الكندري ، لطيفة حسين وآخرون (2010م). المضامين التربوية في فكر الإمام الشافعي. جامعة سوهاج، المجلة التربوية، العدد 28، يوليو 2010م.

المضامين التربوية لفكر الإمام الشافعي في ضوء المعطيات المعاصرة

أ.د. لطيفة حسين الكندري   أ.د. بدر محمد ملك  أ. د. محسن حمود الصالحي

كلية التربية الأساسية

الكويت

2010م

 

المُقَدِّمَةُ

يُعد الشافعي من أبرز علماء الإسلام ذكرا، ومن أكثرهم أثرا، وأبعدهم مدىً، ولا زالت أفكاره محل عناية وتمحيص لأغراض دينية وغايات أدبية، ولعل الجانب التربوي –رغم غوره العميق-لم يأخذ حظه من الدراسة المنهجية الدقيقة لأن المخيلة العربية تحمل صورة الشافعي الفقيه ويكاد يعزب عن الأفهام وساحة الإعلام شخصية الشافعي المعلم؛ صاحب الآراء التربوية الرائدة والإبداعات الفكرية الوافرة. إن ملاحظة عابرة للكتب الخاصة بالفكر التربوي الإسلامي تكشف على الفور غياب هذه القامة العملاقة من ساحة الحقل التربوي كعلم من أعلام التربية الإسلامية، وحقيق بنا أن لا نحرم طبقة المعلمين والمتعلمين من بعض أفكاره الرصينة في مرحلة إعدادهم لمهمتهم الجليلة ولو على سبيل التعريف الموجز.

لا زالت مؤسسات التعليم مقصرة في التعريف بأعلام الفكر الإسلامي من مثل الشافعي (رضا، 2009م، ص 31) ولعل مثل الدراسة الحالية وأخواتها خطوة جادة نحو إثراء هذا المجال الأصيل. ويحمد لمكتب التربية العربي لدول الخليج أن سلطت الضوء على هذه الشخصية العملاقة في كتاب من أعلام التربية العربية الإسلامية وإن جاء البحث الخاص بالشافعي مستندا برمته إلى مراجع تاريخية لا تتضمن ذكرا للدراسات التربوية التخصصية ولا تربط أفكار الإمام بالأدبيات المتعلقة بالفكر التربوي وأصول التربية. في العام 2002م صدر كتاب كبير عن منظمة الأسيسكو (المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة) وتضمن بحوثا مكثفة عن الشافعي في ميادين شتى ولكن ذلك المجلد الزاخر بالدراسات الرصينة لم يتضمن بحثا واحدا عن الفكر التربوي عند الشافعي رغم أهمية هذا الموضوع للباحثين وعموم المربين وشريحة واسعة من المهتمين.

مشكلة الدراسة

إن الدراسات الأكاديمية عن الشافعي كرائد من رواد التربية محدودة وتكاد تكون معدومة مقارنة بسيل من الدراسات الفقهية عبر القرون عن ذات الشخصية ومعظمها تتضمن نقولات مكثفة مكررة عن حياته وأقواله وتفتقد التحليلات التربوية والاستنباطات المرتبطة بمعطيات العصر تربويا وثقافيا.

إن الحاجة ماسة إلى دراسة تخصصية واعية لأعلام التربية الإسلامية وإحياء مسالكهم التربوية النافعة لبناء نظامنا التربوي على أساسه في ضوء الموازنة مع معطيات العصر الذي يفيض بالفكر والثقافة والإبداع. ليس لشجرة التربية والتعليم قيمة إن لم تكن لها جذورها الراسخة وقابليتها للتكيف والنمو وجدير بالمعلمين اليوم أن يقيموا جسور التواصل والتفاعل مع نفائس تراث سلفهم بما يكفل لهم هوية صادقة، وتربية نافعة، وإضافة فكرية وافرة. القائمون على وضع المناهج التعليمية للأجيال القادمة والمفكرون في قضايا إصلاح التعليم يدركون أن ميدان الفكر التربوي خصب والحاجة الفعلية لها ماسة لاستكشاف وبلورة المزيد من محاسن التراث الإسلامي حتى يعم النفع للفرد، وتتم الفائدة للمجتمع، وتزدهر المعرفة الإنسانية.

أسئلة الدراسة

  1. ما العوامل التي أثرت في التكوين الفكري للشافعي؟
  2. ما أهم أفكار الشافعي في التربية؟
  3. ما أبرز الوسائل التربوية التي استعان بها الشافعي؟
  4. ما السمات التعليمية لكتابات الشافعي؟
  5. كيف يمكن توظيف فكر الشافعي في الواقع المعاصر؟

أهداف الدراسة

  1. الإسهام في تأصيل الفكر التربوي المعاصر وربطه بمصادر التربية الإسلامية وصياغة شخصية الناشئة الفكرية في ظل التوجيهات التربوية (المالكي, 2009م ص 251).
  2. التعريف بأهم أفكار الشافعي في التربية والتعليم.
  3. رصد ونقد الممارسات الخاطئة في فهم التراث.
  4. تزويد المربين بمجموعة مختارة من الأدبيات التربوية المتضمنة مبادئ التربية الإسلامية.
  5. استنباط الأسس التربوية للكتابة الجيدة من وحي مؤلفات الشافعي.
  6. توظيف التراث التربوي في إثراء الواقع.

أهمية الدراسة

تعد المذاهب الفقهية من أعظم مقومات التربية الإسلامية وهي أقرب إلى عقل وواقع الناس، ولقد التصق الفقه بالثقافة العربية الأصيلة ولا يزال الفقه معينا للمسلمين في حياتهم اليومية يستمدون منه دقائق أحكام العبادات والمعاملات على حد سواء فالإسلام عقيدة وشريعة غايتهما الكبرى هداية البشر عبر العصور.

غفلت المؤسسات التعليمية عن الكثير من ثرواتها العلمية المعطلة ومن هذه الثروات المنسية الثروة الفقهية العظيمة، التي كان لها دورا عظيما في تنظيم واستقرار المجتمع المسلم (عطار، 2004م، ص 15). يحتوى الفقه الإسلامي عموما على مضامين تربوية بدأ الباحثون يعتنون بها ويكتبون عنها كمساق (مقرر) جامعي (البغا، 2007م، ص 5). يعتبر تراث الفقهاء حصيلة فكرية قيمة تشكل المشهد الثقافي الإسلامي وتساهم في توجيه مساراته بصورة أو بأخرى على المستوى الفردي والجمعي. إن مراجعة نتاج أعلام الفقه باتت عملية ضرورية لتنمية التراث الإسلامي من جهة والفكر الإنساني من جهة أخرى.

تشهد الساحة الثقافية تنوعا في فهم تراث الشافعي في قضايا عديدة من مثل قضية التسامح (Friedmann, 2003, 51) والتقليد (El Shamsy, 2008) والقانون (Ziadeh, vol. 2. P. 460) وقضايا مختلفة (أبوزيد، 1996م) وهي دراسات معاصرة تقدم قراءات جديدة وليست بالضرورة صحيحة عن تراث الشافعي. ومهما يكن الأمر، فمن “حق سلفنا علينا أن نتعرف على سيرهم، وأن نقف مع أحداث حياتهم، وخصوصاً إذا كنا نريد طلب العلم، فإن القراءة في حياة أهل العلم لا شك أنها من الأمور التي تكسب طالب العلم أدباً وفقهاً وخشوعاً وإعجاباً بهؤلاء، والخير في هذه الأمة لا ينقطع” (المنجد، بدون تاريخ). وإذا كانت انجازات حضارتنا في الميادين الطبية يشار لها بالبنان في العالم (Muslim Heritage , 2010, Challoner, 2009, 142 p. ) فمازالت كنوزنا التربوية تحتاج إلى إبراز ومزيد عناية عربيا وعالميا رغم المحاولات الجادة في هذا المجال (AL-Hassani, 2007, p. 46).

لا ريب أن الشافعي علم عظيم من أعلام أمتنا (الطويل، 2001م، ص 23) فهو “فيلسوف الإسلام، ورائد التأليف المنهجي فيه” (الدسوقي، 2001م، ص 482). من الآراء السديدة لأحمد بن حنبل قوله “الشَّافِعِيُّ فَيْلَسُوْفٌ فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءٍ: فِي اللُّغَةِ، وَاختِلاَفِ النَّاسِ، وَالمَعَانِي، وَالفِقْهِ” (الذهبي, ج10 ص 81 , الزحيلي 2005م, , ص 518) وهو القائل “ما أحد مس محبرة ولا قلما، إلا وللشافعي في عنقه منة” وورد عن “عبدالله بن أحمد، قلت لأبي: أي رجل كان الشافعي، فإني سمعتك تكثر من الدعاء له؟ قال: يا بني، كان كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس، فهل لهذين من خلف أو منهما عوض؟”. فكم من الدراسات الرصينة والأبحاث الموسعة جرت تحت عنوان فلسفة الشافعي التربوية أو الاجتماعية أو الثقافية أو النفسية؟ إنها في أحسن الأحوال دراسات معدودة إن لم تكن معدومة أو مختصرة أو مقتصرة على الأبعاد الأخلاقية التي لا تتجاوز الكتب الدينية وآداب المعلم والمتعلم، وغير قادرة على ربطها بمعطيات وأدبيات التربية المعاصرة. والقلة القليلة من الدراسات التربوية عن الشافعي المعمقة في هذا النطاق تحتاج إلى المراجعة والتدقيق والإضافة فما زالت كتابات الشافعي التربوية تحتمل قراءات جديدة، ونظرات متنوعة، نظرا لاختلاف السقف المعرفي، وتغير المشهد الثقافي.

يقول أحمد شاكر لم يظهر مثل الشافعي “في علماء الإسلام في فقه الكتاب والسنة, ونفوذ النظر فيهما ودقة الاستنباط. مع قوة العارضة, ونور البصيرة, والإبداع في إقامة الحجة… حتى سما عن كل عالم قبله وبعده” (مقدمة كتاب الرسالة للشافعي, 2008م, ص 4). مثل هذه الشخصيات تزيدها الأيام عظمة وتستحق أن تقوم الأجيال بتجديد الدراسات حولها وإعادة قراءتها لترسيخ بنيان التربية وبيانها ومنهجها ومحتواها. إن الأمة التي لا تقدر روادها تتنكب الطريق وتحرم الناشئة من نماذج مشرقة.

يلح الباحثون على دراسة الشافعي بمزيد من العناية (الطويل، 2001م، ص 42). إن القيام بالدراسات والبحوث الثقافية حول هذا الموضوع وكشف تأثيراته الثقافية والاجتماعية والفكرية، وتحليل أبعاده بات عملا ضروريا، لأنه عمل ذو أهمية بالغة في تثقيف شعوبنا وإنهاضها بالروح الإسلامية الواعية (التميمي، 2001م، ص 504). يعتبر تراثنا الفقهي ثروة تشريعية فريدة في تاريخ البشرية (الدسوقي، 2010م، 443). إن علم أصول الفقه وغيره من العلوم الشرعية لو التفت إليه التربويون والمهتمون بعلوم التنمية والتدريب الإنساني لوجدوا فيه من المعارف والنظريات خيراً كثيراً (عبدالعزيز، 2010م). وعليه فما زال تراث الشافعي في التربية ميدانا بكرا لم تمتد إليه يد الباحثين في المجال التربوي وهذا يتطلب أن تحفز الجهود والأقلام للقيام بدراسات متواصلة أكثر عمقا وأعظم نفعا (ملك وأبوطالب، 1989م، ص 378).

منهج الدراسة

تتبع الدراسة الراهنة أسلوب تحليل المحتوى الكيفي (الصالحي، وملك، 2007م، ص 18) لرصد وتحليل ومناقشة المضامين التربوية لآراء الإمام الشافعي ولاستنباط المعاني الكامنة. يندرج أسلوب التحليل الكيفي في الدراسات النظرية تحت باب الدراسات الوصفية التحليلية الاستنباطية. وستقوم الدراسة الحالية باستخدام التحليل الموضوعي عبر تتبع الأفكار الرئيسة لاشتقاق القيم والمضامين والمفاهيم والتصورات التربوية. التقنية المعتمدة في البحث الحالي هي التعويل على الفكرة العامة كوحدة للتحليل والاستنباط مع تعضيد ذلك بالأدلة الداعمة.

لقد بدأ الاهتمام في أمر تحليل المحتوى واستخدامه كوسيلة للبحث في منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي (عمر ، 2009م، ص 118). ينقسم تحليل المحتوى إلى تحليل كمي وكيفي (طعيمة، 2008م، ص 431، 442). من أهم المجالات التي يتناولها تحليل المحتوى الشخصيات والرموز الوطنية والدينية فلكل دولة من الدول وأمة من الأمم، شخصياتها ورموزها الوطنية والدينية، التي تركت مآثر يشار إليها وأعمالا يعتز بها (الخوالدة وعيد، 1997م، 268). يرى المؤيدون لاستخدام الأسلوب الكيفي لتحليل المحتوى أنه الأسلوب الأنسب في مثل هذه الدراسات لأنه يسعى إلى النظر إلى المضمون باعتباره انعكاسا لظواهر أعمق، ويستخدم عادة في الموضوعات المتداخلة والمتشابكة (أبو شوشة، 2008م، ص 22).

حدود الدراسة

يستند البحث الراهن إلى كتابين من كتب الشافعي وهما الأم، والرسالة إضافة إلى الشعر والنثر المنسوب إليه والمبثوث في ترجمة حياته فضلا عن الدواوين الشعرية المنسوبة إليه. والمشكلة في شعر الشافعي أن الكثير منه ينسب له ولغيره (يعقوب, 2004م, ص 34، صالح، 1983م، ص 140، ص 149) وهو أمر وارد في الأدب العربي حيث يقع اللبس في صحة نسبة بعض الأبيات إلى أكثر من شاعر.

مصطلحات الدراسة

     المَضامِين جمع مَضْمُون؛ ويقال: ضَمِنَ الشيءَ بمعنى: تَضَمَّنَه؛ ومنه قولهم: مَضْمُونُ الكتاب كذا وكذا، وفَهِمْت ما تضَمَّنه كتابك أي: ما اشتمل عليه وكان في ضِمْنه (انظر لسان العرب لابن منظور). والمضمون ما يتم استنتاجه (البغا، 2007م، ص 5) وهو في اصطلاح الباحثين التربويين كل ما اشتمل عليه الشيء من خصائص ومميزات أو كل ما استنبط من هذا الشيء (الخليفة، 2004 م، ص 22، ملك والكندري، 2005م، 19).  وتشير الأدبيات المتخصصة بهذا الصدد إلى أن “المضامين التربوية هي خلاصة الفكر التربوي الذي يشمل عليه كتاب معين بغض النظر عن المجال الرئيسي الذي ألف فيه هذا الكتاب، فقد يكون الكتاب مرجعا فقهيا أو أدبيا أو تاريخيا بالدرجة الأولى إلا أنه لا يخلو من فكر تربوي متضمن في ثناياه بحيث يمكن استخراجه والإفادة منه” (أبوشوشة، 2009م، 25).

يتوخى البحث الراهن انتقاء طائفة من آراء الشافعي –الصريحة والضمنية- المبثوثة في مؤلفاته ومواقفه من أجل استجلاء المضامين التربوية المتناثرة وترتيبها وتحليلها مع بيان أهميتها المعاصرة وسبل توظيفها.

