقة روحه بأدب متفرد، ولديه القدرة الفائقة على تفهم مشاعر أفراد أسرته ويعي مشكلات الآخرين من حوله مما يحسن الرفقة بينهم، ويضفي حياة نابضة في عشرتهم.

الإسلام منهج كامل للحياة له ضوابط أخلاقية تقوم على أسس عقدية واضحة وشاملة تنظم حياة الإنسان وترشده إلى سبل الحياة الكريمة التي تشبع رغباته، وتحقق احتياجاته. هذه هي الرسالة الجوهرية للتربية الاجتماعية في القصة النبوية. إنها في حقيقتها إضافة لما سبق قصص أخلاقية بالدرجة الأولى إذ تعكس القيم القرآنية التي عاش النبي عليه السلام من أجل تدريسها وتأصيلها وتطبيقها في الأمة المسلمة. إنها جزء من الأحاديث النبوية التي قام جيل الصحابة بصيانتها حق الصيانة والحفاظ على صياغتها الأصلية ومن ثم توصيل ذلك الميراث المبارك بأمانة بالغة ودقة متناهية إلى الأجيال اللاحقة. وفي التربية الاجتماعية فإن تحليل القصة النبوية تحليلا سليما يرشد إلى عنايتها بتحديد واجبات وحـقـوق الـفـرد نـحـو ربـه، وأسـرتـه، ومـجـتـمـعـه كـمـا لا يـغـفـل الـقـصـص الـنـبـوي عن إبـراز مـكـانـة الإيمان بالله الذي ينبغي أن يهيمن على عقيدة المؤمن ويسيطر على تصرفاته.

تكوين العلاقات الاجتماعية الإيجابية

يولد كل إنسان على الفطرة وله استعدادات جبلية بحاجة إلى التنمية الدائمة وعادات مكتسبة تستدعي الرعاية لتنمية ذكائه الاجتماعي. الذكاء الاجتماعي هو القدرة على الانسجام والتآلف الجيد مع الآخرين وكسب تعاونهم (ألبريخت، 2008م، ص 3). ولقد حرصت القصة النبوية -ضمن أغراضها التعليمية- أن تمدنا بخطوط عامة ترشد لذلك كله.

نجد في قصة جريج العابد مع أمه فكرة أساسية وهي فضل العالم وأهميته فالعالم خير من العابد لأن نفعه يصل الناس ويوسع عليهم ويرشدهم إلى الصلاح في كل عصر وعلى الأخص في ساعات العسر. معاشرة الناس على أساس العلم الصحيح يجنب الفرد الزلل ويحقق له حسن التواصل لأنه عرف الحقوق والواجبات، وأدرك حدود وفقه سلم الأولويات في التعامل وأن النفع المتعدي (صلة الرحم) خير من النفع القاصر (الانغماس في أداء النوافل على حساب أداء الواجبات الأسرية). وقيمة العلم الصحيح ودور العالم في توصيله وفي ارشاد المجتمع تتضح أيضا في قصة قاتل مائة نفس حيث نجح عالم الدين في فتح أبواب التوبة لمن أسرف على نفسه وبلغت ذنوبه عنان السماء وأرشده عمليا إلى الإقلاع عن الذنب وترك بيئته الفاسدة وصولا للتوبة النصوح.

قال ابن حجر العسقلاني معلقا على قصة موسى والخضر كما وردت في الحديث “استحباب الحرص على الازدياد من العلم، والرحلة فيه، ولقاء المشايخ وتجشم المشاق في ذلك، والاستعانة في ذلك بالأتباع، وإطلاق الفتى على التابع … وعذر الناسي” (باختصار). إن قصة موسى ورحلته العلمية مذكورة في سورة الكهف والقصة النبوية تضفي مزيدا من الأضواء عليها.

      ولقد خرج موسى والخضر في رحلة تعليمية وتجشم الصعاب بنشاط وبذل الأسباب وذلك خير دليل على أهمية السعي الحثيث والاصرار في التعلم وقهر التحديات. وجد موسى في الخضر الصاحب الأمين، والمعلم المكين رغم المواقف الغريبة والاعتراضات المؤدبة والأسئلة المهمة.

ويكشف لنا القصص النبوي أن الفطنة والفقه لا تتعلق بالسن، فالصغير قد يفقه ويدرك ما لا يدركه الكبير، كما فقه سليمان الابن مالم ينتبه إليه داود الأب (الأشقر،2001، 2007م، ص 156). البحث عن الحكمة وتعظيمها من أهداف القصة النبوية. ورد في البخاري “كَانَتْ امْرَأَتَانِ مَعَهُمَا ابْنَاهُمَا جَاءَ الذِّئْبُ فَذَهَبَ بِابْنِ إِحْدَاهُمَا فَقَالَتْ صَاحِبَتُهَا إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ وَقَالَتْ الْأُخْرَى إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ فَتَحَاكَمَتَا إِلَى دَاوُدَ فَقَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى فَخَرَجَتَا عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ فَأَخْبَرَتَاهُ فَقَالَ ائْتُونِي بِالسِّكِّينِ أَشُقُّهُ بَيْنَهُمَا فَقَالَتْ الصُّغْرَى لَا تَفْعَلْ يَرْحَمُكَ اللَّهُ هُوَ ابْنُهَا فَقَضَى بِهِ لِلصُّغْرَى” (كِتَاب أَحَادِيث الْأَنْبِيَاءِ). قال العسقلاني “ودلت هذه القصة على أن الفطنة والفهم موهبة من الله لا تتعلق بكبر سن ولا صغره”. هكذا تعلم داود الأب من سليمان الإبن، وكذلك تعلم كبار الصحابة من صغارهم وهكذا تكون العلاقات الاجتماعية ترجح المصلحة العامة دون النظر إلى الموانع والأوهام التي تحجب الفرد عن قبول الحقائق الدامغة. بذلك يكون المناخ التعليمي في الأسرة وجميع مؤسسات المجتمع مناخا يجل الحقيقة ويكرم الحكمة بغض النظر عن موانع العمر أو الجنس أو النسب أو المكانة الاجتماعية فالكل حينئذ يتعلم ويتقدم.

 وهكذا تتضمن القصص النبوية في طياتها إشارات كثيرة للأنبياء وهم لا جرم أعظم البشر  وأعلاهم مكانة، فهم أقباس هداية للبشرية كلها وهم قدوة صالحة تجعل الجانب الاجتماعي مجالا خصبا لتطبيق القيم الكبرى المشرقة بالحكمة العظمى. روى النبي صلى الله عليه وسلم رحلة إسرائه ومعراجه ولقياه للأنبياء في حديث طويل يتضمن مشاهداته وحواره مع الملائكة ومن الفوائد الاجتماعية في الحديث أهمية الاستئذان وأنه ينبغي لمن يستأذن أن يقول أنا فلان ويذكر اسمه حينما يقال له من الطارق وأن المار يسلم على الجالس، وتلقي الناس بالبشر والمودة والثناء على الأشخاص في دائرتي الحق والصدق وأن الرحمة والحياء وعلو الهمة والصدق والنصيحة والأخوة من أبرز صفات الأنبياء. حقيق بنا أن نتخلق بتلك الأخلاق لقوله جل ثناؤه” أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ” (سورة الأنعام90).

ومن الرؤية الاجتماعية يستفاد من قصة سارة وإبراهيم والجبار في مصر دور العفة في حياة البشر، وقبول هدية المشرك، وأن من سنن الله الاجتماعية خسران الطغيان وهزيمة الطغاة، وأن البطانة الطالحة خسارة عظيمة، وأن العاقبة للمصلحين، وأن قوة الظالم قوة واهية، وأن العلاقة الزوجية ميثاق غليظ وحصن حصين.

عالج القصص النبوي ضمن موضوعاته مسألة التعصب للنسب وكشف أن هذه الآفة آفة مدمرة لاجتماع الجنس البشري، وأنها تهدد قيم الأخوة، وتدمر معاني الحياة الكريمة. إن من القيم الحضارية الكبرى ذم العصبية لا سيما في الدول العربية حيث تخضع للأسف لسلطان القبيلة –كليا أو جزئيا- وتهدر الحقوق والواجبات المدنية . ورد في مسند الإمام أحمد “عن معاذ بن جبل قال: «انتسب رجلان من بني إسرائيل على عهد موسى عليه السلام أحدهما مسلم، والآخر مشرك، فانتسب المشرك فقال: أنا فلان بن فلان حتى بلغ تسعة آباء ثم قال لصاحبه: انتسب لا أم لك قال: أنا فلان بن فلان وأنا بريء مما وراء ذلك، فنادى موسى عليه السلام الناس فجمعهم ثم قال: قد قضى بينكما، أما الذي انتسب إلى تسعة آباء فأنت فوقهم العاشر في النار، وأما الذي انتسب إلى أبويه، فأنت امرؤ من أهل الإسلام». تلك القصة من مشكاة النبوة تشرح بوضوح الحديث النبوي التالي: “وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ” رَوَاهُ مُسْلِمٌ. قال الملا علي القاري : إن كثير من “علماء السلف والخلف لا أنساب لهم يتفاخر بها، بل كثير من علماء السلف موالي ومع ذلك هم سادات الأمة وينابيع الرحمة، وذوو الأنساب العلية ليسوا كذلك، بل صاروا في مواطن جهلهم نسيا منسيا.”

الناس كلهم خلق الله ولكن البعض في عالمنا لا زالت عصبية الجاهلية البغيضة تعشعش في حياتهم كليا أو جزئيا فكثير منا يعيش مع أحدث مخترعات العصر وفق عقلية الأنساب والتنابز بالألقاب. من أسباب تخلفنا المشين الركون للنسب وترك العمل. التعصب للعرق مرض اجتماعي ونفسي يفتك كيان مجتمعاتنا العربية عبر القرون ويجعل حياتها السياسية والاجتماعية جحيما لأنها تغذي المحسوبية وتشغب على مبدأ تكافؤ الفرص وتطوح بأساسيات العدالة الاجتماعية. رغم أن الإسلام محجة بيضاء قدم لنا العلاج من داء العصبية المقيتة النتنة إلا أن البعد عن تطبيق مقاصد الإسلام حجب عنا الضياء. العجيب أن بعض التيارات الدينية وغيرها في عالمنا العربي تقوم واقعيا بتوظيف العصبية في تحقيق مآربها السياسية الضيقة مما يزيد الأمر خطرا، ويزيد المستقبل غموضا.

وإذا كان سبب تخلف وانحطاط المجتمع راجعًا إلى تفكك شبكته الاجتماعية وذوبان عناصرها الثقافية، فإن المخرج من التخلف يكمن في إعادة بناء تلك الشبكة الاجتماعية.. والمدخل إلى ذلك البناء هو جعل الأمة تعيش المرحلة الروحية التي تكون فيها العلاقات الاجتماعية أكثر كثافة، وهو ما يعبر عنه القرآن الكريم بالبنيان المرصوص، كما يقول مالك بن نبي. إن المهمة الأولى التي ينبغي القيام بها لعلاج معضلة التخلف الحضاري، تكمن في تصحيح العقيدة في النفوس.. والمهمة الثانية تكمن في تصحيح القيم والمفاهيم الخلقية التي اكتسبت خلال عصور الانحطاط طابع السلبية والتثبيط (ابن مسعود، بدون سنة طبع).

وإذا انتقلنا لقصة توبة الكفل نجد المرأة العفيفة التائبة كان لها تأثيرا قويا جدا في الرجل ونقلته من المعصية إلى الطاعة والقصة النبوية عموما تحث إلى سد حد حاجة المرأة قبل أن تحاسب وينسب الشر لها. تظهر المرأة وهي تتحلى بالخير والجمال والإحسان والصدق مما يرسخ دعائم المجتمع (الحكيم، 2008م، ص 81، 86، 97). تلك القصة رواها النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من سبع مرات كما يقول ابن عمر رضي الله عنهما وفي هذا دليل على أن المعلم قد يروي بعض قصص عدة مرات إذا كانت الفائدة المرجوة تتحقق بذلك وفي ذلك دلالة على قوة القصص وتعدد استخداماتها الاجتماعية من المنظور التعليمي.

      وعن فضل إماطة الأذى عن الطريق ورد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَّرَهُ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ (رواه البخاري). قال العسقلاني معلقا على القصة السابقة “وفيه أن قليل الخير يحصل به كثير الأجر”. قال العلماء “ففي هذا دليل أن الرجل لم يكن هو الملقي للغصن على الطريق فيكون واجبا عليه أن يميطها إنما كان متطوعا بإماطتها، وكذلك الأخبار التي جاءت في إماطة الأذى عن الطريق يدل على أنها فضيلة وتطوع من ذلك” (انظر المروزي، بدون تاريخ، وأيضا سلمان، 1991م، ص 148). يعلق أحد التربويين على القصة السابقة بقوله “وهي تربية بيئية من الطراز الأول فقد شكر الله لإنسان أزال الشوك من الطريق فما بالك بإنسان يضع القاذورات وما بالك بإنسان يلوث” (رفعت، 2009م، ص 261). إن التوعية بالمشكلات البيئة وظيفة مؤسسات التعليم فإن من مسئولية التربية أن تنمي في الناشئة حب اكتساب القيم الإسلامية والتعاليم الأخلاقية الرفيعة، وأن تسعى دائما لكل توجهاتها وكذلك تحقيق مبدأ الوعي بالمشكلات والتحديات المجتمعية (آل عايش، 2009م، ص 191). العناية بالبيئة وسيلة لخلق علاقات اجتماعية إنسانية رفيعة حيث تشترك المصالح وترتقي الحياة المعيشية.

ومن أجل نشر فضيلة الأمانة حذر الإسلام من الغش وشن هجوما عنيفا على كل أنواع الخداع. ورد في القصة النبوية “لا تشوبوا اللبن للبيع، إن رجلا جلب خمرا إلى قرية فشابها بالماء، فأضعف أضعافا، فاشترى قردا، فركب البحر حتى إذا لجج ألهم الله القرد صرة الدنانير، فأخذها فصعد الدقل [أعلى السفينة]، ففتح الصرة وصاحبها ينظر إليه، فأخذ دينارا فرمى به في البحر، ودينارا في السفينة. حتى قسمها نصفين” (كنز العمال، للمتقي الهندي). إن العلاقة بين البائع والمشتري لا بد أن تقوم على السماحة والصدق وإلا فلا قيمة للإيمان إذا لم يمنع الإنسان من الغش والبهتان. الأمانة في أداء الأعمال والأبحاث والحقوق حاجة ماسة لبناء شبكة علاقات ناجحة في أي مجتمع. ولعل القصة السابقة على طرافتها تتضمن حقيقة أزلية أن الله سبحانه يخذل من يتخذ الغش مدخله، والتدليس مسلكه.

ومن قصة أصحاب الغار نتعلم أهمية أن تكون صحبة الإنسان كلها صالحة (الرحيلي، 2009م، ص 29). ونتعلم أيضا من قصة أصحاب الغار أهمية حقوق العمال إذ قام صاحب العمل بتثمير المال حتى عودة العامل لديه بعد غياب مفاجئ. إن المجتمع الذي يصون حقوق العمال على اختلاف درجاتهم وتنوع مهنهم هو مجتمع متكافل يقدر حق الضعفاء وعندما تتأخر رواتب العمال ويُسرق جهدهم وتعبهم وبذلهم تحدث القلاقل وتنتشر الفوضى وينعدم الأمن الوطني والظلم نفق مظلم وعاقبة الظالم وإن تأخرت وخيمة. وفي الإسلام مطل الغني ظلم؛ تأخر الغني أو القادر عن الوفاء بالتزاماته وعدم القيام بواجبه تجاه العمال لديه من صور الظلم. إن نشر قيم العدل والإحسان عبر فيض القصص النبوي أداة في غاية الأهمية في التربية الإسلامية وصولا لحياة كريمة.

وفي صحيح مسلم قصة نبوية قصيرة تدل على فضل الصدقة والإحسان إلى المساكين وأبناء السبيل، وفضل أكل الإنسان من كسب يده والإنفاق على العيال. ورد في الحديث الشريف “بَيْنَا رَجُلٌ بِفَلاَةٍ مِنَ الأَرْضِ، فَسَمِعَ صَوْتاً فِي سَحَابَةٍ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلاَنٍ، فَتَنَحَّىَ ذَلِكَ السَّحَابُ، فَأَفْرَغَ مَاءهُ فِي حَرَّةٍ، فَإِذَا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ قَدِ اسْتَوْعَبَتْ ذَلِكَ الْمَاءَ كُلَّهُ، فَتَتَبَّعَ الْمَاءَ، فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الْمَاءَ بِمِسْحَاتِهِ. فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللهِ مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: فُلاَنٌ، لِلاِسْمِ الَّذِي سَمِعَ فِي السَّحَابَةِ. فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللهِ لِمَ تَسْأَلُنِي عَنِ اسْمِي؟ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ صَوْتاً فِي السَّحَابِ الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ يَقُولُ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلاَنٍ، لاِسْمِكَ، فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا؟ قَالَ: أَمَّا إِذْ قُلْتَ هَذَا، فَإِنِّي أَنْظُرُ إِلَىَ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، فَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ، وَآكُلُ أَنَا وَعِيَالِي ثُلُثاً، وَأَرُدُّ فِيهَا ثُلُثَهُ” (انظر النووي بشرح صحيح مسلم، ابن العثيمين، ج2، ص 267). ومن الحقائق الاجتماعية التي سطَّرها قلم محمد الغزالي (2002م) ” البيت المسلم هو الذي يبني العقائد وينشي الفضائل داخل حجره الواسعة أو الضيقة؟ إن النبع الذي يسيل بالحياة للبنين والبنات وللأم والأب نبع مبارك بلا ريب، إن الإنفاق في هذا البيت أبرك مشروع استثماري” (ص 113).

وضع النووي في رياض الصالحين القصة السابقة تحت باب “باب الكرم والجود والإنفاق في وجوه الخير ثقة بالله تعالى“. هذه القصة تلفت الذهن إلى قيمة التخطيط السليم، وبركة العطاء، وأهمية العمل اليدوي، وفضل الإنتاج وهي القيم العملية التي تحتاجها الأمم كي تكون اليد العليا بمبادئها وثرواتها وتكافلها. إن صلاح الفرد فيه صلاح للمجتمع. إن الرجل الصالح في القصة السابقة لم يذكر اسمه وزمنه ومجتمعه وهذا يتكرر في معظم القصص النبوي لأن العبرة بالفعل لا بالفاعل وهذا السلوك مطلوب مرغوب عبر العصور في صفحات الصالحين فهم عظماء في الأرض والسماء.

وعلى نفس النسق السابق يقدم القصص النبوي صورا وضاءة في المجتمع المتحضر بقيمه النبيلة، المتمدن بتصرفاته الرفيعة. ورد في القصة النبوية “كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ فَإِذَا رَأَى مُعْسِرًا قَالَ لِفِتْيَانِهِ تَجَاوَزُوا عَنْهُ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا فَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ” رواه البخاري). إن الرفق بأفراد المجتمع أثناء التعامل يجلب الخير ويوسع الرزق (البقعاوي، 1421هـ، ص 82). قال ابن حجر العسقلاني معلقا على القصة النبوية السابقة “إن اليسير من الحسنات إذا كان خالصا لله كفر كثيرا من السيئات، وفيه أن الأجر يحصل لمن يأمر به وإن لم يتول ذلك بنفسه، وهذا كله بعد تقرير أن شرع من قبلنا إذا جاء في شرعنا في سياق المدح كان حسنا عندنا”. إن اليسير من البذل إذا كان خالصا لله يصبح كثيرا من الخيرات وكما قال الشاعر:                

 بني إن البر شيء هين         وجه طليق ولسان لين

It usually occurs when a person suffers from prolonged improper posture or sudden twisting and turning of the spine, falls, stress, tension and prolonged improper appalachianmagazine.com cialis price posture.

ومن المنظور الاجتماعي يستفاد من القصة السابقة أن التلطف في المطالبة بالحقوق والعفو عن دين المحتاج المعدم من ركائز الإيمان وبذلك تصبح الأخلاق المجتمعية مرتبطة بالقيمة المركزية الأولى في الإسلام؛ الإيمان. وفي الحديث “مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ، أَوْ يَضَعْ عَنْهُ” رَوَاهُ مُسلِمٌ. وعليه فالجزاء من جنس العمل كما نجد في طيات كثير القصص الخالدة. قال الغزالي في الإحياء “في استيفاء الثمن وسائر الديون والإحسان فيه: مرة بالمسامحة وحط البعض، ومرة بالإمهال والتأخير، ومرة بالمساهلة في طلب جودة النقد، وكل ذلك مندوب إليه ومحثوث عليه: قال النبـي صلى الله عليه وسلم: «رَحِمَ الله امْرَأً سَهْلَ البَـيْعِ، سَهْلَ الشِّرَاءِ، سَهْلَ الاقْتِضَاءِ» فليغتنم العاقل دعاء الرسول. وقال صلى الله عليه وسلم: «اسْمَحْ يُسْمَحُ لَكَ» [أَيْ سَهِّلْ يُسَهَّلْ عَلَيْكَ‏] وقال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِراً أَوْ تَرَكَ لَهُ حَاسَبَهُ الله حِسَاباً يَسِيراً».