“الفِكْرُ، بالكسر ويُفْتَحُ: إِعمالُ النَّظَرِ في الشيءِ” (الفيروز آبادي، 2008م، ص 1260). وهكذا فالفكر لغة إعمال للذهن في أمر معين. وقال بعضهم “الْفِكْرُ هُوَ إحْضَارُ مَعْرِفَتَيْنِ فِي الْقَلْبِ يَسْتَثْمِرُ مِنْهُمَا مَعْرِفَةً ثَالِثَةً‏ (الحفني، 2006م، ص 1191، جهامي، دغيم ، 2006م، ج2، ص 2090). وفي الاصطلاح فإن “الفكر التربوي الإسلامي مجموعة الآراء والأفكار والنظريات التي احتوتها دراسات الفقهاء والفلاسفة والعلماء المسلمين وتتصل اتصلا مباشرا بالقضايا والمفاهيم والمشكلات التربوية” كما يقول سعيد إسماعيل علي (2006م، ص 38). هناك عدة تعريفات لكلمة الفكر التربوي كمصطلح (ملك، والكندري، 2006م، ص 2006م، ص 18) يتم استخدامه وتداوله بكثرة بين الباحثين في العلوم الإنسانيَّة والاجتماعية. إن الفكر التربوي الإسلامي عموما يتسع لكل ما ورثناه من اجتهادات أسلافنا وإسهاماتهم في شتى ميادين الحياة وذات صلة بالتربية والتعليم والتثقيف والفكر حصيلة روافد شتى ويمكن أن يخدم العملية التربوية والتعليمية كمبادئ وممارسات.

الإطار النظري

من حق التراث علينا أن نتعاهده بالمذاكرة الواعية، ونحي محاسنه، ونوسع مداراته، ونزيد من رصيد منجزاته من جهة، ونتجنب جميع المعوقات التي قد تنجم من إحياء أفكار لا تخدم عملية التنمية من جهة أخرى. من لم يعرف ماضية تنكب درب حاضره، ومن لم يعرف مجد أجداده، ضيع دربه أحفاده. يصف الغرب العصور الوسطى بأنها عصور الظلام وهذه مغالطة فادحة توحي بعجز ظاهر عن قراءة التاريخ الإنساني إذ كان الشرق حينئذ يرفل بالصحة الفكرية والنهضة الثقافية والحرية السياسية. يحق للغرب أن يغض الطرف عن شطر كبير من ماضيه لا سيما عصور محاكم التفتيش وما أدراك ما محاكم التفتيش؟ أما هنا في الشرق فلا يحق للباحثين الإعراض عن ماضيهم كله بحكم النواقص فيه فالزلل طبيعة بشرية ومن الحكمة التعامل الواعي مع التراث الإنساني وتوجيه الدراسات نحوه بغية تأصيل الحاضر وتوجيه المسار. هذه وظيفة مهمة للمتخصصين في الفكر التربوي فجميع الأمم تعتني بعلمائها كي يقتدي الأبناء بعبقريتهم ويقتفوا أثرهم في العطاء العلمي.

يقدم الفكر التربوي صورة متناهية الدقة عن تعقيدات اكتنفت المسيرة التربوية عبر ومضات تاريخية تدل على تنوعها، وتطورها، وأعلامها، وعقباتها، وآفاقها. إن دراسة المعطيات التاريخية لاستيحاء الحكمة واستخراج الخبرات النافعة من أهم وسائل صقل العقلية التربوية، وتوسيع الذاكرة الإنسانية. ولأن الكمال مفقود في كل حال من الأحوال البشرية فإن السعي لا يتوقف بحثا عن العلم ومسائله فضلا عن ترقية العقل والذوق ومواكبة عملية توسيع الثقافة.

للتربية وظيفة بالغة الأهمية في حياة جميع المجتمعات وكافة الأمم، فهي عماد تطورها ورقيها، وهي المعنية بتنمية شخصية الفرد على نحو يمكنه من النمو المتوازن المتكامل مع ذاته، وتعينه على التكيف الايجابي مع مجتمعه ليساهم بدور فاعل في بناء المجتمع (بحري، قطيشات، 2009م، ص 11- 12). إن عودتنا إلى تراثنا التربوي الإسلامي تشعرنا أننا لا نبدأ نشاطنا من فراغ وكأننا عالة على الغير وإنما نبني أجيال أمتنا عبر ثقافة أصيلة وبذلك تزداد ثقتنا بأنفسنا (النقيب، 2004 م، 69). يتعين علينا أن نظل مخلصين لقديمنا ما استطعنا, فنلتمس خيره, ونجلو ما فيه من محاسن (انظر: نصار, 1996, ص 66) ونعالج برفق وحكمة الاختلال والانحراف وإلا لم نستفد من معطيات التاريخ الزاخر بالعبر والعظات.

أدرك فلاسفة التربية أهمية العناية بالفكر عموما ونادوا بضرورة تنميته واستثمار ثمراته. يقول الفيلسوف البريطاني برتراند رسل (1872- 1970م) “إن الفكر عظيم وسريع وحر، إنه نور يضئ الدنيا، وهو الدعامة الأولى في مجد الإنسان”. وقال دور كايم “أعتقد أنه بدراستنا  الماضي باعتناء فقط، يمكننا أن نستبق المستقبل ونفهم الحاضر، وبالتالي يكون تاريخ التعليم أفضل مدرسة تربوية” (الخوري، ص 2). وهكذا، يمثل الفكر التربوي الأداة الأساسية لتنمية المجتمع وتحديثه عبر تحسين عقليات الناس وممارساتهم (أحرشاو، 2001م، ص 157). ومن جانب آخر يقول نورمان فنسنت نيل إن “ما يستطيع العقل فهمه وتصديقه يستطيع تحقيقه” (النعيمي، 2007م)، وهذا من شأنه أن يفتح آفاق الإبداع العلمي.

كتب توماس كارليل عن الأبطال والبطولة في التاريخ فقال “إن تاريخ العالم ليس إلا سيرة الرجال العظماء” ومهما يكن الأمر فإن حياة الرواد من الذكور والإناث ذات أثر عظيم في مسيرة التربية بل الحياة الفكرية عموما. لقد لعب الشافعي دورا مهما في بلورة الفكر الإسلامي القانوني (Shāfi’ī, 2010) فهو الذي قام بتدوين أصول الفقه وجمع ونظم وأصل موضوعات هذا العلم. قال بروكلمان (بدون تاريخ) “يعد الشافعي مؤسس علم أصول الفقه، الذي يرسم المناهج وينظمها باستخراج الأحكام من أدلته، ويحرر طرق الاجتهاد والاستنباط” (ص 293)، لا يتفق الشيعة مع أهل السنة في أن الشافعي له فضل السبق في تدوين علم أصول الفقه فالشيعة يرون أنهم أول من أضاف هذا العلم للثقافة الإسلامية (القزويني، 1986م، ص 412).

يعاني العالم العربي اليوم من ندرة الأفكار الأصيلة كما يرى ادوارد سعيد (1996م) فعالمنا مازال يقوم بالنسخ المباشر الذي لا صلة له بخصوصياتنا وينطلق من منطلقات منفصلة عن هويتنا. قال ادوارد سعيد “ولهذا أعتقد أننا لم ننل قسطنا بعد من سيرورة التنوير والتحرر بالمعنى الفكري. وأعتقد أن اللوم يقع على المثقفين إذ ليس بوسعنا أن ننحي باللائمة على الإمبريالية أو الصهيونية” (ص 143). ولهذا وجب أن نفهم هويتنا من وحي تراثنا وواقعنا وتطلعاتنا ونبث فيها إبداعاتنا ونهتدي إلى غاياتنا ثم نفتح أعيننا على من حولنا لنأخذ المفيد وبذلك تمتد عملية التنوير وتستوفي شروطها ويتم بلوغ الغايات.

الدراسات السابقة

ناقشت دراسة الدقر (2009م) حياة الشافعي وأبرزت فضله, منذ ولد إلى أن وافاه الأجل. وعرض الباحث ما نقل من شهادة كبار العلماء في مختلف المذاهب والنحل مؤكدة مكانته الفريدة, شارحة عظيم صفاته الخلقية. شرحت الدراسة حياة الشافعي في سبعة فصول. بدأ الباحث بعصر الشافعي ومولده ونشأته. ثم ناقش أهم رحلات الشافعي العلمية. وعرضت الدراسة أسلوب المناظرة كطريقة من طرق الشافعي في تدريسه لتلاميذه. تحدث الباحث عن حلم الشافعي وخفض صوته في المناظرة, ونبله في المناظرة وسمو روحه. وأكد الباحث بأن مقياس تقديره لمناظِره ليس بحيله وأحابيله, ولا بوفرة علمه ولا بجهارة صوته, وشططه في القول, وإنما بإنصافه ورغبته بالحق واستجابته للحجة والدليل.  جاءت الدراسة بأمثلة من مناظرات الشافعي. وناقش الباحث أدب وشعر الشافعي, وختم الباحث دراسته بحكم الشافعي وأدعيته وكلماته.

هدفت دراسة أبو شوشة (2008م) إلى التعرف على أهم القضايا التربوية المتضمنة على عدد من مصادر المذهب الشافعي، ومعرفة مدى إمكانية الاستفادة من الفكر التربوي لفقهاء المذهب الشافعي في مجال التربية في العصر الحالي. استخدم الباحث في دراسته الراهنة المنهج التاريخي, وأسلوب تحليل المحتوى. وقد خصص الباحث سبعة فصول من فصول الدراسة لعرض قضايا التربية التي أسفر عنها تحليل مصادر المذهب الشافعي محل الدراسة. توصلت الدراسة إلى نتائج عديدة منها: أعلى فقهاء المذهب الشافعي من قيمة العلم والعلماء مؤكدين فضل العلم وأهمية الاشتغال به وقالوا بأن طلب العلم عبادة تفوق منزلتها منزلة النوافل من العبادات. لم ينتقص فقهاء المذهب الشافعي قدر العلوم الطبيعية, بل جعلوا دراستها من فروض الكفاية, كما لم يحقروا الحرف والصناعات وعدوا تعليمها من فروض الكفاية أيضا. اهتم فقهاء المذهب الشافعي بقضية التأليف العلمي ووضعوا له من الضوابط ما يتضمن تحقيق الهدف منه والمتمثل في توسيع دائرة معارف العالِم. أكد فقهاء مذهب الشافعي أهمية التقويم المستمر للطلاب حتى يقف المعلم أولا بأول على مدى تقدمهم ومستوى تعليمهم. أقر فقهاء المذهب الشافعي بأهمية اختيار المعلم لطريقة التدريس التي تتناسب مع قدرات المتعلمين وطبيعة المادة الدراسية.

وفي دراسة ملك وأبوطالب (1989م) الموسعة عن السبق التربوي في فكر الشافعي توصلت الدراسة إلى الآتي: أولا: إن الكاتبين في ميدان التربية لم يفردوا للشافعي كتبا متخصصة في المجال التربوي تبرز أفكاره وتبين آراءه، ولم تمتد أيدي الباحثين إلى الكثير من كنوزه العلمية، والتي مازالت حبيسة كتبه أو مبثوثة في سيرته وترجمته. ثانيا: نجح الشافعي نجاحا كبيرا في أن يتخذ من الشعر مادة ثرية يخدم بها غرضه التربوي فجاء ديوانه الشعري صورة صادقة وتعبيرا واقعيا عن تجربته التربوية. ثالثا: كانت نظريات الشافعي وأفكاره التربوية نبراسا هاديا ومنطلقا قيما لرواد التربية من بعده يقتبسون منه، كالغزالي وابن خلدون وابن جماعة وغيرهم حتى كان هؤلاء امتدادا طبيعيا لفكره التربوي، وكثيرا ما كانت أفكارهم مجرد صدى لآراء الشافعي. رابعا: تقوم فلسفة التربية عند الشافعي على أساس أن العلم النافع هو الذي يستطيع أن يحقق السعادة والاستقرار للإنسان وأن العلم في نظره عبادة. خامسا: آراء الشافعي وأفكاره التربوية ليست وليدة دراسات في الفلسفة أو في علم الكلام كما أنها ليست ترديدا لفكر قديم شرقي أو غربي وإنما هي اقتباس من مشكاة النبوة من القرآن والسنة لذلك جاءت فكرا إسلاميا صافيا. سادسا: الوضوح الكامل مع الإيجاز غير المخل هما السمة الغالبة على كل آراء الشافعي في المجال التربوي. سابعا: بلاغة الشافعي وقدرته الفائقة على الإيجاز تتطلب ممن تصدى لشرح أقواله أن يعمد إلى الإسهاب والتوسع لكي يحيط بكل ما في كلماته من معاني باستيعاب ووضوح. ومن تـوصـيـات الدراسة: أولا: النصوص الشعرية والنثرية التي يمكن أن تختار من تراث الشافعي ينبغي أن تدرس في المراحل التعليمية المختلفة، وأن يحرص القائمون على شؤون التعليم وأن يقروها حفظا وتعليما فإنها مع دورها في التربية تنمى ملكة الحفظ وتكسب الأدب الرفيع في التعبير وتعطي القدرة على الأداء وقدرة على العارضة، كما أنها أصول فقه وتربية وقانون وسياسة واقتصاد واجتماع. ثانيا: إن من الأمانة العلمية أن يكتب تاريخ الفكر التربوي وتطوره مع أبراز الرواد الأوائل الذين أسسوا الحركة الفكرية والتربوية لمن جاء بعدهم من أمثال الشافعي.

هدفت دراسة صالح (1983م) إلى دراسة شعر الشافعي من الناحية الفنية. بدأ الباحث دراسته بسرد السيرة العملية والمسيرة العلمية للشافعي. تضمنت الدراسة على خمسة أبواب ففي الباب الأول تحدث الباحث عن الإسلام والشعر, وناقش في الباب الثاني الأخلاق والشعر, وذكر في الباب الثالث بعض الجواب التربوية في شعر الشافعي من مثل: الرحلة في سبيل الشعر, والعلم والعلماء…أما في الباب الرابع والخامس تحدث الباحث عن شاعرية الشافعي. وأشار الباحث إلى أن الشافعي يرسم منهاجا للتدريس, ويوظفه لتحمل مسؤولية نقل التراث الفكري والحضاري للأجيال اللاحقة؛ وبذلك يضع بين يدي طالب العلم ما يساعده على اكتساب المعرفة وتحصيل العلوم؛ من خلال القدرات والميول التي تتوفر في طالب العلم؛ وبذلك يؤكد الشافعي على التنشئة المنهجية السليمة. وهنا يبرز تبصر الشافعي بقضايا منهجية هي في الحقيقة من صميم الإعداد التربوي والتنشئة التي على أسس ذات نزعة علمية, في وضع المؤشرات التي تتحكم فيها ظروف المجتمع آنذاك وحاجاته. فقد اشترط الشافعي ستة عناصر للعملية التعليمية الصحيحة في إقامة منهجه التدريسي, وهي الذكاء.. الحرص.. الاجتهاد.. البلغة.. صحبة أستاذ.. مضافا إليها عنصر الزمن. وهذه العناصر أكد عليها علم النفس التربوي الحديث (صالح, 1983, ص 121).

وفي دراسة أكاديمية موسعة للأستاذة فاطمة محمد السيد علي (1981م) تحت عنوان الفكر التربوي عند الإمام الشافعي قدمتها الباحثة لكلية التربية بشبين الكوم في جامعة المنوفية للحصول على درجة الماجستير في أصول التربية. تحدَّثت الباحثة في الفصل الأول عن الاتِّجاه الفقهي في التَّربية وبما أن الإسلام منهج حياة فإن الباحثة أكدت على وجود علاقة وثيقة بين الفقه وأصوله وبين التربية. في الفصل الثَّاني كان الحديث عن عصر الإمام الشافعي من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية والثقافية. وجاء الفصل الثَّالث ليتحدَّث عن الإمام من حيث مولده ونشأته وفقهه وشيوخه وطلابه. في الفصل الرَّابع كان الحديث عن مصادر الفِكر التَّربوي الإسلامي وموقف الإمام منها وفي هذا الفصل وضَّحت الباحثة مصادر الفِكر التربوي عند الإمام وهي كالآتي: القرآن الكريم، والسنة النبوية، والإجماع، والقياس. وفي الفصل الخامس كان الحديث يدور عن الفكر التربوي عند الإمام فتحدثت الباحثة عن فلسفة التربية وأهدافها ومناهج التعليم وطرق التدريس ومراحل التعليم وإعداد المعلم. وفي الفصل السادس فلقد قامت الباحثة بدراسة مقارنة إذ خصصت الفصل بأكمله للحديث عن الفكر التربوي الرأسمالي، والشيوعي ثم قارنت المدرستين بالفكر التربوي العربي والفكر التربوي عند الإمام الشافعي. جاء الفصل الأخير كالعادة في معظم الدراسات الأكاديمية ليضع الباحث توصياته بعد أن يلخص أهم نتائج الدراسة.