ورد في صحيح مسلم “”اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئاً فَشَقَّ عَلَيْهِمْ، فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئاً فَرَفَقَ بِهِمْ، فَارْفُقْ بِهِ”. وعليه فالتربية النبوية أساسها الرفق ولا نزاع في أن الرفق إذا أنتزع من التعاملات فسدت العلاقات. إن العلاقات الاجتماعية المبنية على حسن التغاضي وسماحة التعامل أخذت نصيبا كبيرا في السنة النبوية لأن التدين الصحيح يقوم على المعاملة الحسنة بين البشر. لقد قدم محمد يونس من بنغلادش صورة إسلامية عالمية رائعة عندما أسس بنك غرامين Grameen Bank، حيث مد يد العون للمحتاجين ووفر القروض الحسنة للمحتاجين وهذا البذل وأمثاله هو مقصد القصص النبوي فالقصص حيث تحث يقينا على الابداع في معاملة الفقراء وتذليل الصعاب للمعسرين بأعمال ظاهرها البساطة والتسامح وباطنها التراحم والتلاحم. بدأ يونس مشروعه العظيم بمبلغ قليل جدا حيث كانت البداية أنه قدم قرضا حسنا بقيمة عشرين سنتا (كوفي، 2006م، ص 33) ثم وصلت القروض التي قدمها البنك إلى أكثر من ست مليار دولار. هذه القصة – قصة محمد يونس- انبهر بها الغرب والأجدر أن تجد مكانها البارز على منابرنا في المساجد في خطب الجمعة وفي مؤسساتنا التعليمية لأنها تعطي أمثلة عصرية للفقه الحضاري النابع من السنة النبوية وهي أفضل وسيلة لشرح القصة النبوية بأمثلة عصرية وطرائق إبداعية كي يقتدي بها الناشئة.

إن تسامح التاجر مع المعسرين كما في القصة النبوية السابقة من أسباب تماسك المجتمع وهذا التسامح مطلوب في جميع الميادين الاقتصادية والتعليمية والزوجية. “إن من مظاهر الفساد في المجتمع أن يحتاج إلى القضاة والأطباء فلو أنصف الناس بعضهم بعضا وعاملوا بعضهم البعض بأخلاق الإسلام لما تنازعوا ولا تخاصموا ولما لجأوا إلى القضاء” (ربيع، بدون سنة طبع، ص 709) إلا في أضيق الحدود.

ومثلما يكون التاجر مطالبا بتسهيل شئون المدين فإن الذي يستلف المال عليه أن يكون حريصا على رد الأمانة دون تأخير وهو الذي تؤكد عليه قصة الذي استلف ألف دينار من غير كفيل (انظر الملحق). قال ابن حجر العسقلاني عن فوائد القصة السابقة “جواز الأجل في القرض ووجوب الوفاء به، وقيل لا يجب بل هو من باب المعروف، وفيه التحدث عما كان في بني إسرائيل وغيرهم من العجائب للاتعاظ والاتساء، وفيه التجارة في البحر وجواز ركوبه، وفيه بداءه الكاتب بنفسه، وفيه طلب الشهود في الدين وطلب الكفيل به، وفيه فضل التوكل على الله وأن من صح توكله تكفل الله بنصره وعونه”. القصة السابقة تحث جميع المتبايعين بأن يروضوا أنفسهم على المبادلات النظيفة ، وأن يحرص كل طرف على أخذ الحق وإعطاء الحق حتى لا تستولي الأنانية والجشع على النفوس فتدمرها وتقتل بواعث الخير (الصعيدي، 2000م، ص 75) مما يمزق أواصر التواصل الاجتماعي.

وتفتح القصة النبوية المزيد من الآفاق الاجتماعية في النسيج المجتمعي المتكاتف. ورد في البخاري “اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ عَقَارًا لَهُ فَوَجَدَ الرَّجُلُ الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ فِي عَقَارِهِ جَرَّةً فِيهَا ذَهَبٌ فَقَالَ لَهُ الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ خُذْ ذَهَبَكَ مِنِّي إِنَّمَا اشْتَرَيْتُ مِنْكَ الْأَرْضَ وَلَمْ أَبْتَعْ مِنْكَ الذَّهَبَ وَقَالَ الَّذِي لَهُ الْأَرْضُ إِنَّمَا بِعْتُكَ الْأَرْضَ وَمَا فِيهَا فَتَحَاكَمَا إِلَى رَجُلٍ فَقَالَ الَّذِي تَحَاكَمَا إِلَيْهِ أَلَكُمَا وَلَدٌ قَالَ أَحَدُهُمَا لِي غُلَامٌ وَقَالَ الْآخَرُ لِي جَارِيَةٌ قَالَ أَنْكِحُوا الْغُلَامَ الْجَارِيَةَ وَأَنْفِقُوا عَلَى أَنْفُسِهِمَا مِنْهُ وَتَصَدَّقَا”. إن النزاعات تدل على وعي الأفراد وحرصهم على تحري الصواب في التعامل. إن القاضي لا يستطيع التعامل مع المتخاصمين إذا فسدت النيات وشاع الخبث . الفكرة وراء القصة السهولة في التعامل حال الخلاف وسعة ورجاحة العقل في حل الاشكالات. ومن طرف آخر تكشف القصة عن أهمية الزواج المبكر إذا كان متيسرا حماية للشباب من الزلل وتعزيزا لبناء المجتمع.

والمؤمن الغني الشاكر له أجر عظيم. ورد في القصص النبوي “بَيْنَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا فَخَرَّ عَلَيْهِ جَرَادٌ مِنْ ذَهَبٍ فَجَعَلَ أَيُّوبُ يَحْتَثِي فِي ثَوْبِهِ فَنَادَاهُ رَبُّهُ يَا أَيُّوبُ أَلَمْ أَكُنْ أَغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرَى قَالَ بَلَى وَعِزَّتِكَ وَلَكِنْ لَا غِنَى بِي عَنْ بَرَكَتِكَ” (رواه البخاري –كتاب الأنبياء).

قال سعيد بن المسيب: لا خير فيمن لا يكسب المال ليكف به وجهه، ويؤدِّي به أمانته، ويصل به رحمه. وقال قيس بن عاصم لبنيه حين حضرته الوفاة: يا بني عليكم بالمال واصطناعه، فإنه منبهةٌ للكريم، ويستغنى به عن اللئيم. وفي الحديث “إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلا أُجِرْتَ بِهَا حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ” (رواه البخاري). قال ابن الجوزي في صيد الخاطر وإنما الصواب توطئة المضجع قبل النوم ، وجمع المال الساد للخلة قبل الكبر أخذاً بالحزم .وفي الحديث: نعم المال الصالح، للرجل الصالح.” وقال ابن الجوزي (2003م) ” ليس في الدنيا أنفع للعلماء من جمع المال للاستغناء عن الناس، فإنه إذا ضم إلى العلم حيز الكمال. وينبغي له أن يجتهد في التجارة والكسب … وليبلغ من ذلك غاية لا تمنعه عن العلم، ثم ينبغي له أن يطلب الغاية في العلم. فعليك يا طالب العلم بالاجتهاد في جمع المال للغنى عن الناس فإنه يجمع لك دينك” (ص 212، بتصرف). يحث التعليم في رحاب الإسلام كل متعلم على بذل الوسع في الإنتاج والادخار ونفع الغير وتعمير الأرض. “وفي كتاب الأدب للجاحظ‏:‏ اعلم أنّ تَثْمير المال آلةٌ للمكارم وعَوْنٌ على الدِّين وتأليف للإخوان” (ابن عبدربه، العقد الفريد). وأما ما قاله بعضهم ” ترك المال الحلال أفضل من جمعه، ليس كذلك؛ بل متى صحَّ القصد فجمعهُ أفضل بلا خلاف عند العلماء” (انظر سلمان، 1991م، ص 53). هذه المناقشات والتصويبات مهمة لمعالجة الخلل فالزهد أن نملك الدنيا ثم لا ننغمس بملذاتها ومن العجب أن البعض فينا يتحدث عن الزهد والحياة زاهدة فينا لأننا نلبس ما لا نصنع ونأكل ما لا نزرع. إن الزهد هنا هو انسحاب. الحاجة ماسه لعقلية الصحابي المهاجر عَبْدُ الرَّحْمن بْنُ عَوْفٍ الذي قال له الأنصاري خذ من مالي فرد عليه “بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ، دُلُّوُنِي عَلَى السُّوقِ، فَخَرَجَ فَأَصَابَ شَيْئًا” وكانت صفقته ناجحة وحياته عزيزة.

ومن القصص التي تحث على بناء علاقات اجتماعية متينة بين أفراد المجتمع القصة التالية “عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ” أَنَّ رَجُلاً زَارَ أَخاً لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَىَ، فَأَرْصَدَ اللهُ لَهُ عَلَىَ مَدْرَجَتِهِ مَلَكاً، فَلَمَّا أَتَىَ عَلَيْهِ قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَخاً لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ. قَالَ: هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا؟ قَالَ: لاَ، غَيْرَ أَنَّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ: فَإِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكَ، بِأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ” (رواه مسلم). ويستفاد من القصة عظيم بركة الجليس الصالح (الطبطبائي، 2008م، ص 40). إن الزيارات الأخوية الودية تعزز العلاقات الاجتماعية وتنضح في المجتمع معاني الصلة والتكاتف والتعاون، ودور التربية الإسلامية الحض على ذلك النبع الصافي.إن الزيارات بدافع الحب الأخوي وسيلة رائعة لتعزيز الأواصر الاجتماعية. روى الترمذي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: “دَبّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمْ: الْحَسَدُ وَالبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ، لا أَقُولُ تَحْلِقُ الشّعْرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدّينَ، وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا تَدْخُلُوا الْجَنّةَ حَتّى تُؤْمِنُوا، ولا تُؤْمِنُوا حَتّى تَحَابّوا، أَفَلاَ أُنْبّئُكُمْ بِمَا يُثَبّتُ ذَلِكَ لَكمْ: أَفْشُوا السّلاَمَ بَيْنَكُمْ”. تشرح القصة النبوية عمليا الكثير من القيم الكبرى في الإسلام.

 

 

 

 

النتائج

  1. تخاطب القصة النبوية الوجدان والعقل لتهذيب السلوك الوجداني وحماية الفطرة، ورقي الشخصية، وبناء المجتمع ليحقق ذاته بما يتسق مع توجيهات الإسلام وبما يتفق مع المعاني الإنسانية عامة فهي في مقاصدها في منتهى الروعة والعمق والدقة.
  2. يشهد القصص النبوي بجلاء أن الأخلاق المجتمعية مرتبطة بالقيمة المركزية الأولى في الإسلام؛ الإيمان بالله سبحانه فمثلا إنظار المعسر والفقير المعدم من القربات الدينية والمقامات العلية.
  3. يمكن استثمار القصة النبوية في معالجة القضايا المعاصرة من مثل قضية العدالة الاجتماعية ، وحماية البيئة، والبعد عن العصبية، ونشر الآداب الاقتصادية الإيجابية، وتعزيز دور الأسرة، وزيادة الذكاء الاجتماعي، ومواجهة الانحرافات السلوكية.
  4. تحتوي القصة النبوية على أحداث في غاية الغرابة لا تحدث إلا نادرا لكنها تتضمن معطيات أخلاقية تؤكد على الصدق والتوبة والسماحة وهي تصلح لكل عصر في عملية تدعيم النسق القيمي في المجتمع.
  5. تهدف التربية الاجتماعية في القصة النبوية إلى تحصين الفرد، وتحسين الأخلاق، وتكوين المجتمع على أسس التسامح والتعاون والعدالة.
  6. ترسيخ القيم الأخلاقية من أعظم مقاصد القصص القرآني والنبوي إضافة إلى الأغراض الدينية لتقرير قواعد العقيدة ومسلماتها.
  7. تفيض القصة النبوية بالحوارات الموارة النابضة النضرة، والجمل الجزلة المشرقة، والمفردات الرشيقة الموحية مما يسمو تدريجيا بالحصيلة المعجميعة، والذائقة الجمالية، والذكاء اللغوي لكل من ينهل من ذلكم المورد العذب.
  8. تكشف القصة أصناف الناس في حقيقتها في التعامل مع أنعم الله سبحانه فقسم يجحد وقسم يحمد. التربية القويمة هي التي ترسخ قيم الخير وتسير نحوه وتزينه في نفوس الناشئة. إن قيم الحمد والشكر والتواضع والتكافل والحوار وسيلة للتقرب من الله ونيل مرضاته.
  9. تهدف القصة النبوية إلى بناء أمة مسلمة قوية يعيش الفرد فيها وفق ضوابط واضحة وقيم راسخة تنظم حياته على المستوى الفردي، وتحقق له في نفس الوقت تكافل اجتماعي في محيطه الخارجي.
  10. ايجاد القدوة الصالحة وغرس معاني الإيمان هما من أعظم الوسائل التربوية التي استخدمها النبي صلى الله عليه وسلم لتهذيب الإنسان وتنشئته التنشئة الاجتماعية الصالحة.

 

 

التوصيات

  1. ضرورة إبراز روائع القصص التى رواها الرسول صلى الله عليه وسلم مع ربطها بالأدبيات التربوية القديمة والحديثة للاستفادة منها في وضع المناهج التعليمية لغرس وترسيخ القيم الاجتماعية الفاعلة والأخلاق الفاضلة. تـلك القصص تعكس القيم القرآنية التى تقدم للبشرية معاني الأمل والإحسان والرحمة خاصة وأن العالم يعيش في مادية متطرفة، ونزعة فردية مفرطة غرقت في طوفانها الكثير مـن الفضائل الأخلاقية والقـيـم الإنسانية.
  2. عمل دورات تربوية متخصصة لتدريب الطلبة على فن استنباط الفوائد، ولطائف المعارف، والآداب الاجتماعية من القصص عموما والقصص النبوي على وجه الخصوص بغية تأسيس الوعي السليم والفهم الصائب للمقاصد الدينية القادرة على الحفاظ على اللحمة الاجتماعية.
  3. توجيه الباحثين في الحقل التربوي إلى اغتنام النظرات التربوية التراثية المبثوثة في الكتب التي تشرفت بشرح الأحاديث النبوية من مثل كتاب فتح الباري للعسقلاني وذلك وصولا إلى فهم أعمق لموضوع الفقه النبوي في التربية. إن القصة النبوية آلية عملية ووسيلة تهذيبية تتضمن فوائد تربوية هائلة وتجارب حياتية ثرية في مختلف المجالات الاجتماعية وغيرها, وهي بذلك تشكل ذخيرة تعليمية ثمينة تهدف إلى بناء شخصية سوية متوافقة مع ربها ونفسها ومجتمعها، وتعطي المربي عقلا وافرا، وتكسبه علما واسعا، وتجدد آفاقه الروحية، وتبدد آفاته الاجتماعية.

 

الملحق

أصحاب الغار

عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَيْنَمَا ثَلَاثَةُ نَفَرٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ يَمْشُونَ إِذْ أَصَابَهُمْ مَطَرٌ فَأَوَوْا إِلَى غَارٍ فَانْطَبَقَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ إِنَّهُ وَاللَّهِ يَا هَؤُلَاءِ لَا يُنْجِيكُمْ إِلَّا الصِّدْقُ فَليَدْعُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ صَدَقَ فِيهِ فَقَالَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ لِي أَجِيرٌ عَمِلَ لِي عَلَى فَرَقٍ مِنْ أَرُزٍّ فَذَهَبَ وَتَرَكَهُ وَأَنِّي عَمَدْتُ إِلَى ذَلِكَ الْفَرَقِ فَزَرَعْتُهُ فَصَارَ مِنْ أَمْرِهِ أَنِّي اشْتَرَيْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَأَنَّهُ أَتَانِي يَطْلُبُ أَجْرَهُ فَقُلْتُ لَهُ اعْمِدْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ فَسُقْهَا فَقَالَ لِي إِنَّمَا لِي عِنْدَكَ فَرَقٌ مِنْ أَرُزٍّ فَقُلْتُ لَهُ اعْمِدْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ فَإِنَّهَا مِنْ ذَلِكَ الْفَرَقِ فَسَاقَهَا فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا فَانْسَاحَتْ عَنْهُمْ الصَّخْرَةُ فَقَالَ الْآخَرُ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ فَكُنْتُ آتِيهِمَا كُلَّ لَيْلَةٍ بِلَبَنِ غَنَمٍ لِي فَأَبْطَأْتُ عَلَيْهِمَا لَيْلَةً فَجِئْتُ وَقَدْ رَقَدَا وَأَهْلِي وَعِيَالِي يَتَضَاغَوْنَ مِنْ الْجُوعِ فَكُنْتُ لَا أَسْقِيهِمْ [لعلهم كانوا يطلبون زيادة على سد الرمق] حَتَّى يَشْرَبَ أَبَوَايَ فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُمَا وَكَرِهْتُ أَنْ أَدَعَهُمَا فَيَسْتَكِنَّا لِشَرْبَتِهِمَا فَلَمْ أَزَلْ أَنْتَظِرُ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا فَانْسَاحَتْ عَنْهُمْ الصَّخْرَةُ حَتَّى نَظَرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ الْآخَرُ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ لِي ابْنَةُ عَمٍّ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ وَأَنِّي رَاوَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا فَأَبَتْ إِلَّا أَنْ آتِيَهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ فَطَلَبْتُهَا حَتَّى قَدَرْتُ فَأَتَيْتُهَا بِهَا فَدَفَعْتُهَا إِلَيْهَا فَأَمْكَنَتْنِي مِنْ نَفْسِهَا فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا فَقَالَتْ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ فَقُمْتُ وَتَرَكْتُ الْمِائَةَ دِينَارٍ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا فَفَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَخَرَجُوا (رواه البخاري).

 

توبة الكفل

عن ابنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم يُحَدِثُ حَدِيثاً لَوْ لَمْ أَسْمَعُهُ إِلاّ مَرّةً أَوْ مَرَتَيْنِ حَتّى عَدّ سَبْعَ مَرّاتٍ وَلَكِنّي سَمِعْتُهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: “كَانَ الْكِفْلُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا يَتَوَرّعُ مِنْ ذَنْبٍ عَمِلَهُ، فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَأَعْطَاهَا سِتّينَ دِينَاراً عَلَى أَنْ يَطَأَهَا، فَلَمّا قَعَدَ مِنْهَا مَقْعَدَ الرّجُلِ مِنَ امْرَأَتِهِ أُرْعِدَتْ وَبَكَتْ فَقَالَ: ما يُبْكِيكِ أَكْرَهْتُكِ؟ قالت: لا وَلَكِنّهُ عَمَلٌ مَا عَمِلْتُهُ قَطّ وَمَا حَمَلَنِي عَلَيْهِ إِلاَ الْحَاجَةُ، فقال: تَفْعَلِينَ أَنْتِ هَذَا وَمَا فَعَلْتِهِ اذْهَبِي فَهِيَ لَكِ وقال: لا والله لا أَعْصِي الله بَعْدَهَا أَبَداً، فَمَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ فَأَصْبَحَ مَكْتُوباً عَلَى بَابِهِ أَنّ الله قَدْ غَفَرَ لِلْكِفْلِ (رواه الترمذي، انظر المباركفوري شرح الترمذي، كتاب صِفَةُ القِيامَة والرقائق والورع) .