محاور الدراسة

المحور الأول: التكوين الفكري

عاش الشافعي في العصر العباسي الأول حيث كانت الخلافة الإسلامية قوية الأركان تموج فيها التيارات العلمية وأخذت العلوم النقلية والعقلية تزدهر تحصيلا وتعليما وتأليفا. نشأ الشافعي فقيراً، في أسرة رقيقة الحال، في مدينة عسقلان بقرية غزة في فلسطين حرسها الله. مثله مثل آلاف العلماء وجد في الكتاتيب بداية حسنة للولوج لعالم المعرفة.

ذكر الذهبي بعض المواقف التربوية الهامة في طفولة الشافعي منها كما يقول عن نفسه: ” كنت يتيما في حجر أمي ولم يكن لها ما تعطيني للمعلم وكان المعلم قد رضي مني أن أقوم على الصبيان إذا غاب وأخفف عنه”. وعن الشافعي قال: كنت أكتب في الأكتاف والعظام وكنت أذهب إلى الديوان فاستوهب الظهور فأكتب فيها… كانت نهمتي في الرمي وطلب العلم فنلت من الرمي حتى كنت أصيب من عشرة عشرة … حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين وحفظت الموطأ وأنا ابن عشر” (الذهبي، ج 10, ص 11، باختصار).

“فلما أخذ الشافعي رحمه الله في الفقه وحصّل منه على مسلم بن خالد الزنجي وغيره من أئمة مكة ما حصّل رحل إلى المدينة قاصداً الأخذ عن مالك بن أنس، وأكرمه مالك وعامله لنسبه وعلمه وفهمه وعقله وأدبه بما هو اللائق بهما، وقرأ الموطأ على مالك حفظاً فأعجبته قراءته، فكان مالك يستزيده من القراءة لإعجابه من قراءته، ولازم مالكاً فقال له: اتق الله فإنه سيكون لك شأن” (النووي، ج1، ص 69). إن قصص الشافعي عن رحلته في طلب العلم يتجلى فيها جلال العلم والعلماء (يونس، 2001م، ص 53) فرغم بلوغ الشافعي مرتبة الإفتاء إذ أذن له شيخه مسلم بن خالد الزنجي بذلك إلا أنه واصل طلب العلم (علي، 2001م، ص 283) على يد مالك بن أنس في المدينة ومحمد بن الحسن في العراق.

إن المتتبع لحياة الشافعي يمكن أن يستنبط جملة عوامل ثقافية لعبت دورا حاسما في تشكيل شخصيته، وتكوين عقليته، وبلورة مستقبله. فيما يلي طائفة من تلك العوامل :

        1)    كانت والدته محبة للعلم وتحث ولدها على طلبه.

        2)    حرص الشافعي على اكتشاف وتنمية طاقاته ومواهبه وعمد إلى كل الوسائل المتاحة لتطوير ثقافته.

        3)    ترعرع الشَّافِعي كعادة العرب في كنف الطَّبيعة فعاش زمنا طويلا في قبيلة هُذَيْل يعب من أدبها ومعارفها.

        4)    عصر الشافِعي هو العصر الذَّهبي للدَّولة العبَّاسية حيث الأمن والاستقرار كما كان الخلفاء يشجِّعون العلماء في شتى الميادين ويحثونهم على المزيد من الإبداع والعطاء.

        5)    وضوح رؤية الشافعي لأهدافه من أسباب تفوقه العِلمي إذ حَدَّدَ الشافعي هدفه منذ الصِّغر وذلك بأن يكون مُتخصِّصاً في الفِقه.

        6)    قام كل من مسلم بن خالد الزّنجي ومالك بن أنس ومحمد بن الحسن ووكيع بن الجراح وغيرهم بإعداد الشافعي إعداداً يليق بعالِم يهدف إلى خدمة الدِّين والمسلمين. لم يكن الزنجي مجرد فقيه بل كان مربيا ومرشدا للشافعي علاوة على كونه معلما وقال الشافعي عن مالك معلمي وعنه أخذت العلم، وقال عن محمد بن الحسن “وإني لأعرف الأستاذية علي لمالك ثم لمحمد بن الحسن (القواسمي، 2003م، 51، 61، 75).

        7)    الرِّحلات العِلْمِية إلى العراق والخبرات السِّياسية في اليمن والدُّروس العِلْمِيَّة في المدينة المنورة ومصر وسَّعت مدارِكه، وَرسَّخت علومَه، وعمَّقت علاقاته مع العلماء ومع طلاب العلم.

        8)    أخذ الشَّافعي عُلوماً متنوعة وجمع بينها واستفاد من منهج المحدِّثين في قبول الرِّوايات (ملك، الكندري، 2006م، ص 186، باختصار). وكان يسير الليالي مسافرا بحثا عن حديث نبوي شريف.

        9)    كانت المناظرات تصقل فكر الشافعي وتوسع مداه. وُصف عصر الشافعي بأنه عصر المناظرات المثمرة (القواسمي، 2003م، ص 33).

      10)  التدريس في مكة والعراق ومصر (The Columbia Encyclopedia, 2009, p. 44183) بلور في ذهنه نظرية تربوية منبثقة من وحي الواقع وأساسيات الدين. قال أحد طلاب الشافعي “ما رأيت مجلساً قط أنبل من مجلس الشافعي كان يحضره أهل الحديث وأهل الفقه وأهل الشعر وكان يأتيه كبار أهل اللغة والشعر فكل يتكلم منه” (النووي، 1996م، ج1، 78). وذكر ياقوت الحموي في معجم الأدباء “كان الشافعي رحمه اللـه يجلس في حلقته إذا صلى الصبح فيجيئه أهل القرآن، فإذا طلعت الشمس قاموا وجاء أهل الحديث فيسألونه تفسيره ومعانيه، فإذا ارتفعت الشمس قاموا فاستوت الحلقة للمذاكرة والنظر، فإذا ارتفع الضحى تفرقوا، وجاء أهل العربية والعروض والنحو والشعر، فلا يزالون إلى قرب انتصاف النهار، ثم ينصرف”.

      11)  الإيمان الراسخ بأن الاجتهاد سبيل الرشاد والإصابة، وأن التقليد الأعمى أساس الفساد والغفلة.

المحور الثاني: أفكار الشافعي في التربية

تقوم العملية التعليمية على عدة دعائم أهمها: المتعلم والمعلم والمنهج ووسيلة التعلم والإشراف الإداري على العملية التعليمية وهذه الدعائم متضامنة هي الأصل في نجاح كل عملية تربوية ومن ثم نجد الشافعي قد تناول الكثير من تلك الدعائم عبر إشارات موجزة ومتفرقة في نتاجه العلمي. فيما يلي شواهد تثبت صحة ما سبق تأصيله.

لعل أول وأهم فائدة يمكن استنباطها من الإمام البحث عن الحقيقة وحب العلم ورفع مكانة العلماء. اعتبر الشافعي طلب العلم طريق السعادة وأعظم عبادة فلولاه لم يعرف الإنسان الحق من الباطل. وفي هذا المساق قَالَ”طَلَبُ العِلْمِ أَفْضَلُ مِنْ صَلاَةِ النَّافلَةِ”. وقال أيضاً: “من أراد الدُّنيا فعليه بالعِلم ومن أراد الآخرة فعليه بالعِلم”. ومن منظور الشافعي “العالم يسأل عما يعلم وعما لا يعلم، فيثبت ما يعلم ويتعلم ما لا يعلم. والجاهل يأنف من التعليم ويأنف من التعلم” (الذهبي، تاريخ الإسلام، ج14، ص 326). وضع الشافعي العلماء في طليعة المجتمع فهم مصابيحه وكان يقول لا ينبغي لأحد أن يسكن بلدة ليس فيها عالم ولا طبيب (التميمي، 2001م، ص 514). ولأن العلم عميق بحره طالب الشافعي بأخذ طرف من المعارف (فخذوا من كل شيء أحسنه) لتنويع الثقافة كما أنه أشار إلى أن التوسع في العلم والتخصص فيه يكشف للإنسان مدى جهله فيتواضع ويزداد تعلما. معظم المأثورات الواردة على لسان الشافعي تصب في باب تمجيد العلم والتربية الحديثة تعتبر القيادة الفكرية القائمة على محبة العلم من أهم ركائز الشخصية. إن محبة العلم (Razik & Swanson, 2000) عماد الحياة المنتجة فإن المعرفة الصحيحة من المفترض أن تقود لتطبيقات سليمة.

وفي إشارة إلى الفروق الفردية، والحض على طلب العلم، والاعتصام بالإخلاص، قال الشافعي “والناس في العلم طبقات، موقعهم من العلم بقدر درجاتهم في العلم به. فحق على طلبة العلم بلوغ غاية جهدهم في الاستكثار من علمه، والصبر على كل عارضٍ دون طلبه، وإخلاص النية لله في استدراك علمه: نصاً واستنباطا، والرغبة إلى الله في العون عليه، فإنه لا يدرك خير إلا بعونه” (الرسالة، ص 2). وفي نفس الكتاب حذر من التقليد فقال “وبالتقليد أغفل من أغفل منهم، والله يغفر لنا ولهم” ( ص6). وفي مجال شروط طلب العِلم قال:

أخي   لن تنال العلم إلا بستةِ
ذكاء وحرص واجتهاد وبُلْغَة

سأنبيك   عن تفصيلها ببيــان
وصحبة أستاذ وطول زمــان

تلك أركان عملية التعليم لا يمكن بحال من الأحوال التخلي عن ركن منها. يرى الشافعي أن الإنسان لا يولد عالما بالتعلم هو الذي ينمي الذكاء ويرتقي بالطبع الإنساني. قال الشافعي “الطَّبع أرض، والعلم بذر ولا يكون العلم إلا بالطَّلب، فإذا كان الطَّبع ماثلاً زَكا ريع العلم وتفرَّعت معانيه” (البغدادي، 1998م). ولأن المعلم من أركان العملية التعليمية فإن الطالب الذي يعتمد كلية على مطالعة الكتب يضل الطريق لقول الشافعي “من تفقه من بطون الكتب ضيع الأحكام”. قال عبدالقادر مايو (2000م) في تعليقه على ديوان الشافعي أن البلغة بلاغة القول وحكمته (ص 136) ولكن الصحيح أن البلغة هنا لا صلة لها بذلك بل المراد امتلاك قوت اليوم والحد الأدنى للعيش. وقد ترد كلمة البلغة في الإطار التعليمي بمعنى الراتب للمعلم أو المتعلم ومن مرادفاتها الجامكية والعلوفة والجُعل، والجعالة، والجراية، والمعيشة، والمعلوم (جمعها المعاليم)، والصِّلة، والرِّزق، والمرتَّب. والحرص والاجتهاد وطول زمان من أركان التعلم وحياة الشافعي ترجمة عملية لشروط طالب العلم.

وفي مجال إعداد المعلم فحسن الخلق حياته، وشعاره، ولا يمكن بلوغ الغاية من غيره من منظور الشافعي. يوجز الشافعي رؤيته في نصيحة نفيسة يمكن اعتبارها من روائع تراثنا التربوي ومن جوامع الكلم العربي. روى البغدادي (1997م) “أدخل الشافعي يوماً إلى بعض حجر هارون الرشيد يستأذن على أمير المؤمنين ومعه سراج الخادم فأقعده عند أبي عبد الصمد مؤدب أولاد الرشيد فقال سراج للشافعي: يا أبا عبد الله هؤلاء أولاد أمير المؤمنين وهذا مؤدبهم فلو أوصيته بهم. فأقبل على أبي عبد الصمد فقال له: ليكن أول ما تبدأ به من إصلاح أولاد أمير المؤمنين إصلاحك نفسك فإن أعينهم معقودة فيك فالحسن عندهم ما تستحسنه والقبيح عندهم ما تركته علمهم كتاب الله ولا تكرهم عليه فيملوا ولا تتركهم فيهجروه ثم روهم من الشعر أعفه ومن الحديث أشرفه ولا تخرجنهم من علم إلى غيره حتى يحكموه فإن ازدحام الكلام في السمع مضلة للسمع” (ج3، ص 404، انظر الأصفهاني حلية الأولياء). وضع الشافعي في كلمات قليلة سر قوة المعلم المتفوق؛ القدوة الحسنة، توجيه المتعلم برفق نحو القرآن الكريم والعلوم النافعة، والتدرج في التعليم، وإيجاز التوجيهات. لقد كان الشافعي يتوخى مؤاخاة الطلبة والرفق بهم والتودد إليهم فكان معروفا بمبالغته في الشفقة على المتعلمين والنصيحة لهم (النووي، ج1، ص 70) وكان يزور طلابه كزيارته لأحمد بن حنبل ومحمد بن الحكم.

أشارت فاطمة محمد علي (1981م) إلى أنّ فلسفة الشافعي في تربية الفرد تقوم على تحقيق التَّكامل من خلال الآتي:

        1)   التَّركيز على العلم وتعليمه مع مراعاة الفروق الفردية.

        2)   الاهتمام باللُّغة العربيَّة.

        3)   الاهتمام بالتَّربية العقلية والخلقية والجسمية.

        4)   مراعاة طبيعة المجتمع وواقعه المعاصر فالشافعي غيَّر بعض اجتهاداته عندما استقرَّ في مصر.

وعلى صعيد التربية الاجتماعية والصالح العام، أولى الشافعي أهمية كبرى للصداقة وهذا دليل على وعي اجتماعي متقدم. طالب الشافعي الصديق بالاعتدال في مخالطة الناس حيث قال إن “الانبساط إلى الناس مجلبة لقرناء السوء والانقباض عنهم مكسبة للعداوة فكن بين المنقبض والمنبسط” وهنا يرسى الشافعي أساس التوسط بين القبض والبسط في التعاملات الإنسانية. وفي أثر الصحبة قال “عاشر كرام الناس تعش كريماً ولا تعاشر اللئام فتنسب إلى اللؤم” (النووي، 1996م، ج1، ص 77). يؤمن الشافعي أن الصداقة ضرورة حياتية:

سَلامٌ   عَلَى الدُّنْيَا إذا لَمْ يَكُنْ بِهَا

صَدِيقٌ   صَدُوقٌ صَادِقُ الْوَعْدِ مُنْصِفَا

إن الحديث عن الصداقة والأصدقاء, وعن العلاقات الاجتماعية يشغل صدرا واسعا من ديوان الشافعي. ولعل مرد ذلك يعود إلى اختلاطه بالكثير من أصناف الناس على اختلاف مشاربهم, وتباين طباعهم, في محاولة استشفاف مداخلهم. وقد ساعده في ذلك دراسته أحوال الرواة, ومدى وثوق العلماء بهم, وذلك من خلال جمعه وتصنيفه الأحاديث النبوية. ولعل بعضا مما نقرؤه في الصداقة والأصدقاء في ديوان الشافعي منتحل عليه, انتحله الرواة  كيما يروج بين الناس لنسبه إلى رجل جليل مثل الشافعي. والذي يجعلنا نشك في صحة نسبه؛ التمادي في انتزاع الثقة من الأخوان والأصحاب والأصدقاء, وسوء الظن بهم, والطعن الصريح بسلامة نياتهم. وهي ظاهرة لها خطورتها باعتبارها صادرة عن رجل لا يقول إلا ما يؤمن به, ويهمه من أمر المعارف والناس والوجوه النيرة والمطالع المشرقة من تلك الشرائح الاجتماعية (صالح , 1983, ص 140-141).