      هاجر مع ابنها وزوجها

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَوَّلَ مَا اتَّخَذَ النِّسَاءُ الْمِنْطَقَ مِنْ قِبَلِ أُمِّ إِسْمَاعِيلَ اتَّخَذَتْ مِنْطَقًا لَتُعَفِّيَ أَثَرَهَا عَلَى سَارَةَ ثُمَّ جَاءَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ وَبِابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُرْضِعُهُ حَتَّى وَضَعَهُمَا عِنْدَ الْبَيْتِ عِنْدَ دَوْحَةٍ فَوْقَ زَمْزَمَ فِي أَعْلَى الْمَسْجِدِ وَلَيْسَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ فَوَضَعَهُمَا هُنَالِكَ وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ وَسِقَاءً فِيهِ مَاءٌ ثُمَّ قَفَّى إِبْرَاهِيمُ مُنْطَلِقًا فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَقَالَتْ يَا إِبْرَاهِيمُ أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الْوَادِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا وَجَعَلَ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا فَقَالَتْ لَهُ أَاللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا قَالَ نَعَمْ قَالَتْ إِذَنْ لَا يُضَيِّعُنَا ثُمَّ رَجَعَتْ فَانْطَلَقَ إِبْرَاهِيمُ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ الثَّنِيَّةِ حَيْثُ لَا يَرَوْنَهُ اسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ الْبَيْتَ ثُمَّ دَعَا بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ حَتَّى بَلَغَ يَشْكُرُونَ وَجَعَلَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ تُرْضِعُ إِسْمَاعِيلَ وَتَشْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ حَتَّى إِذَا نَفِدَ مَا فِي السِّقَاءِ عَطِشَتْ وَعَطِشَ ابْنُهَا وَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ يَتَلَوَّى أَوْ قَالَ يَتَلَبَّطُ فَانْطَلَقَتْ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَيْهِ فَوَجَدَتْ الصَّفَا أَقْرَبَ جَبَلٍ فِي الْأَرْضِ يَلِيهَا فَقَامَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَتْ الْوَادِيَ تَنْظُرُ هَلْ تَرَى أَحَدًا فَلَمْ تَرَ أَحَدًا فَهَبَطَتْ مِنْ الصَّفَا حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ الْوَادِيَ رَفَعَتْ طَرَفَ دِرْعِهَا ثُمَّ سَعَتْ سَعْيَ الْإِنْسَانِ الْمَجْهُودِ حَتَّى جَاوَزَتْ الْوَادِيَ ثُمَّ أَتَتْ الْمَرْوَةَ فَقَامَتْ عَلَيْهَا وَنَظَرَتْ هَلْ تَرَى أَحَدًا فَلَمْ تَرَ أَحَدًا فَفَعَلَتْ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَلِكَ سَعْيُ النَّاسِ بَيْنَهُمَا فَلَمَّا أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَرْوَةِ سَمِعَتْ صَوْتًا فَقَالَتْ صَهٍ تُرِيدُ نَفْسَهَا ثُمَّ تَسَمَّعَتْ فَسَمِعَتْ أَيْضًا فَقَالَتْ قَدْ أَسْمَعْتَ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ غِوَاثٌ فَإِذَا هِيَ بِالْمَلَكِ عِنْدَ مَوْضِعِ زَمْزَمَ فَبَحَثَ بِعَقِبِهِ أَوْ قَالَ بِجَنَاحِهِ حَتَّى ظَهَرَ الْمَاءُ فَجَعَلَتْ تُحَوِّضُهُ وَتَقُولُ بِيَدِهَا هَكَذَا وَجَعَلَتْ تَغْرِفُ مِنْ الْمَاءِ فِي سِقَائِهَا وَهُوَ يَفُورُ بَعْدَ مَا تَغْرِفُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْحَمُ اللَّهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ لَوْ تَرَكَتْ زَمْزَمَ أَوْ قَالَ لَوْ لَمْ تَغْرِفْ مِنْ الْمَاءِ لَكَانَتْ زَمْزَمُ عَيْنًا مَعِينًا قَالَ فَشَرِبَتْ وَأَرْضَعَتْ وَلَدَهَا فَقَالَ لَهَا الْمَلَكُ لَا تَخَافُوا الضَّيْعَةَ فَإِنَّ هَا هُنَا بَيْتَ اللَّهِ يَبْنِي هَذَا الْغُلَامُ وَأَبُوهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَهْلَهُ وَكَانَ الْبَيْتُ مُرْتَفِعًا مِنْ الْأَرْضِ كَالرَّابِيَةِ تَأْتِيهِ السُّيُولُ فَتَأْخُذُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ فَكَانَتْ كَذَلِكَ حَتَّى مَرَّتْ بِهِمْ رُفْقَةٌ مِنْ جُرْهُمَ أَوْ أَهْلُ بَيْتٍ مِنْ جُرْهُمَ مُقْبِلِينَ مِنْ طَرِيقِ كَدَاءٍ فَنَزَلُوا فِي أَسْفَلِ مَكَّةَ فَرَأَوْا طَائِرًا عَائِفًا فَقَالُوا إِنَّ هَذَا الطَّائِرَ لَيَدُورُ عَلَى مَاءٍ لَعَهْدُنَا بِهَذَا الْوَادِي وَمَا فِيهِ مَاءٌ فَأَرْسَلُوا جَرِيًّا أَوْ جَرِيَّيْنِ فَإِذَا هُمْ بِالْمَاءِ فَرَجَعُوا فَأَخْبَرُوهُمْ بِالْمَاءِ فَأَقْبَلُوا قَالَ وَأُمُّ إِسْمَاعِيلَ عِنْدَ الْمَاءِ فَقَالُوا أَتَأْذَنِينَ لَنَا أَنْ نَنْزِلَ عِنْدَكِ فَقَالَتْ نَعَمْ وَلَكِنْ لَا حَقَّ لَكُمْ فِي الْمَاءِ قَالُوا نَعَمْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَلْفَى ذَلِكَ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُحِبُّ الْإِنْسَ فَنَزَلُوا وَأَرْسَلُوا إِلَى أَهْلِيهِمْ فَنَزَلُوا مَعَهُمْ حَتَّى إِذَا كَانَ بِهَا أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْهُمْ وَشَبَّ الْغُلَامُ وَتَعَلَّمَ الْعَرَبِيَّةَ مِنْهُمْ وَأَنْفَسَهُمْ وَأَعْجَبَهُمْ حِينَ شَبَّ فَلَمَّا أَدْرَكَ زَوَّجُوهُ امْرَأَةً مِنْهُمْ وَمَاتَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ بَعْدَمَا تَزَوَّجَ إِسْمَاعِيلُ يُطَالِعُ تَرِكَتَهُ فَلَمْ يَجِدْ إِسْمَاعِيلَ فَسَأَلَ امْرَأَتَهُ عَنْهُ فَقَالَتْ خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا ثُمَّ سَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ فَقَالَتْ نَحْنُ بِشَرٍّ نَحْنُ فِي ضِيقٍ وَشِدَّةٍ فَشَكَتْ إِلَيْهِ قَالَ فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلَامَ وَقُولِي لَهُ يُغَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِهِ فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ كَأَنَّهُ آنَسَ شَيْئًا فَقَالَ هَلْ جَاءَكُمْ مِنْ أَحَدٍ قَالَتْ نَعَمْ جَاءَنَا شَيْخٌ كَذَا وَكَذَا فَسَأَلَنَا عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ وَسَأَلَنِي كَيْفَ عَيْشُنَا فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا فِي جَهْدٍ وَشِدَّةٍ قَالَ فَهَلْ أَوْصَاكِ بِشَيْءٍ قَالَتْ نَعَمْ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ السَّلَامَ وَيَقُولُ غَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِكَ قَالَ ذَاكِ أَبِي وَقَدْ أَمَرَنِي أَنْ أُفَارِقَكِ الْحَقِي بِأَهْلِكِ فَطَلَّقَهَا وَتَزَوَّجَ مِنْهُمْ أُخْرَى فَلَبِثَ عَنْهُمْ إِبْرَاهِيمُ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَتَاهُمْ بَعْدُ فَلَمْ يَجِدْهُ فَدَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ فَسَأَلَهَا عَنْهُ فَقَالَتْ خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا قَالَ كَيْفَ أَنْتُمْ وَسَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ فَقَالَتْ نَحْنُ بِخَيْرٍ وَسَعَةٍ وَأَثْنَتْ عَلَى اللَّهِ فَقَالَ مَا طَعَامُكُمْ قَالَتْ اللَّحْمُ قَالَ فَمَا شَرَابُكُمْ قَالَتْ الْمَاءُ قَالَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي اللَّحْمِ وَالْمَاءِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ حَبٌّ وَلَوْ كَانَ لَهُمْ دَعَا لَهُمْ فِيهِ قَالَ فَهُمَا لَا يَخْلُو عَلَيْهِمَا أَحَدٌ بِغَيْرِ مَكَّةَ إِلَّا لَمْ يُوَافِقَاهُ قَالَ فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلَامَ وَمُرِيهِ يُثْبِتُ عَتَبَةَ بَابِهِ فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ قَالَ هَلْ أَتَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ قَالَتْ نَعَمْ أَتَانَا شَيْخٌ حَسَنُ الْهَيْئَةِ وَأَثْنَتْ عَلَيْهِ فَسَأَلَنِي عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ فَسَأَلَنِي كَيْفَ عَيْشُنَا فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا بِخَيْرٍ قَالَ فَأَوْصَاكِ بِشَيْءٍ قَالَتْ نَعَمْ هُوَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ وَيَأْمُرُكَ أَنْ تُثْبِتَ عَتَبَةَ بَابِكَ قَالَ ذَاكِ أَبِي وَأَنْتِ الْعَتَبَةُ أَمَرَنِي أَنْ أُمْسِكَكِ ثُمَّ لَبِثَ عَنْهُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِسْمَاعِيلُ يَبْرِي نَبْلًا لَهُ تَحْتَ دَوْحَةٍ قَرِيبًا مِنْ زَمْزَمَ فَلَمَّا رَآهُ قَامَ إِلَيْهِ فَصَنَعَا كَمَا يَصْنَعُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ وَالْوَلَدُ بِالْوَالِدِ ثُمَّ قَالَ يَا إِسْمَاعِيلُ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِأَمْرٍ قَالَ فَاصْنَعْ مَا أَمَرَكَ رَبُّكَ قَالَ وَتُعِينُنِي قَالَ وَأُعِينُكَ قَالَ فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِيَ هَا هُنَا بَيْتًا وَأَشَارَ إِلَى أَكَمَةٍ مُرْتَفِعَةٍ عَلَى مَا حَوْلَهَا قَالَ فَعِنْدَ ذَلِكَ رَفَعَا الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ فَجَعَلَ إِسْمَاعِيلُ يَأْتِي بِالْحِجَارَةِ وَإِبْرَاهِيمُ يَبْنِي حَتَّى إِذَا ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ جَاءَ بِهَذَا الْحَجَرِ فَوَضَعَهُ لَهُ فَقَامَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَبْنِي وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ وَهُمَا يَقُولَانِ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ قَالَ فَجَعَلَا يَبْنِيَانِ حَتَّى يَدُورَا حَوْلَ الْبَيْتِ وَهُمَا يَقُولَانِ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (رواه البخاري).