ولأهمية موضوع الصَّداقة فإنَّ الشافعي في شعره خاصَّة ونثره عامَّة فصَّل القول في خصال الصَّديق الصَّالح وقرَّر أنَّ الصَّديق الصَّادق هو الذي يغض الطَّرف عن العثرات، ويحفظ حق صاحبه في الحياة والممات، ويُرافقه ويوافقه في كل أمرٍ يُريده ما لم يكن الأمر من المحرَّمات، كما يقف الصاحب مع رفيقه في الأزمات. ومن صِفته حب العلم وغني النَّفس، وكف الأذى، وكسب الحلال، ولبس التَّقوى، والثِّقة بالله على كل حال، والسَّخاء، والتَّواضع، والأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، والمحافظة على حدود الله تعالى، ولين الجانب، ورحابة الصَّدر، وبشاشة الوجه، وخفض الجناح. ولأنَّ الإنسان خطَّاء فمن كانت حسناته أكثر من سيئاته فهو الصَّاحب المقبول الذي يمكن اختياره.

كان الشافعي يعلم طلابه وأصحابه العلم والتحصيل الدراسي مقرونا بتعليم مهارات الحياة الأخلاقية. قال الشافعي ذات يوم لأحدهم في نصيحة طويلة عن الصداقة جاء في مقدمتها: “إذا بلغك عن صديق لك ما تكرهه فإياك أن تبادر بالعداوة وقطع الولاية، فتكون ممن أزال يقينه بشك، ولكن ألقه وقل له: بلغني عنك كذا وكذا، وأجدر أن تسمى المبلغ، فإن أنكر ذلك فقل له: أنت أصدق وأبر، ولا تزيدن على ذلك شيئاً …” (الأصفهاني، 2009م، ص 1601) وقال “رضا الناس غاية لا تدرك، فانظر ما فيه صلاح نفسك في أمر دينك ودنياك فالزمه”.

شأنه شأن أي عالم مسلم كان للأخلاق نصيبا واضحا في تعاليم الشافعي فالغاية السامية للتربية تهذيب الأخلاق لترسيخ دعائم العدل. قال الشافعي:

إذا   لم يزد علم الفتى قلبه هـــدى
فبشره أنَّ الله أولاه   نقمــــــة

وسيرته   عدلاً وأخلاقـه حُسنــا
يساء بها مثل الذي عبد الوثنــا

في البيتين السابقين وضع الشافعي هدف التربية الإسلامية بإقامة العدل فالذي يقوم بالقسط يعرف حق ربه عليه، ويعمد إلى الأخلاق الحسنة ليتعامل مع البشر. التربية بالعمل الصالح نعمة وبلا عمل نقمة وحجة على صاحبها. التربية النافعة تؤثر على كيان وجنان وأركان الإنسان فتهديه لصالح الأعمال وتجنبه المهالك.

لا يستغني الحصيف عن مراجعة الذات. ولعل فلسفة الشافعي التربوي مرتبطة ارتباطا وثيقا بالبيتين التاليين:

يعيبُ النَّاسُ كلهم الزَّمانا
نَعيبُ زمانَنا والعيبُ   فينا

وما لزمانِنا عيبٌ سوانـا
ولو نطقَ الزمانُ إِذاً   هجانا

خير ما يمكن أن نقدمه للناشئة اليوم هو أن الناجح هو الذي يتوقف تماما عن لوم الآخرين والابتعاد عن لعب دور الضحية والمظلوم (Covey, 2008, p. 23) حتى لا نخسر المستقبل وكي لا نضحي بمصيرنا. إن الخطأ ليس في العصر بل في البشر. إننا في الغالب الأعم لا نُدين أنفسنا ولا نحاسبها بانتظام ولكن نلوم للأسف من حولنا وقد نذمهم بانتظام، ولو كان بصرنا حديدا لأبصرنا تقصيرنا أولا، وسوء تدبيرنا ثانيا. إن البصير هو الذي يحاسب نفسه قبل أن يعاتب غيره فمن أصلح نفسه سهل الله دربه وسدد خطاه. وبناءا على ما سبق، فإن من أهم مفردات تحمل المسئولية محاسبة النفس وفي هذه المرحلة يفكر المرء بشكل مستمر بما يمكن أن يقدم وما الميادين التي يمكن أن يخدم بها وكيف يحقق النجاح. من أهم مبادئ الحياة محاسبة النفس لدفعها نحو المزيد من الانجاز (Connors, R , Smith, T , & Hickman, 2004, p. 13, 64). إن تحمل المسئولية من أهم واجبات وحقوق الإنسان. قال تعالى “إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ” (الرعد: 11). يمتلك كل فرد قدرة وإرادة لتهذيب نفسه على مستوى النفس، والاعتقاد، والفكر، والسلوك ولا تنفع الاستطاعة في تغيير المستويات الثلاثة (المستوى الفكري والنفسي والسلوكي) إذا لم تكن رغبة التغيير صادقة، وطرقها صحيحة. وبالعلم والإرادة والإيمان يمكن بلوغ الغايات.

إن الشواهد السابقة وغيرها أكثر تثبت بأن نثر وشعر الشافعي يتضمن الكثير من المبادئ التربوية (فلمبان، 1988م) النفسية والاجتماعية والدينية والثقافية التي لا زالت ذات قيمة في حياتنا اليومية.

المحور الثالث: وسائل التربية

استخدم الشافعي وسائل تربوية عديدة وعمل على تطبيقاتها, يقول الشافعي لأحد تلاميذه “يا ربيع, لو أمكنني أني أطعمك العلم لأطعمتك”. وروى السبكي (2009م) ” كان الربيع بطئ الفهم فكرر الشافعي عليه مسألة واحدة أربعين مرة فلم يفهم وقام من المجلس حياء فدعاه الشافعي في خلوة وكرر عليه حتى فهم وكانت الرحلة فى كتب الشافعي إليه من الآفاق نحو مائتي رجل وقد كاشفه الشافعي بذلك حيث يقول له فيما روى عنه أنت راوية كتبي”. هكذا كان صبر الشافعي مع طلابه فتحققت مطالبه ونال مبتغاه.

وعلى مستوى طلب العلم، أوجز الشافعي القول في فوائد الرحلة في طلب العلم في بيتين من الشعر فقال عن مكاسب السفر:

تغرَّب عن الأوطان في طلب العلا
تَفَرُّج هم، واكتساب معيشــةٍ

وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
وعلمٌ، وآدابٌ، وصحبة ماجــد

ومن جهة أخرى، وجد الشافعي المناظرة وسيلة عجيبة لتوصيل الأفكار وترسيخها في الأذهان. الغرض من المناظرة عند الشافعي البحث عن الحقيقة لا كسب المواقف، والانتصار للنفس، وإفحام الخصم، واستعراض المواهب. قال الشافعي “وددت إذا ناظرت أحداً أن يظهر الله الحق على يديه” (النووي، 1996م، ج1، 7). ” وقال: المراء في العلم يقسي القلب ويورث الضغائن (النووي، ج1، ص 74). وقال ما ناظرت أحداً قط على الغلبة، وفي رواية: ما ناظرت أحداً قط إلا على النصيحة. ومن آداب المناظرة ما قاله ابن الشافعي: “ما سمعت أبي ناظر أحداً قط فرفع صوته” (النووي، ج1، ص 74). وقال الشافعي: وددت إذا ناظرت أحداً أن يظهر الله الحق على يديه” (النووي، 1996م، ج1، 7). ولأن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية نجد الشافعي في نهاية إحدى المناظرة يذكر بهذه القاعدة الذهبية فيقول “ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسألة”. عرف الشافعي أن المراء والمماحكات الكلامية لا تصل إلى خير بل تقسي القلب، وتضيع الأوقات، وتفوت الفرص الثمينة لهذا نجده يرفض تحويل المناظرة إلى حلبة تصارع فيوصي بحسن الخلق خاصة ساعة المناظرة فيقول:

أُحبُّ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ جُهْدِي * وَأَكْرَهُ أَنْ أَعِيبَ وَأَنْ أُعَابَا

وفي هذا السياق أيضا تتألق توجيهات الشافعي التي قال فيها:

إذَا   مَا كُنْتَ ذَا فَضْلٍ وَعِلْمٍ
فَنَاظِرْ مَنْ تُنَاظِرُ فِي سُكُونٍ
يُفِيدُكَ مَا اسْتَفَادَ بِلاَ امتِنَانٍ
وَإَيَّاكَ اللَّجُوجَ وَمَنْ يُرَائِي

بِمَا   اخْتَلَفَ الأَوَائِلُ وَالأَوَاخِرْ
حَلِيمَاً لاَ تُلِحُّ وَلاَ تُكَابِرْ
مِنَ النُّكَتِ اللَّطِيفَةِ والنَّوادِرْ
بَأَنِّي قَدْ غلبتُ وَمَنْ يُفَاخِرْ

“قيل للشافعي: أخبرنا عن العقل يولد به المرء؟ فقال: لا ولكنه يلقح من مجالسة الرجال ومناظرة الناس”. إن المناقشات الرصينة، والحوارات الهادفة ذات قيمة رفيعة في عصرنا وجميع العصور لأنها توسع الأذهان وترتقي بها، وتدرب الفرد على تلاقح الأفكار، وتكسبه مهارات التحدث والمناقشة تزيد من ذكائه اللغوي. قيل “للشافعي:  من أقدر الناس على المناظرة؟ فقال من عود لسانه الركض في ميدان الألفاظ ولم يتلعثم إذا رمقته العيون بالألحاظ، ولا يكون رخي البال قصير الـهمة فإن مدارك العلم صعبة لا تنال إلا بالجهد والاجتهاد، ولا يستحقر خصمه لصغره فيسامحه في نظره بل يكون على نهج واحد في الاستيفاء والاستقصاء لأن ترك التحرز والاستظهار يؤدي إلى الضعف والانقطاع”. “أحسن الاحتجاج ما أشرقت معانيه، وأحكمت مبانيه، وابتهجت قلوب له سامعيه” (البغدادي، 1998م).

وللشافعي نصيب وافر في فنون الوعظ والنصح فلقد وظف بيانه الساحر في ترقيق القلوب ونشر الفضيلة. ومن مواعظه “وكن في الدنيا زاهداً وفي الآخرة راغباً واصدق الله تعالى في جميع أمورك تنج غداً مع الناجين. وقال: من كان فيه ثلاث خصال فقد أكمل الإيمان: من أمر بالمعروف وائتمر به ونهى عن المنكر وانتهى عنه وحافظ على حدود الله تعالى…”. “وقال له رجل أوصني فقال: إن الله تعالى خلقك حراً فكن حراً  كما خلقك. وقال: من سمع بأذنه صار حاكياً، ومن أصغى بقلبه كان واعياً، ومن وعظ بفعله كان هادياً” (النووي، 1996م، ص 77). هذه المواعظ وغيرها تتضمن معاني غاية في الروعة كقوله إن الله تعالى خلقك حراً فكن حراً  كما خلقك فلا ريب أن هذه المعاني تزرع العزة في نفس المتعلم فلا يذل نفسه لأحد سوى الله ويجاهد من أجل حريته الصحيحة وحرية بلده وأمته. كانت مواعظ الشافعي تتدفق حتى عندما كان في مرض موته ودون طلابه معظم تلك المواعظ (الذهبي، تاريخ الإسلام، ج14، ص 318). “وليس كل ما يعرف يقال في الملأ لهذا قال الإمام: من وعظ أخاه سراً فقد نصحه وزانه، ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه (النووي، 1996م، ص 76).

وفي ظل السياق السابق، استخدم الشافعي القصة أيضا ورغم قلة قصص الشافعي إلا أنها ذات قيمة عالية لا سيما تلك الروائع التي رواها عن طلبه العلم فإن قصص الشافعي عن طلبه للعلم في طفولته وشبابه من القصص التعليمية الجيدة في الأدب العربي. وقص كذلك محنته وأزمته السياسية في اليمن من جهة، وما حصل له في رحلاته من مواقف طريفة من جهة أخرى. ومن ذلك قوله “كنا في سفر في أرض اليمن، فوضعنا سفرتنا لنتعشى، وحضرت صلاة المغرب، فقمنا نصلي ثم نتعشى، فتركنا السفرة كما هي، وقمنا إلى الصلاة، وكان فيها دجاجتان، فجاء الثعلب فأخذ إحدى الدجاجتين فلما قضينا الصلاة، أسفنا عليها، وقلنا حرمنا طعامنا فبينما نحن كذلك، إذ جاء الثعلب وفي فمه شيء كأنه الدجاجة فوضعه، فبادرنا إليه لنأخذه ونحن نحسبه الدجاجة قد ردها، فلما قمنا جاء إلى الأخرى وأخذها من السفرة وأصبنا الذي قمنا إليه لنأخذه فإذا هو ليف قد هيأه مثل الدجاجة” (الدميري، 2009م، ص 170).

وفي نطاق العقاب البدني كوسيلة تربوية فإن الشافعي يرى أنه يمكن تأديب الأطفال من غير الضَّرْبِ. يعتقد كثير من الخبراء أن العقاب البدني كاختيار أخير غالبا لا يحل المشكلات بل يعقدها فلا يتحسن السلوك (ملك، 2009م، ص 24، أبوشوشة، 2009م، ص 217). قال الإمام الشافعي في كتابه الأم وهو يتحدث عن الحياة الزوجية “وَلَوْ تَرَكَ الضَّرْبَ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَنْ يَضْرِبَ خِيَارُكُمْ }” (ص 1525). وقال “الاختيار ترك الضرب” (ص 2366). إن أساليب التهديد والوعيد والعقاب والضرب ثبت بطلانها في الغالب بل إن أساليب العقاب البدني عموما ما تضر بنفسية الطفل وتأتي بآثار عكسية (Ravi, 2009, p. 84), وتسبب المزيد من الإمعان في عناد الطفل وتعنته وسوء سلوكه (عماشة, 2009م, ص 88).

قال الشافعي في كتابه الأم “فإذا بلغ الغلام الحلم والجارية المحيض غير مغلوبين على عقولهما أوجبت عليهما الصلاة والفرائض كلها وإن كانا ابني أقل من خمس عشرة سنة وجبت عليهما الصلاة وأمر كل واحد منهما بالصلاة إذا عقلها فإذا لم يعقلا لم يكونا كمن تركها بعد البلوغ وأدبهما على تركها أدبا خفيفا” (ص 48). والشافعي يفضل الابتعاد عن العقاب البدني لقوله في كتابه الأم “ومعلم الكتاب والآدميين مخالف لراعي البهائم وصناع الأعمال لأن الآدميين يؤدبون بالكلام فيتعلمون وليس هكذا مؤدب البهائم، فإذا ضرب أحداً من الآدميين لاستصلاح المضروب أو غير استصلاحه فتلف كانت فيه دية على عاقلته والكفارة في ماله والتعزير ليس بحد يجب بكل حال” (ص 2305، ص 1559) وهكذا ضيَّق الشافعي من مجال العقاب البدني فالمعلم ضامن لسلامة المتعلم ومسئول عن عواقب العقاب البدني.

المحور الرابع: ما السمات التعليمية لكتابات الشافعي

أورد القرطبي في تفسيره أن “القلم نعمة من الله تعالى عظيمة، لولا ذلك لم يقم دِين، ولم يصلُح عيش”. والحق أن الكتابة من أهم وسائل الحضارة والتربية والتعليم. إنَّ المنهج الذي سار عليه سلفنا وبه أوجدوا تُراثنا ينبع من فلسفة تؤمن بأنَّ العلم يُنْسِي بعضه البعض وأنَّ الكتابة قيد للعلم الذي صَوَّروه بأنه يشبه الصَّيد وعلى طالب العلم أن يُقيد صيوده بالحبال الواثقة وهي الكتابة الواعية. ورد في الحديث النبوي الشريف”قَيَّدُوا الْعِلْمَ بِالْكتَاب” (انظر، نصرالله، 2008م، ص 244). قال الشافعي بعد أن التقط واستلهم روح الحديث النبوي السابق:

At the time of consultation you should inform your doctor about any medication you are taking for hair loss or other acute or chronic diseases.If any intolerable symptoms are devensec.com purchase levitra online notices, such as bone pain, joint ache or muscle pain it is wise to speak to your physician about whether you are physically fit to conceive and deliver an infant.