 

الأقرع والأبرص والأعمى

      عن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ ثَلَاثَةً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ أَبْرَصَ وَأَقْرَعَ وَأَعْمَى بَدَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا فَأَتَى الْأَبْرَصَ فَقَالَ أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ لَوْنٌ حَسَنٌ وَجِلْدٌ حَسَنٌ قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ قَالَ فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ فَأُعْطِيَ لَوْنًا حَسَنًا وَجِلْدًا حَسَنًا فَقَالَ أَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ الْإِبِلُ أَوْ قَالَ الْبَقَرُ هُوَ شَكَّ فِي ذَلِكَ إِنَّ الْأَبْرَصَ وَالْأَقْرَعَ قَالَ أَحَدُهُمَا الْإِبِلُ وَقَالَ الْآخَرُ الْبَقَرُ فَأُعْطِيَ نَاقَةً عُشَرَاءَ فَقَالَ يُبَارَكُ لَكَ فِيهَا وَأَتَى الْأَقْرَعَ فَقَالَ أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ شَعَرٌ حَسَنٌ وَيَذْهَبُ عَنِّي هَذَا قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ قَالَ فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ وَأُعْطِيَ شَعَرًا حَسَنًا قَالَ فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ الْبَقَرُ قَالَ فَأَعْطَاهُ بَقَرَةً حَامِلًا وَقَالَ يُبَارَكُ لَكَ فِيهَا وَأَتَى الْأَعْمَى فَقَالَ أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ يَرُدُّ اللَّهُ إِلَيَّ بَصَرِي فَأُبْصِرُ بِهِ النَّاسَ قَالَ فَمَسَحَهُ فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ بَصَرَهُ قَالَ فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ الْغَنَمُ فَأَعْطَاهُ شَاةً وَالِدًا فَأُنْتِجَ هَذَانِ وَوَلَّدَ هَذَا فَكَانَ لِهَذَا وَادٍ مِنْ إِبِلٍ وَلِهَذَا وَادٍ مِنْ بَقَرٍ وَلِهَذَا وَادٍ مِنْ غَنَمٍ ثُمَّ إِنَّهُ أَتَى الْأَبْرَصَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ فَقَالَ رَجُلٌ مِسْكِينٌ تَقَطَّعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي فَلَا بَلَاغَ الْيَوْمَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ أَسْأَلُكَ بِالَّذِي أَعْطَاكَ اللَّوْنَ الْحَسَنَ وَالْجِلْدَ الْحَسَنَ وَالْمَالَ بَعِيرًا أَتَبَلَّغُ عَلَيْهِ فِي سَفَرِي فَقَالَ لَهُ إِنَّ الْحُقُوقَ كَثِيرَةٌ فَقَالَ لَهُ كَأَنِّي أَعْرِفُكَ أَلَمْ تَكُنْ أَبْرَصَ يَقْذَرُكَ النَّاسُ فَقِيرًا فَأَعْطَاكَ اللَّهُ فَقَالَ لَقَدْ وَرِثْتُ لِكَابِرٍ عَنْ كَابِرٍ فَقَالَ إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ وَأَتَى الْأَقْرَعَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِهَذَا فَرَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا رَدَّ عَلَيْهِ هَذَا فَقَالَ إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ وَأَتَى الْأَعْمَى فِي صُورَتِهِ فَقَالَ رَجُلٌ مِسْكِينٌ وَابْنُ سَبِيلٍ وَتَقَطَّعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي فَلَا بَلَاغَ الْيَوْمَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ أَسْأَلُكَ بِالَّذِي رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ شَاةً أَتَبَلَّغُ بِهَا فِي سَفَرِي فَقَالَ قَدْ كُنْتُ أَعْمَى فَرَدَّ اللَّهُ بَصَرِي وَفَقِيرًا فَقَدْ أَغْنَانِي فَخُذْ مَا شِئْتَ فَوَاللَّهِ لَا أَجْهَدُكَ الْيَوْمَ بِشَيْءٍ أَخَذْتَهُ لِلَّهِ فَقَالَ أَمْسِكْ مَالَكَ فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ فَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ وَسَخِطَ عَلَى صَاحِبَيْكَ (رواه البخاري).

عجوز بني إسرائيل

عن أبي موسى قال : أَتَى النَّبِيُّ، أَعْرَابِياً فَأَكْرَمَهُ، فَقَالَ لَهُ: «ائْتِنَا»، فَأَتَاهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ: «سَلْ حَاجَتَكَ»، قَالَ: نَاقَةٌ نَرْكَبُهَا، وَأَعْنُزٌ يَحْلِبُهَا أَهْلِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه: «أَعَجَزْتُمْ أَنْ تَكُونُوا مِثْلَ عَجُوزِ بَنِي إِسْرَائِيلَ»؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَما عَجُوزُ بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: «إنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلام لمَّا سَارَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ، ضَلُّوا الطَّرِيقَ، فَقَالَ: مَا هذَا؟ فَقَالَ عُلَمَاؤُهُمْ: إِنَّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ، لَمَّا حَضَرَهُ المَوْتُ أَخَذَ عَلَيْنَا مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ أَنْ لَا نَخْرُجَ مِنْ مِصْرَ، حَتَّى نَنْقُلَ عِظَامَهُ مَعَنَا، قَالَ: فَمَنْ يَعْلَمُ مَوْضِعَ قَبْرِهِ؟ قَالَ: عَجُوزٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَبَعَثَ إِلَيْهَا فَأَتَتْهُ، فَقَالَ: دُلِّيني عَلَى قَبْرِ يُوسُفَ، قالَتْ: حَتَّى تُعْطِيني حُكْمِي، قَالَ: وَمَا حُكْمُكِ؟ قَالَتْ: أَكُونُ مَعَكَ فِي الْجَنَّةِ، فَكَرِهَ أَنْ يُعْطِيَهَا ذلِكَ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: أَنْ أَعْطِهَا حُكْمَهَا، فَانْطَلَقَتْ بِهِمْ إِلَى بُحَيْرَة موضِعِ مُسْتَنْقعِ مَاءٍ، فَقَالَتْ: انْضِبُوا هَذَا المَاءَ، فَأنْضَبُوهُ، فَقَالَتْ: احْتَفِرُوا، فَاحْتَفَروا فَاسْتَخْرَجُوا عِظَامَ يُوسُفَ، فَلَمَّا أَقَلُّوهَا إِلَى الأرْضِ وَإِذَا الطَّرِيقُ مِثْلُ ضَوْءِ النَّهَارِ»[2].

استلف ألف دينار

“عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلَ بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسْلِفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ فَقَالَ ائْتِنِي بِالشُّهَدَاءِ أُشْهِدُهُمْ فَقَالَ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا قَالَ فَأْتِنِي بِالْكَفِيلِ قَالَ كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلًا قَالَ صَدَقْتَ فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَخَرَجَ فِي الْبَحْرِ فَقَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ الْتَمَسَ مَرْكَبًا يَرْكَبُهَا يَقْدَمُ عَلَيْهِ لِلْأَجَلِ الَّذِي أَجَّلَهُ فَلَمْ يَجِدْ مَرْكَبًا فَأَخَذَ خَشَبَةً فَنَقَرَهَا فَأَدْخَلَ فِيهَا أَلْفَ دِينَارٍ وَصَحِيفَةً مِنْهُ إِلَى صَاحِبِهِ ثُمَّ زَجَّجَ مَوْضِعَهَا ثُمَّ أَتَى بِهَا إِلَى الْبَحْرِ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ تَسَلَّفْتُ فُلَانًا أَلْفَ دِينَارٍ فَسَأَلَنِي كَفِيلَا فَقُلْتُ كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلًا فَرَضِيَ بِكَ وَسَأَلَنِي شَهِيدًا فَقُلْتُ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا فَرَضِيَ بِكَ وَأَنِّي جَهَدْتُ أَنْ أَجِدَ مَرْكَبًا أَبْعَثُ إِلَيْهِ الَّذِي لَهُ فَلَمْ أَقْدِرْ وَإِنِّي أَسْتَوْدِعُكَهَا فَرَمَى بِهَا فِي الْبَحْرِ حَتَّى وَلَجَتْ فِيهِ ثُمَّ انْصَرَفَ وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَلْتَمِسُ مَرْكَبًا يَخْرُجُ إِلَى بَلَدِهِ فَخَرَجَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ يَنْظُرُ لَعَلَّ مَرْكَبًا قَدْ جَاءَ بِمَالِهِ فَإِذَا بِالْخَشَبَةِ الَّتِي فِيهَا الْمَالُ فَأَخَذَهَا لِأَهْلِهِ حَطَبًا فَلَمَّا نَشَرَهَا وَجَدَ الْمَالَ وَالصَّحِيفَةَ ثُمَّ قَدِمَ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ فَأَتَى بِالْأَلْفِ دِينَارٍ فَقَالَ وَاللَّهِ مَا زِلْتُ جَاهِدًا فِي طَلَبِ مَرْكَبٍ لِآتِيَكَ بِمَالِكَ فَمَا وَجَدْتُ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي أَتَيْتُ فِيهِ قَالَ هَلْ كُنْتَ بَعَثْتَ إِلَيَّ بِشَيْءٍ قَالَ أُخْبِرُكَ أَنِّي لَمْ أَجِدْ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي جِئْتُ فِيهِ قَالَ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَدَّى عَنْكَ الَّذِي بَعَثْتَ فِي الْخَشَبَةِ فَانْصَرِفْ بِالْأَلْفِ الدِّينَارِ رَاشِدًا” (رواه البخاري).

 

أهم الْمَرَاجِع العربية

الأبشيهي، شهاب الدين محمد بن أحمد (1429هـ-2008م). المستطرف في كل فن مستظرف. تحقيق درويش الجويدي. بيروت: المكتبة العصرية.

ابن الأثير (2010م). النهاية في غريب الحديث والأثر. موقع المحدث: http://www.muhaddith.org

ابن الجوزي (1424هـ-2003م). صيد الخاطر. تحقيق حامد أحمد الطاهر. القاهرة: دار الفجر للتراث.

ابن حبان، محمد بن حبان بن أحمد (1996م). صحيح ابن حبان: الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان. المرجع الأكبر للتراث الإسلامي (الاصدار الثالث). بيروت: دار الفكر.

ابن عثيمين، محمد بن صالح بن العثيمين (1429هـ -2008م). شرح رياض الصالحين. حققه وعلق عليه أبو سلسبيل محمد عبدالهادي. ط1، مصر: مكتبة عباد الرحمن.