العلم صيد والكتابة قيــده
فمن الحماقة أن تصيد غـزالة

قيد   صيودك بالحبال الواثقة
وتتركها بين الخلائق طالقة

ليس القصد من تقييد العلم تسويد الورق وإجهاد النفس بلا جدوى، بل اقتناص الفرص بغرض الاستفادة. كان الشافعي في صباه يجالس العلماء ويكتب ما يستفيده (النووي، 1996م، ج1، ص 68) لهذا آمن بأن الكتابة وسيلة من وسائل التعليم وأسس مذهبه وفقا لذلك وحض طلابه على الكتابة كسلوك حضاري. ولقد اختط الشافعي لنفسه خطا تعليما في التأليف حيث وضع على عاتقه تبسيط كتابته دون تسطيح للمعاني. قال الربيع سمعت “لو رأيت الشافعي وحسن بيانه وفصاحته، لعجبت، ولو أنه ألف هذه الكتب على عربيته التي كان يتكلم بها معنا في المناظرة، لم نقدر على قراءة كتبه لفصاحته، وغرائب ألفاظه، غير أنه كان في تأليفه يوضح للعوام” (الذهبي، تاريخ الإسلام، ج14، ص 318، الطويل، 2001م، ص 26).

يقول أحد طلاب الشافعي “خرج علينا الشافعي ذات يوم ونحن مجتمعون فقال لنا: “اعلموا رحمكم الله أن هذا العلم يند كما تند الإبل فاجعلوا الكتب له حماة والأقلام عليه رعاة” (تقييد العلم، للخطيب البغدادي، ص 114). فالكتابة حقا وصدقا قيد أمين للفكر الثمين بل طريقة للتقرب لله سبحانه، وخير طريقة لتنظيم الأفكار وتحليلها. قال أحد علماء الشافعية ” يَنْبَغِي أَنْ تُتَّخَذَ كِتَابَةُ الْعِلْمِ عِبَادَةٌ سَوَاءٌ تَوَقَّعَ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا فَائِدَةٌ أَمْ لا وَأَنَا بِمَا أَكْتُبهُ بِهَذَا الْقَصْدِ” (فتاوى السبكي، باب عقد الذمة، كِتَابَةُ الْعِلْمِ).

إن الوقوف على كتابَي “الرسالة” و”الأم” وسائر المأثورات عن الشافعي يهم المشتغلين بالـتأليف لأنها تشمل على خطوط للمنهج العلمي الذي وضعه الشافعي في طلب العلم والحصول على الثقافة والمعرفة, للقارئ العادي أو الدارس المتخصص, وبذلك شق طريقا يقوم على أسس علمية منهجية في طريقة البحث الموضوعي ومناهجه؛ وبذلك سبق علماء الغرب وباحثيهم في وضع أصول البحث, كما سبق علماء النفس التربويين في تنظير وتقنين وتقعيد أساليب المناهج التربوية والنفسية الحديثة من وجهة نظر بعض الباحثين (صالح , 1983, ص 129).

ومن فنون الكتابة التي رسخ الشافعي قواعدها ويجب أن لا تعزب عن ذهن المعلم قاعدته في الإيجاز والاختصار في الحديث والكتابة. سئل الشافعي ما البلاغة؟ ” قال: البلاغة أن تبلغ إلى دقيق المعاني بجليل القول، قال: فما الأطناب؟ قال البسط ليسير المعاني في فنون الخطاب، قال: فأيما عندك أحسن الإيجاز أم الإسهاب؟ قال لكل من المعنيين منزلة، فمنزلة الإيجاز عند التفهم، ومنزلة الإسهاب عند الموعظة، ألا ترى القرآن الكريم إذا احتج في كتابه كيف يوجز، وإذا وعظ كيف يطنب وإذا جاءت الموعظة جاء بأخبار الأولين، وضرب الأمثال بالسلف الماضين” (البغدادي، 1998م، ص بتصرف).

“استوعب فقه الشافعي كل مجالات علاقة الإنسان بخالقه، وعلاقة الإنسان بغيره من الكائنات” (الدسوقي، 2001م، 445). تطرقت كتب الشافعي لموضوعات دينية وأحوال شخصية ومجتمعية مهمة فكتب عن العلم وباب الخبر الواحد وباب الإجماع وباب الاجتهاد وباب الاستحسان وباب الاختلاف، والطهارة, والصلاة, وكتاب الصيد, وكتاب النذر, والبيوع, وكتاب الفرائض, وكتاب الجزية, وباب الأقضية. وحينما يقرع سمع الإنسان اسم كتاب الأم للشافعي تتوارد وتتواتر الخواطر في النفس من عظمة هذا الاسم فالأم أصل, والأم مجموع والأم أساس والأم فوق ذلك رحمة وحكمة. تلك الموضوعات التي كتب لها الخلود والتي يقوم عليها ميزان الوجود طرحها الإمام الشافعي بأسلوب تربوي يصلح أن يكون قبسا ونبراسا لكل معلم وكاتب ومفكر وكل من يريد أن يقرب أطروحاته للناس. وفي هذه الكلمات آفاق جديدة لقراءة كتب الشافعي من الزاوية التربوية وللاستفادة منها عمليا. لا ريب أن الفارق الزمني قد يسبب بعض الغموض لعامة الناس في فهم كتب الماضي إلا أن خصوصية وخصوبة لغتنا العربية من عوامل التغلب على تلك العقبة. فيما يلي طائفة من الآليات التربوية في التأليف التي يمكن استنباطها من كتابات الشافعي.

أسلوب المثال

المثال يقرب البعيد ويسهل الصعب ولقد استخدم الشافعي في مؤلفاته ومصنفاته هذا اللون فهو يضرب الأمثلة  لكثير من القواعد التي يعرضها للشرح ويذكرها للتوضيح يقول الشافعي في كتابة الرسالة “فجِمَاع ما أبان الله لخلقه في كتابه، مما تَعَبَّدَهم به، لما مضى من حكمه جل ثناؤه: من وجوه فمنها ما أبانه لخلقه نصاً. مثلُ جمل فرائضه، في أن عليهم صلاةً وزكاةً وحجاً وصوماً وأنه حرَّم الفواحش، ما ظهر منها، وما بطن، ونص الزنا والخمر، وأكل الميتة والدم، ولحم الخنزير، وبيَّن لهم كيف فَرْضُ الوضوء، مع غير ذلك مما بين نصاً”. وهكذا كان الشافعي يبسط العلم لطلابه وقرائه على حد سواء فيضرب الأمثلة ويطنب فيها لتقريب الفكرة وشرحها وكان يطرح الحقائق ثم يضرب الأمثلة فيقول في كتابة الأم “وسأمثل لك من قول كل فرقة عرفتها مثالاً يدل على ما وراءه إن شاء الله تعالى”. وعندما يتكلم الشافعي عن صيغ البيوع وكتابتها يذكر أمثلة فرضية توضيحية لكيفية صياغة العقود التجارية. والمعلم الناجح هو الذي يقرب الحقائق بأمثلة حية. يقول الشافعي في كتابه الأم “وهكذا يكتب شراء الأمة، وسواء صغير العبيد وإمائهم، وكبيرهم، وسبيهم، ومولدهم، يوصف كل واحد منهم بجنسه وحليته ويقال مولد إن كان مولداً، وهكذا في شراء الحيوان كله: الإبل، والبقر، والغنم، والخيل … من الخيل التي تعرف ببني فلان من نتاج بلدة كذا” (باختصار). “وإذا تناقد الخصمان بينتهما وحجتهما عند القاضي، ثم مات، أو عزل، أو ولي غيره، لم يحكم حتى يعيدا عليه حجتهما وبينتهما، ثم يحكم” (الأم، ص 1595). وإن كان اشترى منه بعيراً كتب: “اشترى منه بعيراً من النعم التي تعرف ببني فلان، أصهب جسيماً بازلاً، عليه علم بني فلان موضع كذا…”. وكتب عن الامتناع من اليمين وكيف اليمين وتعرض فيها لصيغ القسم وأورد الشافعي صورا وأمثلة لكل نوع. وحينما يتطرق إلى موضوع الخاص والعام يمثل بإفاضة وتوسع المراد بكل منهما. وفي كتابه الرسالة يتكلم عن الحكم بالقرآن والسنة وبين الاتفاق المبني على الاستنباط أو القياس فيقول: “ونحكم بالإجماع ثم القياس، وهو أضعف من هذا، ولكنها منزلة ضرورةٍ، لأنه لا يحل القياس والخبر موجود، كما يكون التيمم طهارةً في السفر عند الإعواز من الماء ، ولا يكون طهارةً إذا وجد الماء ، إنما يكون طهارةً في الإعواز، وكذلك يكون ما بعد السنة حجة إذا أعوز من السنة”.

استخدم الشافعي المثال لتقريب المعاني في كثير مما كتب حيث يطرح الحقائق في قالب مسائل. ومن قبيل تصوير الحقائق بالمسائل عند الشافعي من كتابه الأم “وإذا كان الرجل مسافرا وكان معه ماء فظن أن النجاسة خالطته فتنجس ولم يستيقن فالماء على الطهارة وله أن يتوضأ به ويشربه حتى يستيقن”. وقوله “ولو اضطر رجل فخاف الموت, ثم مر بطعام الرجل لم أر بأسا أن يأكل منه ما يرد جوعه ويغرم له ثمنه”. “إذا اشترى الرجل أصنافا من الثمار قبل أن يبدو صلاحها فالبيع فاسد”. “وإذا كسر الرجل صلب الرجل فمنعه أن يمشي بحال فعليه الدية”. من المعلوم أن مدرسة الفقه الحنفي في العراق كانت تتوسع في الأمثلة والفرضيات إلى أبعد الحدود ولعل الشافعي أخذ بقبس من ذلك .

الأدلة والبراهين

ومن الأساليب التي يغفل عنها الكثير من المربين والكتاب والباحثين أسلوب عرض الحقائق المقرونة بالأدلة الموثقة بالأسانيد. أمتنا أمة دقة الأسانيد وأمانة المتون. كلام بلا سند كبيت بلا عمد. إن الكلام العلمي والأسلوب المنهجي الذي ينبني على قوة الإقناع يجب أن يكون مُسندا موثقا كي يحمل النفس على اليقين والتسليم والشافعي في كل ما نقل يعتمد على ما صح خبره لديه وعندما يتحدث كذلك يذكر الحديث والقول بأسانيد وبراهين تثبت صحة النقل فيعطي القارئ والسامع الثقة والارتياح لما يأخذ ويتعلم. وكان من ثمار هذا المنهج الرائد كتابه مسند الشافعي الذي جمعه البيهقي ولولا الأسانيد التي حرص على تسجيلها وتتبعها الإمام في كتبه لم يمكن توثيق تلك الأحاديث. قال النووي (1996م) وهو يمدح منهج الشافعي “بالأحاديث الصحيحة وإعراضه عن الأخبار الواهية والضعيفة، ولا أعلم أحداً من الفقهاء اعتنى في الاحتجاج بالتمييز بين الصحيح والضعيف كاعتنائه ولا قريباً منه” (ج1، ص 72). وقال الشافعي: إذا صح الحديث فهو مذهبي. وقال: إذا صح الحديث فاضربوا بقولي الحائط” (الذهبي، تاريخ الإسلام، ج14، ص 322).

وصحة الأسانيد درجات لقول الشافعي “ولا يسع شاهداً أن يشهده إلا بما علم والعلم من ثلاثة وجوه: منها ما عاينه الشاهد فيشهد بالمعاينة، ومنها ما سمعه فيشهد ما أثبت سمعاً من المشهود عليه، ومنها ما تظاهرت به الأخبار مما لا يمكن في أكثره العيان وتثبت معرفته في القلوب” (الأم، ص 1758). يقول في كتابه الرساله “ولا يمتنع من الاستماع ممن خالفه، لأنه قد ينبه بالاستماع لترك الغفلة، ويزداد به تثبيتاً فيما اعتقد من الصواب. وعليه في ذلك بلوغ غاية جهده، والإنصاف من نفسه، حتى يعرف من أين قال ما يقول، وترك ما يترك” (ص 62-63) .

لم يكن الشافعي يبالي أين ظهر الحق أو من القائل به المهم أن يسعى إليه وينصاع له طالما أنه ارتبط بالدليل. الدليل الصحيح قرين الصدق. قال الشافعي: مَثلُ الذي يطلب العلم بلا حجة كمثل حاطِبِ ليلٍ، يَحْمِلُ حُزْمَةَ حطب وفيه أفعى تلدغه وهو لا يدري” (الشنقيطي، 1996م، ج7، 154). إن تنمية التفكير الناقد من أهداف التربية منذ سقراط إلى جون ديوي وهنري جيرو وإيفان إيليش فإن التربية الجيدة هي التي تنمي التفكير العقلاني الناقد بهدف توجيه السلوك وتنميته. التفكير الناقد قدرة على التحليل والتقويم والاعتماد على المصادر الصحيحة (العياصرة، 2010م، ص 614) والخروج باستنتاجات جيدة فلا يملك الباحث ناصية الصواب بل يبذل الأسباب الموضوعية للوصول إلى بعض النتائج.

شرح المفردات

ومن الأساليب الملفتة لنظر قارئ كتب الشافعي الاهتمام بتعريف وشرح الكلمات التي قد ترد في المبحث والتي قد ينبني على فهمها موضوع الدرس. تحديد المصطلحات له أثر كبير في وضوح الأبحاث، وتوصيل الأفكار على نحو دقيق. المصطلحات هي كلمات مهمة في سياق البحث لها معان محددة عند مجموعة من المختصين في علم من العلوم أو مجال من المجالات. قال فولتير إذا كنت ترغب في المعرفة، عرِّف ما تقول وحدِّد قولك (ديورانت، 2004م، ص 58) ولقد ألف الجرجاني كتابا فقط للتعريفات.

ولقد اعتمد أصحاب الموسوعات الفقهية حديثا هذا المنهج في التأليف والتوضيح كما نجد في بعض الدراسات العلمية الحديثة التي تعني بشرح المصطلحات والكلمات الرئيسة ذات الصلة بموضوع البحث. حاول الشافعي تعريف الغامض في خطابه فنجده مثلا يقول “قلت: فما القياس? أهو الاجتهاد أم هو مفترقان? قلت: هما اسمان لمعنى واحدٍ” (الرسالة، ص 58). وفيما يلي بعض الكلمات والتعريفات التي كان الشافعي يحرص على تعريفها بوضوح قبل الولوج في مبحثه “والظهار أن يقول الرجل لامرأته: أنت علي كظهر أمي” (الأم). ثم يوضح هذا المفهوم بعد تعريفة النظري ويقول “فإذا قال لها: أنت مني كظهر أمي، أو أنت معي، أو ما أشبه هذا كظهر أمي، فهو ظهار” (الأم). وقبل أن يتكلم في مبحثه عن حكم إجابة الدعوة للولائم قام بتعريف الوليمة وتحديد هذا المصطلح “والوليمة التي تعرف وليمة العرس، وكل دعوة كانت على إملاك، أو نفاس، أو ختان، أو حادث سرور، دعي إليها رجل فاسم الوليمة يقع عليها” (الأم). وفي بداية باب نكاح الشغار يذكر نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الشغار ثم يقول “والشغار أن يزوج الرجل ابنته الرجل على أن يزوجه الرجل الآخر ابنته وليس بينهما صداق” (الأم, ج 5 ص 174). وعندما يتكلم عن البحيرة والوصيلة والسائبة والحام يقوم بتعريف كل كلمة. ويقول الحصور “الذي لا يأتي النساء” (الأم). (والعكوف في المساجد: صبر الأنفس وحبسها على عبادة الله تعالى وطاعته) وكان الشافعي أحيانا يربط التعريف بشاهد لغوي من الشعر العربي.

ويشرح قوله {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ …}(البقرة:150). والشطر كما يقول الشافعي “شطر الشيء قصد عين الشيء: إذا كان معايناً فبالصواب، وإذا كان مغيباً فبالاجتهاد”. وخرج بهذا التعريف بعد أن استعرض بعض الأبيات كقول خفاق بن ندبة:

ألا   من مبلغٌ عـمـراً رسـولاً

وما تغني الرسالة شطر عمرو

ومن المآخذ التي تأخذ على كتاب الرسالة عدم تعريفه المصطلحات الأصولية إلا ما ندر منها (قلعه جي، 2001م، ص 222).

التعليق الموجز

والملاحظ كذلك من كتب الشافعي الترغيب والتعقيب إذ أنه حينما يفرغ من شرح الحقيقة يعلق ويقدم رأيه الشخصي وميله النفسي وفهمه التربوي, يقول الشافعي:”ومن أوصى له الميت من قرابةٍ وغيرهم: جازت الوصية، إذا لم يكن وارثاً. وأحب إلي لو أوصى لقرابته” (الرسالة). والمعلم الناجح هو الذي يقتنص الفرص في توجيه الطلاب بما يفيد, ويظهر رأيه فيما يقدم ويشرح من حقائق فيتعلم المتعلم كيف يكون رأيه الشخصي تجاه القضايا والأمور التي يتعامل معها بالدرس, فعلى المعلم أن يرغب إلى أبواب الخير ولا يكتفي بالواجبات فحسب بل يشوق تلاميذه إلى المستحبات. قال الشافعي “وأنا أحب كل ما حكيت في هذه الليالي من غير أن يكون فرضا”، وذلك في معرض حديثه عن قيام الليل. وعن السواك يقول “وأستحب السواك عند كل حال يتغير فيه الفم” (الأم). ويقول “ونحن نحب لمن أصاب الحد أن يستتر، وأن يتقي الله عز وجل، ولا يعود لمعصية الله، فإن الله عز وجل يقبل التوبة عن عباده” (الأم). وفي العقوبة يفضل الشافعي اللجوء إلى طرق عقابية بعيدة عن الضرب ويوضح رأيه بصراحة.

أسلوب الأسئلة والمحاورة

السؤال من أبسط وأسلس الطرق لفتح الدرس وجذب الطلاب وتجديد النشاط وإثراء التعليم بل السؤال يكاد يكون شطر العلم. كان الشافعي يحرص على فتح باب الأسئلة والنقاش ولذلك نجد في كتب الكثير مما سئل عنه حتى أن ذلك كان طابع درسه اليومي “وعند الانتهاء من كل محاضرة كان يفسح المجال لطرح الأسئلة والنقاش حول الموضوع”. إن محاضرات الشافعي محاضرات راقية يسعى إليها معشر المعلمين والمتعلمين في القرن الواحد والعشرين وفي كل عصر حيث يتفاعل المعلم مع المتعلم ويبرز المعلم بقدراته ويتألق المتعلم بمواهبه. اعتبر الشافعي الأسئلة مدخلا للمحاورة والإثراء والمناقشة. وفي كتاب الأم يقول الربيع بن سليمان “هل يحج أحد عن أحد? قال: نعم”. “سألت الشافعي عن الطيب قبل الإحرام فقال جائز وأحبه ولا أكرهه”.

لقد فتح الشافعي درسه ومجلسه لكل طالب علم صغيرا كان أ كبيرا قال المزني “كنا يوما عند الشافعي إذ جاء شيخ فقال له, اسأل, قال الشافعي سل. قال: أيش الحجة في الدين الله؟ فقال الشافعي: كتاب الله. قال. وماذا؟ ودار الحوار بين الطرفين بحثا عن الجواب المقنع.

قال الإمام “من لم يسأل: من أين ؟ فهو كحاطب ليل، يحمل على ظهره حزمة حطب، فلعل فيها أفعى تلدغه. وكان الشافعي يتيح الفرصة لطلابه أحيانا كي ينوبوا عنه في الإجابة عن الأسئلة التي توجه إليه كنوع من التَّدريب لهم وهو أمر مهم في إعداد المعلمين كما أنَّه كان يكلَّف بعض طلابه النَّابغين بإلقاء المحاضرة أثناء وجوده (علي، 1981م، ص 276) .

ومن ذلك فالشافعي اعتمد فيما كتب على أسلوب المحاورة والنقاش حتى يوصل المعلومة كما استخدم السؤال في بداية بعض الأبواب لإثارة اهتمام القارئ. وفي كتاب الرسالة باب العلم يقول الشافعي “فقال لي قائلٌ: ما العلم? وما يجب على الناس في العلم ? فقلت له: العلم علمان: علم عامةٍ لا يسع بالغاً غير مغلوب على عقله جهله . قال: ومثل ماذا?  قلت: مثل الصلوات الخمس…” . وهكذا كتب الشافعي فصولا طويلة ومسائل كثيرة على هذا المنوال (سؤال وجواب) ومحاورات جاذبة. ولكي يستخرج المتعلم والقارئ الإجابة بنفسه.

         لقد انتهج الشافعي أسلوب الحوار في كتابة كتابه الرسالة وكان موفقا في ذلك أيما توفيق ولقد آثر هذا الأسلوب على غيره من الأساليب “لأن هذا الأسلوب هو أقدر الأساليب الكتابية على إيصال المعلومات الدقيقة إلى القارئ إذ حيث يكون غموض الفكرة يرد السؤال عن الجانب المراد إيضاحه منها (قلعه جي، 2001م، ص 219).

ذكر مواطن الخلاف

والشافعي في كل ما كتب أيضا يعرض الآراء المخالفة له أو الموافقة ويطرح في كل مسألة أوضاع ومواقف العلماء تجاهها, فلا يقتصر في تعليمه على توصيل رأيه ولا يحجب الآراء الأخرى ولكنه يطرح كل الآراء المبسوطة على الساحة العلمية, وبذلك يتخرج الطالب وهو صاحب ذهن متفتح وأفق واسع وملم بالآراء المخالفة والمصاحبة وأدلته لكل منهج. ويتربى الطالب على الموازنة والمقارنة بين الآراء كما يصبح على اتصال وثيق ومعرفة تامة بالمدارس الفكرية المختلفة. فإذا اتفق العلماء في مسألة يقول الشافعي “ولم ألق أحدا من أهل الفقه والنظر يخالف في أن هذا معناه…”. ونجده يعرض رأي أبو حنيفة في المسألة ورأي الإمام مالك ورأي محمد بن الحسن فلا عجب أن تراه يذكر حجة كل قول. يقول البيهقي في أحد المسائل عن الإمام الشافعي “ثم ذكر الشافعي حجة القولين واختار الأول واستدل عليه بأن…”. وتراه يقول في هذه الآية أكثر من معنى أو أن هذه المسألة فيها خلاف بين العلماء أو أن الخلاف متساو كل متكافئ من حيث أدلته. ولم يكن الموضوع كذلك يوضح ويصرح بأن أهل العلم لم يختلفوا في هذا الباب كقوله في كتاب الرسالة “لم أعلم مخالفاً من أهل العلم في إجازة أن يشتري بالدنانير والدراهم الطعام المكيل والموزون إلى أجلٍ”. “وأهل العلم مجمعون على أن تغرم العاقلة الثلث وأكثر، وإجماعهم دليلٌ على أنهم قد قاسوا بعض ما هو أقل من الدية بالدية !”.

تشتد الحاجة إلى ذهنية التسامح الفكري لأن الوصاية الفكرية تقتصر على رأي واحد وتقلص مساحات الحوار ونحن في عالم متنوع والتنوع لا يعني الفوضى الفكرية بل إعطاء أهل الاختصاص نصيبهم من التعبير في الرأي وعدم التعامل معهم وفق نظام الإقصاء أو العداء. لولا تنوع الآراء لما أصبح الفقه الإسلامي من أعظم مصادر القانون الإنساني.

الصيغ البصرية

كان الشافعي في أثناء الشرح يلقي كلمات التنبيه فالمستمع والقارئ لا شك أنه قد يسهو ويغفل أثناء التعلم والمعلم يعلم النقاط الهامة والمواضيع الجوهرية في موضوع درسه فيلفت نظر المتعلم إليه بشيء يوقظه وينبهه. وحينما نقرأ كتب الشافعي نجد هذه اللافتات وهذه العبارات ترافقنا باستمرار كقوله “ألا ترى أن…” أرأيت لو قال قائل” “أولا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال”. ومن شأن هذا الأسلوب أن يدفع الإنسان إلى تخيل وتصور المسألة بعدما كانت تجريدية عقلية إلى حين كما أن ذلك يذكر المعلم والمتعلم باستمرار عملية التعلم والاتصال بينهما. وهو أسلوب نبوي أرشد إليه معلم البشرية عليه أفضل السلام كقوله “أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسًا”.

التعميمات

المعلم الناجح هو الذي يستطيع أن يجمع كل جزئيات درسه أو معظمها ثم يصيغها بتعميم عام شامل لموضوع درسه فعندما يخرج المعلم من جزئيات الدرس إلى حقيقة كلية يسهل على الطالب الفهم بعدما تجمعت خطوط وخيوط الموضوعات في يده. والمعلم المتمكن فقط هو الذي يستطيع أن يوظف هذه الطريقة التربوية الرائعة في درسه. وحينما نقرأ كتب الشافعي نجد مثل تلك التعميمات الدالة على إيمان هذا الرجل بهذه الوسيلة الفعالة. قال الشافعي “فكل ما كان فيه صيد في بئر كان أو في ماء مستنقع أو عين وعذب ومالح فهو بحر”. وفي الرسالة “كل ما أقام الله به الحجة في كتابه أو على لسان نبيه منصوصاً بيناً: لم يحل الاختلاف فيه لمن علمه”. “كل ما يحدث الرجل به فلها عنه ولم يستمع إليه السمود”. “كل قاتل عمد عفي عنه وأخذت منه الدية فعليه كفارة”. كل ما لم يكن فيه حكم فاختلاف اللفظ لا يحيل معناه”. “كل ما لزمه اسم الخيل من العراب والمقاريف والبرازين فأكلها حلال”. فهذه قوانين كلية أحوج ما يكون إليها الطالب في نهاية درسه كخلاصة ونهاية لموضوع الدرس, حيث تتراكم المعلومات وتتسع الموضوعات فيجد الطالب قانونا ضابطا يوحد وينظم مجموع المعارف.

حسن ترتيب الأفكار

         وضع الشافعي أصول مذهبه بوضوح واقتضاب ثم لاحقا فصل فيها وأصل قواعدها. قال الشافعي في الأموالعلم طبقات شتى: الأولى الكتاب والسنة إذا ثبتت السنة. ثم الثانية الإجماع فيما ليس فيه كتاب ولا سنة. والثالثة أن يقول بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولا نعلم له مخالفاً منهم. والرابعة اختلاف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك. الخامسة: القياس على بعض الطبقات ولا يصار إلى شيء غير الكتاب والسنة وهما موجودان، وإنما يؤخذ العلم من أعلى” (ص 1965). وهكذا وضح منهجه في استنباط الأحكام وفق خطة انتهجها لنفسه ودونها واشتق منها المسائل ففتح بهذا السبق بابا عظيما لغيره مما يشهد له بغزارة الفكر، وقوة الاستنباط، ودقة الكتابة، وسعة الأفق. وفي مجال شروط طلب العِلم قال:  أخي لن تنال العلم إلا بستة … وقال عن مكاسب السفر: وسافر ففي الأسفار خمس فوائد …وهكذا يستوعب المتعلم النقاط الواردة في أصل الفكرة بشكل منظم لا لبس فيه ولا غموض وكلما وضحت المحاور ، سهل التفهيم واستقام التعليم.

المحور الخامس: التوظيف التربوي لفكر الشافعي

الفقه التربوي عند الإمام الشافعي له أصولة الثابتة ومنهجه القويم وقد سبق إليه الشافعي بعد ممارسات عملية استغرقت جل حياته ، وشغلت كل تفكيره ومن ثم فحياة هذا الرجل مادة علمية خصبة يمكن الاستفادة منها في دراسة الفكر التربوي الإسلامي ذلك أن الشافعي منح من المؤهلات العلمية والاستعدادات الذكية ما جعله من أقرب العلماء إلى روح هذا الدين العظيم ومعرفة مقاصده السامية. عالج الشافعي في آرائه التربوية الإنسان من جوانبه المادية والروحية وذلك يبين مدى ما في آرائه التربوية من شمول. والمطلع على كثير من آراء الشافعي يرى أنها تعتبر في هذا العصر من معطيات العلم الحديث، سواء في المجال التربوي أو النفسي أو الاجتماعي وتلك ميزة الفكر الأصيل كلما تقادم به الزمان ازداد جدة ونصاعة (ملك، أبوطالب، 1989، ص 378).

التربية سنة الحياة والتغيير كذلك ولكن يتعين أن نتعلم بالرفق ونطور بحكمة ولعل جيل الدعاة وكل مهتم بالناشئة في أمس الحاجة لذلك. روى البيهقي في مناقب الشافعي عن ابنه محمد أنه قال رآني أبي وأنا أعجل في بعض الأمر فقال يا بني رفقا رفقا فإن العجلة تنقص الأعمال وبالرفق تدرك الآمال ثم ساق الشافعي سنده إلى أبي هريرة رفعه: إن الله رفيق يحب الرفق ويعطى عليه ما لا يعطى على العنف”. هكذا نقدم للمجتمع فنون التعليم والتأثير والتنوير بعيدا عن الشدة والتطرف والتنطع وبهذا المنهج الناصع صار الأئمة الأعلام منارات الإسلام.

يمكن لكليات التربية أن تجعل دراسة العلاقة بين العالم والمتعلم وآداب كل منهما جزءا أصيلا من برنامجها لإعداد الطلاب لمهنة التدريس مستعينة في ذلك بما ذكره فقهاء المذهب الشافعي. توعية المعلمين بأهمية أسلوب الثواب والعقاب في العملية التعليمية مع توضيح الضوابط اللازمة لاستخدامه بما يحقق أفضل نتيجة ممكنة (شوشة، 2008م). إن الاطلاع على الكتابات الرصينة من التراث الإنساني ومناقشتها من شأنها أن تدرب الناشئة على التفكير العميق، والتحدث بصورة صحيحة، واحترام تعدد وجهات النظر (Barry, 2010, p. 42).

إن التربية عند الشافعي ليست مبادئ تربوية فحسب ولا هي من نوع الخيال الجامح والتصور المثالي البعيد عن الواقع بل هي في غالبها أفكار مستنيرة نابعة من فهم ومعايشة عمق الواقع وينابيع الشريعة الإسلامية فلقد ترجم الشافعي نظريات التربية وأساليبها ترجمة صادقة بحياته واعتبر المعاينة (المعايشة) من أرقى درجات المعرفة والنظرية التربوية لا تكتمل ولا تنضج إلا بالممارسة العملية (Tomlinson, 2010, p.). التربية عند الشافعي مرتبطة بالحياة وكما قال “ليس العلم ما حفظ, العلم ما نفع” (صالح, 1983, ص 127) ولعل أعنف انتقاد توجهها المدارس النقدية اليوم للتعليم أن مدارسنا لا تلامس احتياجات المتعلم (Palmer, 2001). إن التجربة الإنسانية النافعة بالغة المصداقية لأنها تربط بين فاعلية الفرد وبين مجريات الحياة.