ابن مسعود، عبدالمجيد (بدون تاريخ). القيم الإسلامية التربوية والمجتمع المعاصر. قطر: سلسلة كتب الأمة رقم 67. موقع إسلام ويب: http://www.islamweb.net

أبوشريخ، شاهر ذيب (1423هـ-2003م). موسوعة القصص النبوي. ط1، الأردن: دار الصفاء.

أبوشيخة، فايز موسى (1424هــ-2003م). من قصص البخاري: دروسها وما يستفاد منها. مراجعة: محمود الطحان. ط2، الرياض: دار عالم الكتب.

الأثري، إسحق الحويني (1411هـ). صحيح القصص النبوي. ط1، السعودية: مكتبة الصحابة.

أحمد، سمير عبدالوهاب (1425ه-2004م). قصص وحكايات الأطفال وتطبيقاتها العملية. ط1، الأردن: دار المسيرة.

أركنه، محمد أنس (1431هـ-2010م). فتح الله كولن: جذوره الفكريه واستشرافاته الحضارية. ط1، القاهرة: دار النيل.

الأشقر, عمر سليمان (1427هـ – 2007م). صحيح القصص النبوي. ط 6, عمان: دار النفائس.

الأشقر, عمر سليمان (1427هـ – 2007م). قصص الغيب في صحيح القصص النبوي. ط 1, عمّان: دار النفائس.

آل عايش، عبدالله بن حلفان بن عبدالله (2009م). السنن الاجتماعية في ضوء القرآن والسنة وتوجيهاتها التربوية. مصر: مجلة البحث في التربية وعلم النفس، المجلد 21، العدد 3، جامعة المنيا، كلية التربية.

ألبريخت، كارل (2008م). الذكاء الاجتماعي : علم النجاح الجديد. التمهيد بقلم وارين بينيس. ط1، الرياض: مكتبة جرير.

الأنيس، عبدالسميع (1430). الأساليب النبوية في معالجة المشكلات الزوجية. ط2، الرياض: دار ابن الجوزي.

أوجي، هارون (2008م). الأسوة الحسنة ودورها في التربية الناجحة. تركيا: مجلة حراء، العدد 11، إبريل.

إيغوروف، سيمون (1995م). ليون تلستوي (1828-1910م). في: مفكرون من أعلام التربية. اليونسكو: لبنان.

البراوي، راشد (1978م). القصص القرآني: تفسير اجتماعي. ط1، القاهرة: دار النهضة العربية.

برغوث، الطيب (1428هـ-2007م). إشكالية المنهج في استثمار السنة النبوية. ط1، الكويت: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية: إدارة الثقافة الإسلامية (سلسلة روافد).

بريان، سارة كون (2008م). كيف نحكي حكايات لأطفالنا. ترجمة طارق الحصري، ط1، الإسكندرية: دار الوفاء.

البشري، عايش بن عطية بن عبدالمعطي (2009م). نماذج من الوسائل التعليمية التي استخدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم والاستفادة منها في واقعنا التربوي المعاصر. مجلة كلية التربية (جامعة الزقازيق) العدد 64، ج2 يوليو.

البقعاوي، صالح بن سليمان (1421ه). مبدأ الرفق في التعامل مع المتعلمين من منظور التربية الإسلامية. ط1، الرياض: دار ابن الجوزي.

بكار، عبدالكريم (1431ه). اكتشاف الذات: دليل التميز الشخصي. ط4، الرياض:  مؤسسة الإسلام اليوم.

البكاري، عبدالسلام، أبوعلام الصديق (1430هـ-2009م). الشبه الاستشراقية في كتاب مدخل إلى القرآن الكريم للدكتور محمد عابد الجابري، رؤية نقدية. ط1، الجزائر، منشورات الاختلاف.

بلعقروز، عبدالرزاق (1431هـ-2010م). عودة المكبوت الديني في الثقافات المعاصرة. مجلة قضايا إسلامية معاصرة. العدد 43-44 –صيف وخريف 2010م. بغداد: مركز دراسات الفلسفة.

البنا, جمال (2010). الحجاب. ط 2, القاهرة: دار الشروق.

البنا, جمال (2009). قضية الفقه الجديد. ط 1, القاهرة: دار الشروق.

البهاء العاملي (2010م). الكشكول. موقع الوراق: http://www.alwaraq.net

تولستوي، ليف (1997م). حِكم النبي محمد. ترجمة سليم قبعين. ط2، دمشق: دار الملوحي.

تيلمان، ديان (1427هـ-2006م). برنامج القيم الأخلاقية التربوي:القيم الأخلاقية وأهالي الطلبة: دليل ميسر. ط1، بيروت: الدار العربية للعلوم.

تيلمان، ديان –كولومينا ، بيلار (1427هـ-2006م). برنامج القيم الأخلاقية التربوي:دليل تدريب المربي.. ط1، بيروت: الدار العربية للعلوم.

جرجس، ميشيل تكلا ، و حنا الله، رمزي كامل (2004م). معجم المصطلحات التربوية: إنجليزي عربي. مراجعة: يوسف خليل يوسف. ط2، بيروت: مكتبة لبنان ناشرون.

الجعفري، نعمات (1428-2007م). أسئلة الرسول صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وتطبيقاتها التربوية: دراسة حديثية موضوعية. ط1، بيروت: مكتبة الرشد ناشرون.

الجلاد، ماجد زكي (1431هـ-2010م). تعلم القيم وتعليمها. ط3، الأردن: دار المسيرة.

الجندي، نزيه أحمد – حمدان، زهير (2002م). التربية العربية الإسلامية. في: الموسوعة العربية. ط1، دمشق: هيئة الموسوعة العربية.

الحاكم، محمد بن عبد الله (بدون تاريخ). المستدرك على الصحيحين.  موقع المحدث: http://www.muhaddith.org

الحفار، نبيل (2006م). القصة. في: الموسوعة العربية (ج15). ط1، دمشق: هيئة الموسوعة العربية.

الحكيم، رزان عبده (2008م). صورة المرأة في الحديث النبوي. دمشق: دار الفكر.

الحمد، ابتسام بنت أحمد (1927هـ). القيم الخلقية المستنبطة من القصص النبوي الوارد في صحيح البخاري ودور الأسرة في تطبيقها. بحث مكمل لمتطلبات درجة الماجستير في التربية الإسلامية والمقارنة. جامعة أم القرى.

الخطيب ، محمد عجاج (2003م). الموسوعة العربية. ط1، دمشق: هيئة الموسوعة العربية.

خلف الله، محمد أحمد (1999م). الفن القصصي في القرآن الكريم. شرح وتعليق خليل عبدالكريم: ط4، القاهرة: مؤسسة الانتشار العربي.

الدينوري، (بدون تاريخ). عيون الأخبار. في المرجع الأكبر للتراث (الاصدار الثالث).

الرازي، محمد بن عمر بن الحسين (1995م). تفسير الفخر الرازي. بيروت: دار احياء التراث العربي.

ربيع، محمد شحاته (بدون سنة طبع). التراث النفسي عند علماء المسلمين. ط3، مصر: دار المعرفة الجامعية.

رجب, مصطفى (2009م). الإعجاز التربوي في السنة النبوية. الإسكندرية: دار العلم والإيمان.

الرجوب، محمد علي (2004م). الإدارة التربوية في المدارس في العصر العباسي 132-656هـ. الأردن: مؤسسة حمادة.

الرحيلي، عبدالله بن ضيف الله (1430هـ-2009م). منهجية فقه السنة النبوية. ط1، المدينة المنورة.

رياض، سعد (1428هـ-2007م). غرس القيم عند الأطفال. ط1، القاهرة: مؤسسة اقرأ.

الزحيلي، محمد (1430هـ-2009م). موسوعة قضايا إسلامية معاصرة. ط1، دمشق: دار المكتبي.

الزير, محمد بن حسن (1405هـ – 1985). القصص في الحديث النبوي: دراسة فنية وموضوعية. ط3, الرياض.

زينو، جميل (1427هـ-2007م). من بدائع القصص النبوي الصحيح.

ساندرز ، كورين (2007م). سلسلة تطوير القيم. الرسومات التوضيحية دارسي توم. ترجمة وتعريب رقية محمد الزغاري. بيروت: دار الحكايات.

سعيد اسماعيل علي (1423هـ-2002م). أصول الفقه التربوي الإسلامي: السنة النبوية: رؤية تربوية. ط1، القاهرة: دار الفكر العربي.

سعيد, سعاد جبر (1429هـ – 2008م). القيم العالمية وأثرها في السلوك الإنساني. ط1, الأردن: علم الكتاب الحديث.

السقا، ليلى خميس (1424هـ-2003م). البيئة التربوية للطفل في الإسلام. الشارقة: إصدارات دائرة الثقافة والإعلام.

سلمان, مشهور حسن (1411هـ – 1991م). من قصص الماضين في حديث سيد المرسلين. المملكة العربية السعودية: دار الهجرة.

السيد، عبدالباسط محمد (1429هـ-2008). النبي صلى الله عليه وسلم مربيا. ط1، القاهرة: غراس للنشر.

شحاته، حسين (بدون تاريخ). الأدوات الاقتصادية في التربية الاجتماعية. موقع دار المشورة: www.darelmashora.com

الشخيبي، علي السيد (1998م). التربية الاجتماعية. في موسوعة سفير لتربية الأبناء. ج2، القاهرة: سفير.

الصبابطي، عصام الدين (1426هـ-2005م). صحيح الأحاديث القدسية. القاهرة: دار الحديث.

الصعيدي، عبدالحكم عبداللطيف (1420هـ-2000م). أقباس من قصص السنة. ط1، القاهرة: مكتبة الدار العربية للكتاب.

الطبطبائي، محمد السيد (1429هـ-2009م). روائع القصص النبوي والعبر المستخلصة منه. ط1، الكويت: دار الرقابة.

الطحان، مصطفى محمد (1430ه2009م). تربية الأبناء وفق منهج النبوية. ط1، بيروت: دار المعرفة.

الطويل, السيد رزق (1422هـ – 2001م). حياة الإمام الشافعي. في الإمام الشافعي فقيها ومجتهدا. بيروت: المنظمة الإسلامية للتربية (إيسيسكو).

عبدالرحيم، محمد (1425هـ-2005م). قصص رواها الرسول صلى الله عليه وسلم. دمشق: دار الإيمان.

عبدالله، عبدالرحيم صالح (1426هـ-2006م). فكر الغزالي التربوي. ط1، الأردن: دار المناهج.