التربية من أجل الخبرة ومن خلال الخبرة من المفاهيم التربوية المُعاصرة والتي لها جذورها التاريخية. إن الخبرة والممارسة أثبت وأرسخ في الذهن والنفس من سماع المحاضرات وفي الحديث ” لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ”. اعتبر الشافعي في كتابه الأم المعاينة من مراتب العلم لأن هذا العلم يفيد اليقين ويقول: “ولا يسع شاهدا أن يشهد إلا بما علم والعلم من ثلاثة وجوه منها ما عاينه الشاهد فيشهد بالمعاينة، ومنها ما سمعه فيشهد ما أثبت سمعاً من المشهود عليه، ومنها ما تظاهرت به الأخبار مما لا يمكن في أكثره العيان وتثبت معرفته في القلوب فيشهد عليه بهذا الوجه …” (ص 1758). وبعبارة ابن خلدون “ونقل المعاينة أوعب وأتم من نقل الخبر والعلم، فالملكة الحاصلة عنه أكمل وأرسخ من الملكة الحاصلة عن الخبر” (ص 359). وقديماً قال العرب “لا تطلب أثراً بعد عين” و”خذ ما تراه ودع شيئاً سمعت به”، ” فما راءٍ كمن سمعا” أي أن اليقين يقطع الشك وهو أرفع مقاما وأن العاقل لا يترك اليقين الذي يراه ثم يتبع الظن الذي يسمع عنه. ويقابل هذا عند الغرب قولهم: Your own eyes may be your best witness (الكندري، ملك، 2008م، ص 241).

عاش الشافعي جل نهاره وجانبا كبيرا من ليله يعلم ويربي ويدرس ويطبق أنجح الأساليب لطلابه في المسجد وفي الشارع وفي المنزل وإذا كان الشافعي قد سجل خبراته في كتبه فقد طبقها وعاش لها ومات وفيا لها. إن إحياء مثل هذه المعاني في نفوس المعلمين ثم المتعلمين من الضرورة بمكان. إن من عظمة هذا المربي أنه قدم مبادئ يسعد من خلالها الإنسان بحياة مستقرة هانئة ويتكيف مع من حوله وينمي مجتمعه ويشد من أزر أمته. للإمام الشافعي فضل السبق بتفرده في توضيح المنهج العلمي للتفكير ورسم حدوده وإبراز معالمه (ملك وأبوطالب، 1989م، ص 386) وسجل منهجه في استنباط الأحكام بوضوح وتفصيل (علي، 2001م، ص 284)، مما يدل على أصالة الفكر العربي وقدرته الفذة على تنشئة عباقرة حضارة.

وضع الشافعي قانونا عاما؛ أصول الفقه ليحد من الوقوع في الخطأ في طريق المعرفة القائمة على أصولها الدينية والمنطقية السليمة، ولهذا فإن حياة الشافعي كانت رمزا لنشأة منهج البحث عن المعرفة أيا كانت عند المسلمين ثم استفاد منه أصول الفكر العالمي لاحقا (البوطي، 2001م، ص 489). وعصرنا الراهن عصر المناهج البحثية الناضجة والناهضة وهذا باب يجب إبرازه في دائرتي الاهتمام والتأثير في العقل العربي اليوم بغية تصحيح المسار وتعزيز عمليات التنمية الحقيقية.

كثيرة هي الكلمات الجزلة التي يمكن أن تتضمنها مناهجنا الدراسية وأنشطتنا التعليمية ومواقعنا على الانترنت مما حوتها سيرة الشافعي منها قوله “طلب العلم أفضل من صلاة النافلة. وقال: من أراد الدنيا فعليه بالعلم ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم. وقال: ما تقرب إلى الله تعالى بشيء بعد الفرائض أفضل من طلب العلم. وقال: من طلب علماً فليدقق لئلا يضيع دقيق العلم. وقال: من لا يحب العلم لا خير فيه ولا يكون بينك وبينه صداقة ولا معرفة. وقال: زينة العلماء التوفيق وحليتهم حسن الخلق وجمالهم كرم النفس. وقال: زينة العلم الورع والحلم” (النووي، ج1، ص 74، باختصار) وقال: “إنَّ العِلم نور ونور الله لا يُهدى لعاصي”، “من طلب العلا سهر اللَّيالي”، “ما حك جلدك مثل ظفرك”، “الوقت سيف إن لم تقطعه قطعك، ونفسك إن لم تشغلها بالحق، وإلا شغلتك بالباطل”.

ومن روائعه أيضا “من لم تعزه التقوى فلا عز له. والخير في خمسة غنى النفس وكف الأذى وكسب الحلال والتقوى والثقة بالله. وأنفع الذخائر التقوى وأضرها العدوان. واجتناب المعاصي وترك ما لا يعنيك ينور القلب عليك بالخلوة وقلة الأكل وإياك ومخالطة السفهاء والعاقل من عقله عقله عن كل مذموم. ولا يكمل الرجل إلا بأربع بالديانة والأمانة والصيانة والرزانة. وعنه ليس بأخيك من احتجت إلى مداراته. علامة الصديق أن يكون لصديق صديقه صديقاً. ومن نم لك نم عليك. التواضع من أخلاق الكرام والتكبر من شيم اللئام. التواضع يورث المحبة والقناعة تورث الراحة . أرفع الناس قدراً من لا يرى قدره وأكثرهم فضلا من لا يرى فضله (الذهبي، ج10, ص 97- 99، باختصار).

إن الاستفادة من شعر وحكم الإمام الشافعي وغيره من الأوائل في تدعيم الأفكار التربوية وبخاصة في وسائل الإعلام من صحف ومجلات وكتب ونشرات وفي البحوث التربوية تربى لدى الجيل أسلوب أدبي يرفع من مستوى الناشئة. وكذلك مؤسسات التعليمي العالي مطالبة بكتابة أبحاث وقصص خاصة عن حياة الشافعي كمعلم ومتعلم كي يصبح نموذجا للإقتداء (ملك وأبوطالب، 1989م، ص 378). قال الجاحظ: نظرت في كتب هؤلاء النبغة الذين نبغوا ، فلم أرَ أحسن تأليفاً من المطّلبي، كأن فاه نُظِمَ درّاً إلى درّ (ابن عساكر، 2003م، ج54، ص 12). ومن تعلق بشيء من بيان الشافعي صار محجاجاً (النووي، 1996م، ج1، ص 78)، لقد كان من أفصح الناس وأعقلهم. يكاد المؤرخون يجمعون على عذوبة منطق الشافعي، وحسن بيانه وذكائه وقدرته الفائقة على الجدل وقوته في التفكير، ومهارته في الاستنباط (أمين، 2005م، ج2، ص 421). ومما سهل لغة الشافعي “ورققها حفظه للقرآن الكريم وإدامة نظره فيه حتى اكتسبت لغته حلاوة في الفم وتوقيعا في السمع فشبهها القدماء بالسكر … وهي للعين كالبلور المذاب في انسيابه وترقرقه” (بهجت, 1986م, ص 74، باختصار).

جمع الشافعي في بيانه بين رقة وجمال الأدباء، وبين دقة وجلال الفقهاء فجاءت لغته العلمية جزلة ومواعظه التربوية سلسة وامتزج ذلك كله بتبحر في علوم الدين وثقافة واسعة في العلوم الأخرى وهذا التكوين العلمي نفتقده في المشهد الثقافي المعاصر فالمؤسسات تركز إما على علوم عصرية أو علوم دينية فتأتي مخرجات التعليم الجامعي متواضعة إن لم تكن ضعيفة. معظم من يتميزون بالجمع بين الفضيلتين؛ التعليم المدني والديني، وصلوا إلى ما وصلوا إليه بجهود ذاتية بعيدا عن مؤسساتهم التعليمية إذ أن التعليم لا زال يشهد عزلة بين الخطين فكثير منها تدور -في جوهرها- في فلك التعليم المدني ويفتقد للأصالة بينما تقبع المؤسسات التعليمية الدينية في عزلة عصرية بسبب عدم تطوير أساليبها ونظمها التعليمية بما يتواكب مع احتياجات العصر وبما يعكس روح الدين ومقاصده.

ورغم كل النعوت الجميلة لأسلوب الشافعي ثمة رأي مغاير يرى أن الحِكم المباشرة –رغم أهميتها التربوية- تضعف العمل الأدبي”فالشافعي كان “يضع حِكَمَه بطريقة عشوائية لا تجد تسلسلاً معنوياً لها، ولا تكون نتيجة طبيعية لتسلسل الأفكار والمعاني، بل إن كثيراً من قصائده كانت تبتدئ بالحكمة ، فيشعر القارئ كأنه أمام درس تربوي، ولا يشعر إطلاقاً أنه أمام تجربة شعرية” (لاطة، 2006م، الفقي، 2000م). والشافعي في بعض شعره يبدو مصلحا اجتماعيا أكثر من كونه شاعرا, فصيغة الأمر الخطابية المباشرة, تضعف من إيحاء الشاعرية. في ديوان الشافعي مجموعة من الأبيات لا نستطيع الجزم بصحة نسبتها إليه, لما يشيع فيها من قتامة سوداوية إزاء الأصدقاء, وتنتزع الثقة بعموم الناس, أو على الأقل بمعظمهم” (صالح, 1983م, ص 149، 66).

وبما أن التربية الأخلاقية فريضة دينية وضرورة عصرية فإنها حقيقة لب وصلب التربية الإسلامية بأبعادها المتنوعة وآفاقها الواسعة. إن التّربية الخلقيّة هي أساس التَّربية عند الشافعي فالقيم الأخلاقية أساس المناظرة والنِّقاش والتَّعامل مع النَّاس. ولم تغفل التَّربية الخلقية عند الشافعي عن الدَّعوة إلى الكلمة الطَّيبة، وحفظ اللِّسان، يقول الإمام: “إنَّ الأفئدة مزارع الألسن، فازرع الكلمة الكريمة فإنَّها إن لم تنبت كلّها نبت بعضها” (علي، ص 157). تقوم تربية الشافعي على الركائز الآتية:

        1)   الاعتماد على الإيمان.

        2)   الرِّضا بقضاء الله وقدره.

        3)   اتِّباع الآداب والقيم السَّليمة أثناء المناظرة.

        4)   التَّرغيب في خصال الخير.

        5)   التَّنبيه على ما ينفع مع النَّاس بحسب الطَّبائع.

        6)   كَشف ما يُجافي سنن العلم ويُنافي حسن الخلق (علي، 1981م، ص161).

وعلى مستوى التعليمي يتجلى دور المعلم في بث الهمة العالية نحو التعلم فالمعرفة المنهجية تبدأ مع المعلمين (Brozo and fisher,  2010, p. 75 ). نجح الشافعي في المجال التربوي حيث “غرس في نفوس تلاميذه اتجاهات ايجابية كان لها أثرها في تنشيط الفكر الإسلامي. ومن أبرز هذه الاتجاهات، حب التجديد والابتكار، وعدم الوقوف عند حد معين من المعرفة (التعلم المستمر). ووضع بينهم وبين الجمود الفكري حاجزا كثيفا” (التميمي، 2001م، ص 514).

وكما تحدث الشافعي عن العقل والفكر وسبل التعلم تناول في المأثورات الواردة عنه قضايا الدعاء والصلاة والإيمان والذكر لأنه آمن أن التربية الروحية ملاذ آمن للمخلوق يقيه وهج المصاعب ويقدم له زادا ضروريا في رحلة الروح في الحياة الصاخبة وأمواجها المباغتة. لقد نالت قصيدة الشافعي “دَعْ الأيامَ تفعلُ ما تَشاءُ ..” شهرة عظيمة وانتشارا واسعا وهي دعوة صريحة وصافية للتفاؤل وطرد الجزع وتحمل صدمات الحياة بروح عالية، ونفس وثابة. ولا ريب أن الصبر الجميل والرضا بقضاء الله سبحانه من أهم مسالك الصحة النفسية. وفي هذا القرن ارتفعت أرقام المصابين بالقلق والاكتئاب والتشاؤم بسب الخواء الروحي إلى درجة أنه تضاعفت مآسي الانتحار بصورة مخيفة ولهذا تم تحديد اليوم العالمي لمنع الانتحار (الموافق 10 أيلول/سبتمبر) والغرض منه، هو تعزيز الالتزام والعمل في شتى أرجاء العالم من أجل منع حالات الانتحار الآخذة بالانتشار لضعف الوازع الديني، وسقم الفطرة، وشقاء الروح. هناك نحو 3000 حالة انتحار يومياً في أرجاء العالم. وهناك، لكل حالة انتحار، 20 محاولة انتحار متزامنة أو أكثر (مُنظمة الصِّحة العالمية، 2009م).

وعلى مستوى المنهج الدراسي، لقد حرص الشافعي على دراسة العلوم المختلفة والتبحر بها حتى يصون الإنسان نفسه ويوسع مداركه فهو يؤمن أن “من تعلم القرآن عظمت قيمته ومن تكلم في الفقه نما قدره ومن كتب الحديث قويت حجته ومن نظر في اللغة رق طبعه ومن نظر في الحساب جزل رأيه ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه” (الذهبي، ج10 , ص 24). وقال “فعلى كل مسلمٍ أن يتعلم من لسان العرب” (الرسالة، ص 7)، وكان يتلهف على ما ضيع المسلمون من الطب ويلوم أهل عصره قائلا “ضيعوا ثلث العلم ووكلوه إلى اليهود والنصارى” (الذهبي ج10, ص 57). تسير التوجهات الحديثة في مجال العلم نحو خلق مواطن على حظ من المعارف الأولية العلمية (تريفيل، 2010م، ص 272).

ومن العبارات التي تنسب للشافعي:

كلُّ   العلومِ سوى القرآنِ مشغلةٌ
العلمِ ما كان فيه قالَ حَدَّثَنا

إِلا   الحديثَ وعلمَ الفقهِ في الدينِ
وما سوى ذاكَ وسواسُ الشياطينِ

علق الفقي (2000م) على هذا البيت بأن الشافعي خشي من الخروج من الدين باسم الفلسفة وغيرها (ص 52) وهذا بعيد والصحيح أن العبارة بأكملها قلقة فالشافعي نفسه يحث على تعلم العلوم العقلية والنقلية والبيت المذكور يتعارض مع الثابت المتواتر عن الشافعي في طلبه لعلم اللغة وحثه على طلب علم الطب والحساب والأنساب. وإذا كان التراث التربوي في المذهب الشافعي يقتصر كلمة العلماء على علماء الشرع فإن بعض التربويين اليوم يرون توسيع النطاق وإدخال أصحاب التخصصات الأخرى ، وعلى نفس المنهج فإذا كان الشافعي يرضى بالقليل من القوت لمن يتعلم فإن الأمر اليوم قد لا يكون مقبولا عند بعض المربين فالأفضل لطالب العلم اليوم أن يعيش في بيئة تعينه فهناك علاقة بين التحصيل الدراسي والوضع الاقتصادي في كثير من الثقافات (أبوشوشة، 2009م، ص 150، 206).  ولو عدنا إلى مأثورات الشافعي نجد أن “طالب العلم يحتاج إلى ثلاث خصال: إحداهما حسن ذات اليد, والثانية طول العمر, والثالثة يكون له ذكاء” (يعقوب, 2004م, ص 24).

والإفادة الحقة من التراث لا تتحقق إلا بالنقد الواعي المتزن دون التأثر السلبي بهالة التراث. قال السخاوي (2003م) عن الشافعي “احذر الأعور والأحول والأعرج والأحدب والأشقر والكوسج [لا لحية له أصلا] وكل من به عاهة في بدنه وكل ناقص الخلق فاحذروه فإنه صاحب التواء ومعاملتهم عسرة وقال مرة أخرى فإنهم أصحاب خبث” (ص 162، الدقر، 2009م، ص 224). ومثل ذلك ما نقله الذهبي قديما في سيره وحديثا محمد عبد الرحيم في ديوان الشافعي (1995م، ص 55): “عن الشافعي قال: ما نقص من أثمان السود إلا لضعف عقولهم، وإلا هو لون من الألوان”. إن مثل هذا العبارات يجب ألا تمر إلا بنقدها بل لا حاجة لروايتها في عصرنا وفي الديوان السابق أيضا أن أربعة أمور تضعف البصر منها النظر إلى عورة المرأة نسبها الباحث للشافعي نقلا عن الطب النبوي لابن القيم (ص 68)! ولا زلنا نكرر قول الشافعي “ثلاثةٌ إِن أَكرمتهم أَهانوك، وإِن أَهنتهم أَكرموك: المرأَة والخادم، والفلاح” (الدقر، 2009م، ص 300). ومن ذلك الخلط أيضا ما نقل عنه “أقمت أربعين سنة أسأل إخواني الذين تزوجوا عن أحوالهم في تزوجهم فما منهم أحد قال إنه رأى خيراً” (النووي، ج1، ص 74).