عبود، شلتاغ (1428هـ-2007م). في القصة النبوية ..المضامين والفن. مجلة الأدب الإسلامي (العدد: 53). الرياض: رابطة الأدب الإسلامي العالمية.

العلواني، طه جابر (2010م). في منهج فهم الحديث النبوي. موقع الوحدة الإسلامية: http://www.alwihdah.com/

عمر، أحمد (1420هــ-2000م). فلسفة التربية في القرآن الكريم. تقديم أ.د وهبة الزحيلي. ط1، دمشق: دار المكتبي.

عمر، أحمد عطا (1428هـ-2007م). تربية الطفل في الإسلام. ط1، الأردن: دار الفكر.

العياصرة، وليد رفيق (1431هـ-2010م). التربية الإسلامية واستراتيجياتها العملية. ط1، الأردن: دار المسيرة.

الغزالي (2010م). إحياء علوم الدين. موقع الوراق: http://www.alwaraq.net

الغزالي, محمد (1422هـ- 2002م). قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة. ط7, القاهرة: دار الشروق.

الغزالي، محمد (1430هـ-2009م). الطريق ... من هنا. ط1، الكويت: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية: إدارة الثقافة الإسلامية (سلسلة روافد).

فرويد, سيجموند (2010م). الحب والحرب والموت والثقافة والحضارة. ترجمة: عبدالمنعم حنفي. ط1, القاهرة: مكتبة مدبولي.

فرويد, سيجموند (2010م). موسى الإنسان وديانة التوحيد. ترجمة: عبدالمنعم حنفي. ط1, القاهرة: مكتبة مدبولي.

فقيه، شادي (2003م). سلسة أروع القصص من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم. ط1، بيروت: الدار العربية للعلوم.

القرضاوي، يوسف (1430هـ-2009م). فقه الجهاد: دراسة لأحكامه وفلسفته في ضوء القرآن والسنة. ط1، القاهرة: مكتبة وهبة.

القرضاوي، يوسف (2008م). السنة مصدرا للمعرفة والحضارة. ط5، القاهرة: دار الشروق.

كرزون، أنس أحمد (1428هـ-2007م). منهج الإسلام في تزكية النفس وأثره في الدعوة إلى الله تعالى. ط4، بيروت: دار ابن حزم.

الكندري، لطيفة حسين – ملك، بدر محمد ملك (2009م). معوقات تربية المرأة في الفكر التربوي الإسلامي وتداعياتها المعاصرة. مجلة البحث في التربية وعلم النفس. المجلد 22، العدد 2، أكتوبر. جامعة المنيا.

كوفي, ستيفن (1426هـ – 2006م). العادة الثامنة من الفعالية إلى العظمة. سورية: دار الفكر.

كولن، محمد فتح الله (1431هـ-2010م). ونحن نقيم صرح الروح. ترجمة عوني عمر لطفي. ط6، القاهرة، دار النيل.

كولينز،  جون ، و أبراين، نانسي باتريسيا (2008م). قاموس دار العلم-غرينوود للمصطلحات التربوية. ترجمة حنان كسروان. مراجعة الترجمة هالة سنو. ط1، بيروت: دار العلم للملايين.

مبارك، برغوث عبدالعزيز (بدون تاريخ). المنهج النبوي والتغيير الحضاري. قطر : سلسلة كتب الأمة رقم 43. موقع إسلام ويب: http://www.islamweb.net

المتقي الهندي (بدون تاريخ). كنز العمال. موقع المحدث: http://www.muhaddith.org

محمد ، هويدا (2008م). القيم في القصص المترجمة: دراسة تحليلية تقويمية. مجلة كلية التربية ،المجلد 18، العدد 74، جامعة بنها.

مدبولي، رضا (1425هـ-2004م). القصص النبوي للأطفال والناشئة. ط1، الرياض: دار علياء.

المرجع الأكبر للتراث الإسلامي – DVD- (بدون تاريخ). شركة العريس للكمبيوتر. الإصدار الثاني.

مرسي، محمد سعيد (2007م). كيف تكون أحسن مربي في العالم: أحدث الأساليب الفعالة للآباء والأمهات. ط1، مصر : المؤسسة العربية للتنمية البشرية.

المرشدي, يوسف عبدالحميد (2007م). من القصص النبوي : دروس وعبر. مصر: دار الكلمة.

مركز الاتقان للمطبوعات المرئية (بدون تاريخ). القصص النبوي. الكويت.

المروزي، محمد بن نصر (بدون تاريخ). تعظيم قدر الصلاة. المرجع الأكبر للتراث الإسلامي.

مزيد ، رفعت محمد (2009م). التربية البيئية في ضوء السنة النبوية: دراسة تحليلية. مكتبة العلم والإيمان.

المصري، نشأت بن كمال (1431هـ-2010م). تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم ووجوب محبته وطاعته واتباع سنته والذب عن شريعته. ط1، المنصورة: دار اليقين للنشر والتوزيع.

مصطفى، أسامة نعيم (1424هـ-2003م). مائة قصة من قصص الرسول صلى الله عليه وسلم. ط1، الأردن: دار عالم الثقافة.

المطوع، جاسم محمد وآخرون (بدون تاريخ). رحلة مع 30 حديثا نبويا. الكويت: عالمي الممتع.

مقبل, صالح محمد (1409هـ – 1989م). محمد بن علي الشوكاني وجهوده التربوية. بيروت: دار الجيل.

ملك، بدر محمد (1992م). قصص رواها الرسول صلى الله عليه وسلم (1-2)، قدم للكتاب د. صديق عبد العظيم. ط1، الكويت: مكتبة الصحوة.

المنجد، محمد صالح (1422هـ-2001م). من القصص النبوي: عبر وعظات. القاهرة: دار الفجر للتراث.

المنجد، محمد صالح (1431هـ-2010م). نظرات في القصص والحكايات. السعودية (الخبر): مجموعة زاد.

الموسوعة العلمية للتربية (2004م). ط1، رئيس التحرير أ.د بشير صالح الرشيدي. هيئة التحرير: رجاء محمود أبوعلام، أ.د زينب علي الجبر ، د. عبدالله جاسم الهاجري. الكويت: مؤسسة الكويت للتقدم العلمي.

الميمان، بدرية صالح عبدالرحمن (1423هـ-2002م). نحو تأصيل إسلامي لمفهومي التربية وأهدافها: دراسة في التأصيل الإسلامي للمفاهيم. ط1، الرياض: دار عالم الكتب.

نجار ، فريد (2003م). المعجم الموسوعي لمصطلحات التربية. ط1، بيروت: مكتبة لبنان ناشرون.

النحلاوي، عبدالرحمن (2008م). التربية بالقصة. ط2، دمشق: دار القلم.

النووي، يحي بن شرف (1996م). المجموع شرح المهذب. بيروت: دار الفكر. برنامج المرجع الأكبر للتراث الإسلامي.

الهاشمي، عبدالحميد (1427هـ-2006م). الرسول العربي المربي: إنما بعثت معلما. سوريا: دار الثقافة للجميع.

الهاشمي، عبدالمنعم (1426هـــ-2005م). القصص النبوي. ط2، الكويت: دار ابن كثير.

اليوبي، مرزوق بن سليم (1428هـ). أثر العلم في الدعوة إلى الله تعالى. ط1، الرياض: دار ابن الجوزي.

 

أهم الْمَرَاجِع الأجنبية

Conley, B. J (2002). Alternative schools : a reference handbook / Brenda Edgerton Conley. USA: ABC. CLIO.

hermeneutics. (2010). Encyclopædia Britannica. Encyclopaedia Britannica Ultimate Reference Suite.  Chicago: Encyclopædia Britannica.

Keyes, Marian (2004). The other side of the story, penguin books, England.

Lockwood, John H. (1998). The Moral of the Story. Content, Process, and Reflection in Moral Education through Narratives. University of Florida.

Malek, B.  (1997).  Interpreting stories ascribed to Prophet Muhammad for teaching morality.  Unpublished doctoral dissertation, University of Pittsburgh, Pittsburgh, PA.

Markham, Ian S. (2010). Against Atheism: Why Dawkins, Hitchens, and Harris Are Fundamentally Wrong. Wiley-Blackwell.

Oubrou, T (2010). Interfaith Dialogue for a Globalised word. In Kuwait Times, Thursday, September 9.

Tolstoy, Leo. (2010). Encyclopædia Britannica. Encyclopaedia Britannica Ultimate Reference Suite.  Chicago: Encyclopædia Britannica.


(1) روى الحاكم في مستدركه “إنَّ أيوب نبي الله لبث به بلاؤه خمسة عشرة سنة، فرفضه القريب والبعيد، إلا رجلين من إخوانه، كانا من أخصِّ إخوانه، قد كانا يغدوان إليه، ويروحان. فقال أحدهما لصاحبه ذات يوم: نعلم والله، لقد أذنب أيوب ذنبا ما أذنبه أحد من العالمين. فقال له صاحبه: وما ذاك؟ قال: منذ ثمانية عشر سنة لم يرحمه الله، فكشف عنه ما به. فلما راحا إلى أيوب، لم يصبر الرجل حتى ذكر له ذلك. فقال له أيوب: لا أدري ما تقول، غير أنَّ الله يعلم أني كنت أمرُّ بالرجلين يتنازعان يذكران الله، فأرجع إلى بيتي، فأكفر عنهما، كراهية أن يذكر الله إلا في حق. وكان يخرج لحاجته، فإذا قضى حاجته أمسكت امرأته بيده حتى يبلغ. فلما كان ذات يوم أبطأ عليها، فأوحى الله إلى أيوب في مكانه: أن اركض برجلك، هذا مغتسل بارد وشراب. فاستبطأته، فتلقته، وأقبل عليها، قد أذهب الله ما به من البلاء، وهو أحسن ما كان. فلما رأته، قالت: أي بارك الله فيك، هل رأيت نبي الله هذا المبتلى؟ والله على ذلك ما رأيت رجلا أشبه به منك إذ كان صحيحا! قال: فإني أنا هو. كان له أندران: أندر للقمح، وأندر للشعير. فبعث الله سحابتين، فلما كانت أحدهما على أندر القمح أفرغت فيه الذهب حتى فاض، وأفرغت الأخرى في أندر الشعير الورق حتى فاض).

(2) رواه ابن حبان في صحيحه، والحاكم في المستدرك على الصحيحين (المجلد الثاني -كتاب التفسير -26 – تفسير سورة الشعراء). قال الحافظ ابن كثير : الأقرب أنه موقوف والحديث عند الألباني إسناده صحيح على شرط مسلم (انظر موقع الدرر).