لا تخلو بعض العبارات والقصص عن فراسة الشافعي من المبالغات والاضطراب والغريب أن المعاصرين ينقلونها كما هي دون نقد لسندها أو متنها (انظر خفاجي، 18، السويدان، 2007م، 40، 45، أبوشوشة، 2009م، 103، ملك وأبوطالب، 1989م، ص 183). بعض هذه القصص ليست فراسة بل تصنيف غير موفق وذم على أساس الشكل وتتضمن أن العلم بالنجوم يقود لمعرفة الغيوب! ومثال ذلك كان الشافعى “وهو حدث ينظر فى النجوم وكان له صديق وعنده جارية قد حبلت فقال إنها تلد إلى سبعة وعشرين يوما بولد ويكون في فخذه الأيسر خال أسود ويعيش أربعة وعشرين يوما ثم يموت فجاء الأمر كما وصف فحرق تلك الكتب! وما عاد إلى النظر في شيء منها”. وأرسل الشافعي إلى السيدة نفيسة يسألها الدعاء كعادته كلما مرض فأرسلت إليه قائلة “أحسن الله لقاءك ومتعك بالنظر إليه فعلم الشافعي أنها النهاية أي سيموت (شما، 2000م، 21)، فهل من الحكمة أن نسرد هذه القصص الخيالية للناشئة في كتبنا المصورة والأشرطة السمعية دون نقد علمي لها؟ ذكر ابن خلكان (2009م) في وفيات الأعيان عن الربيع بن سليمان المرادي أنه قال: “دخلت على الشافعي رضي الله عنه عند وفاته، وعنده البويطي والمزني وابن عبد الحكم، فنظر إلينا ثم قال: أما أنت يا أبا يعقوب-يعني البويطي-فتموت في حديدك، وأما أنت يا مزني فستكون لك في مصر هنات وهنات، ولتدركن زماناً تكون فيه أقيس أهل زمانك، وأما أنت يا محمد-يعني ابن عبد الحكم-فترجع إلى مذهب مالك، وأما أنت يا ربيع فأنت أنفعهم لي في نشر الكتب، قم يا أبا يعقوب فتسلم الحلقة. قال الربيع: فلما مات الشافعي رضي الله عنه صار كل واحد منهم إلى ما قاله، حتى كأنه ينظر إلى الغيب من ستر رقيق” (ص 229، أيضا انظر اليافعي، ص 286).

لا شك أن الشافعي كان صاحب فراسة لكن الحاجة ماسة لترسيخ أن الغيب في علم الله وحده. قال جل ثناؤه “وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ {34}” (سورة لقمان). إن أي قيمة تزاحم هذا الأصل يتعين إبعادها أو تناولها بحذر شديد وكثير من القصص التي تساق على أنها كرامات فيها كثير من الاضطراب والمبالغات والأسلم أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح لا سيما في حديثنا مع الناشئة وكان الأجدر في الكتب العصرية التركيز على سعي الشافعي واجتهاده في التحصيل العلمي وعشقه للحرية وبغضه للقهر وإيمانه القوي بالله واعتزازه بعروبته.

إن الحديث الطويل عن كرامات بحاجة للمراجعة الواعية من مثل كرامات ميلاده (انظر خفاجي، 7)، ونوح الجن عليه ليلة وفاته (النووي، ج1، ص 85)، وبركات قبر الشافعي وفراسته النادرة (الدقر، 2009م، ص 129، 220)، وعلمه بالنجوم؛ وأنه وهو شاب “ينظر في النجوم، وما ينظر في شيء إلا فاق فيه. فجلس يوماً وامرأته تطلق، فحسب وقال: تلد جارية عوراء … تموت إلى كذا وكذا. فولدت وكان كما قال، فجعل على نفسه أن لا ينظر أبداً. ودفن تلك الكتب” (الذهبي، تاريخ الإسلام، ج14، ص 334). محبة العلماء لا تعني قبول كل ما ورد عنهم من خوارق.

أبرز النتائج

  1. تضافرت عدة عوامل في عملية تكوين الملكة العلمية لدى الشافعي منها أنه عاش عصر القوة والاستقرار النسبي في الدولة العباسية حيث محفزات العطاء العلمي، وأنه استفاد من أساتذته حق الاستفادة وكان على وعي تاريخي كامل بمشروعه الفكري كناصر للسنة النبوية رواية ودراية، وكأول مدون لأصول الفقه فحقق قيادة فكرية للأمة وأعد طلبة يحملون فكره ناصعا عبر العصور.
  2. شجع الشافعي الاجتهاد ووضع قانونا عاما (أصول الفقه) يحد من الوقوع في الخطأ ويفيد الباحثين في طريق المعرفة القائمة على أصولها الدينية والمنطقية السليمة لضبط الاستنباط وفتح آفاق البحث.
  3. نظرات الشافعي تدل على رسوخ قدمه في التربية حيث تناول بإيجاز بليغ هدف التربية ووسائلها وشروط طالب العلم.
  4. من قواعد التعليم الإيجاز عند التفهيم وتقرير القواعد ووضع التعريفات والتعميمات، والإسهاب عند الشرح والموعظة.
  5. وضع الشافعي في كلمات قليلة سر قوة المعلم المتفوق؛ القدوة الحسنة، وتوجيه المتعلم برفق نحو القرآن الكريم والعلوم النافعة، والتدرج في التعليم، وإيجاز التوجيهات.
  6. اعتنى الشافعي بالمناظرة عناية فائقة وجعل حسن الخلق أساس التباحث من أجل المنفعة المشتركة والارتقاء بالفكر من جهة، وتجنبا للتكلف من غير حاجة، والمراء والمداهنة من جهة أخرى.
  7. ليس كل ما روي عن الشافعي صحيح، وليس كل صحيح –عنه وعن غيره- يؤخذ بلا تمحيص، بل لا بد من الفحص الدقيق وانتقاء الصحيح وتبني ما استقام مقصده وحسن معناه، وناسب متطلباتنا الراهنة وتطلعاتنا القادمة.

التوصيات

  1. دراسة رواد الفكر في إطار التراث التربوي العالمي والحذر من عزل التراث وتفسيره في دائرة ضيقة وأدبيات محدودة.
  2. تقديم دراسات تربوية موسعة باللغة الأجنبية عن الشافعي ونشرها على شبكات الانترنت للتعريف بإبداعات الحضارة العربية الإسلامية وبصانعي الفكر الإسلامي.
  3. تقديم دورات تدريبية للمعلمين والمعلمات لبيان أفكار الشافعي وسبل توظيفها في رفد الواقع التعليمي والتربوي.
  4. تعريف الناشئة بأخلاقيات طالب العلم عبر برامج إعلامية عالية التقنية تحاكي التطور العصري وقادرة على جذب الأنظار والتأثير في النفوس.
  5. عمل موسوعة مصورة للطفل تتضمن أعلام التربية الإسلامية والمفردات التراثية ذات الصلة بتعليم وتربية الطفل مع التركيز على أخلاقيات طالب العلم من الجنسين.

أهم المراجع العربية

ابن خلكان (2009م) وفيات الأعيان. موقع الوراق: http://www.alwaraq.net

ابن عساكر (2003م). تاريخ دمشق. بيروت: دار احياء التراث العربي.

أبو شوشة, محمد ناجح (2008م). التراث التربوي في المذهب الشافعي. مصر: العلم والإيمان.

أبوزيد، نصر حامد (1996م). الإمام الشافعي وتأسيس الأيديولوجية الوسطية. ط2، القاهرة: مكتبة مدبولي.

أحرشاو، الغالي (2001م). الفكر التربوي المعاصر. مجلة العلوم التربوية والنفسية. مجلد 2، العدد، سبتمبر 2001م.

الأصفهاني (2009م). حلية الأولياء. موقع الوراق: http://www.alwaraq.net

أمين, أحمد (1425هـ – 2005م). ضحى الإسلام. ط1, بيروت: دار الكتاب العربي.

بحري، منى يونس ، قطيشات، نازك عبدالحليم (1430هـ-2009). في التربية المقارنة: دراسة نوعية. ط1، الأردن: دار صفاء.

بروكلمان, كارل (بدون تاريخ). تاريخ الأدب العربي. الجزء الثالث, نقله إلى العربية: عبدالحليم النجار. ط4, القاهرة: دار المعارف.

البغا، مصطفى (2007م). مضامين تربوية إسلامية في الإسلامي. عمان: عالم الفكر الحديث.

البغدادي، أحمد بن علي بن ثابت (1997م). تاريخ بغداد. بيروت: دار الكتب.

البغدادي، أحمد بن علي بن ثابت (1998م). الفقيه والمتفقه. المكتبة العلمية.

بهجت, مجاهد مصطفى (1406هـ 1986م). شعر الشافعي: الإمام الفقيه أبي عبدالله محمد بن إدريس الشافعي. العراق.

البوطي, محمد سعيد رمضان (1422هـ – 2001م). أثر الشافعي في منهج التفكير الإسلامي قديما وحديثا. في الإمام الشافعي فقيها ومجتهدا. بيروت: المنظمة الإسلامية للتربية (إيسيسكو).

تريفيل, جيمس (1431هـ – 2010م). لماذا العلم. ترجمة: شوقي جلال. الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.

التميمي, عز الدين الخطيب (1422هـ – 2001م). آثار المذهب الشافعي في العالم الإسلامي وخارجه. في الإمام الشافعي فقيها ومجتهدا. بيروت: المنظمة الإسلامية للتربية (إيسيسكو).

جهامي، جيرار ، و دغيم، سميح (2006م). الموسوعة الجامعة لمصطلحات الفكر العربي الإسلامي: تحليل ونقد. ط1، بيروت: مكتبة لبنان ناشرون.

الحفني، عبدالمنعم (2006م). الموسوعة الصوفية. ط5، القاهرة: مكتبة مدبولي.

الخليفة، حسن جعفر (1425 هـ – 2004 م). دراسة تحليلية للمضامين الأخلاقية في كتب اللغة العربية بالصفوف الثلاثة الأولى من المرحلة الابتدائية بدول الخليج العربية، في رسالة الخليج العربي، العدد الثالث والتسعون، السنة الخامسة والعشرون. الرياض : مكتب التربية العربي لدول الخليج.

الخوالدة، ناصر أحمد – عيد، يحي إسماعيل (2007م). تحليل المحتوى في مناهج التربية الإسلامية وكتبها. ط1، الأردن: دار وائل.

الخوري، أنطون . أعلام التربية : حياتهم وآثارهم.

الدسوقي, محمد (1422هـ – 2001م). الجانب الاقتصادي في فقه الإمام الشافعي. في الإمام الشافعي فقيها ومجتهدا. بيروت: المنظمة الإسلامية للتربية (إيسيسكو).

الدقر, عبدالغني (1409هـ – 1988). الأمام الشافعي (ت 204هـ). في من أعلام التربية العربية الإسلامية. الرياض: مكتب التربية العربي لدول الخليج.

الدقر, عبدالغني (1430هـ – 2009م). محمد بن إدريس الشافعي. ط1, دمشق: دار القلم.

الدميري (2009م). حياة الحيوان الكبرى. موقع الوراق:

ديورانت، ول (1424هـ-2004م). قصة الفلسفة من أفلاطون إلى جون ديوي. ط1، ترجمة د. فتح الله محمد المشعشع. بيروت: دار المعارف.

الذهبي, شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان (1429هـ – 2008م). سير أعلام النبلاء . أشرف على تحقيق الكتاب وخرج أحاديثه: شعيب الأرنؤوط . ط 2,  بيروت: مؤسسة رسالة.

رضا، محمد جواد (2009م). جامعة الكويت…وتسطيح العقل الثقافي: دراسة حالة. الكويت: الجمعية الكويتية لتقدم الطفولة العربية.

الزحيلي, وهبة (2005م). الشافعي (الإمام محمد بن إدريس). في الموسوعة العربية, المجلد الحادي عشر. ط1, الجمهورية العربية السورية: رئاسة الجمهورية: هيئة الموسوعة.

السبكي (2009م). طبقات الشافعية. موقع الوراق: http://www.alwaraq.net

السخاوي (2003م). المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة. بيروت: دار الكتب العلمية.

سعيد, إدوارد (1996 م). تعقيبات على الاستشراق. ترجمة: صبحي حديدي, ط1, بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر.

السويدان, طارق (1428هـ – 2007م). الإمام الشافعي: السيرة المصورة. الكويت: الإبداع الفكري.

الشافعي, محمد بن إدريس (13410هـ 1990م). ديوان الشافعي. تحقيق: محمد عبدالمنعم خفاجي. بيروت: عالم الكتب.

الشافعي, محمد بن إدريس (1429هـ – 2008م). الرسالة. شرح وتحقيق: أحمد محمد شاكر. ط1, القاهرة: دار الآثار.

شما، نضال (2000م). الشرح والتفسير لوصايا الإمام الشافعي وديوانه. دمشق: مكتبة دار الصفا.

الشنقيطي، محمد (1996م). أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن. بيروت: دار إحياء التراث العربي.

صالح, حكمت (1404هـ – 1983م). دراسة فنية في شعر الإمام الشافعي. موصل: الزهراء الحديثة.

الصالحي، محسن حمود ، وملك ، بدر محمد (1428هـ – 2007م). مواصفات الأزواج في عيون الزوجات: رؤية تربوية من حديث أم زرع. ط1، الكويت: اقرأ.

طعيمة، رشدي (1429ه-2008م).  تحليل المحتوى في العلوم الإنسانية: مفهومه، أسسه، استخداماته. القاهرة: دار الفكر العربي.

الطويل, السيد رزق (1422هـ – 2001م). حياة الإمام الشافعي. في الإمام الشافعي فقيها ومجتهدا. بيروت: المنظمة الإسلامية للتربية (إيسيسكو).

عبدالرحيم, محمد (1415هـ؟ – 1995م). ديوان الإمام الشافعي. بيروت: دار الفكر.

عبدالعزيز، عبد الونيس زغلول (2010م).  نحو تأصيل إسلامي للمصطلحات التربوية. موقع دعوة: http://www.daawa.ma/affdetail.asp?codelangue=6&info=1811

عطار، ليلى عبدالرشيد (2004م). بعض القواعد الفقهية وتطبيقاتها في التربية الإسلامية. مجلة التربية, السنة 7 العدد 11, الجمعية المصرية للتربية المقارنة والإدارة التعليمية.

علي ، سعيد إسماعيل (1427هـ – 2006م). الفكر التربوي الإسلامي وتحديات المستقبل. ط1، القاهرة دار السلام.

علي, علي عيسى (1422هـ – 2001م). دور المدرسة الشافعية في خدمة السنة النبوية. في الإمام الشافعي فقيها ومجتهدا. بيروت: المنظمة الإسلامية للتربية (إيسيسكو).

علي, فاطمة محمد (1401هـ – 1981م).  الفكر التربوي عند الإمام الشافعي. رسالة مقدمة لكلية التربية للحصول عل درجة الماجستير بشبين الكوم:  جامعة المنوفية.

عماشة , سناء حسن (1430هـ 2009م). القيم السلوكية والاتجاهات اللازمة لتحسين النشء ضد الجريمة وإتلاف الممتلكات. مجلة البحوث الأمنية: المملكة العربية السعودية, مركز البحوث والدراسات بكلية الملك فهد الأمنية: المجلد 18 العدد 44.

عمر، سيف الإسلام (1430هـ-2009م). الموجز في منهج البحث العلمي في التربية والعلوم الإنسانية. ط1، دمشق: دار الفكر.

العياصرة، وليد رفيق (1431هـ-2010م). التربية الإسلامية واستراتيجياتها العملية. ط1، الأردن: دار المسيرة.

الفقي، سعد كريم (2000م). ديوان الإمام الشافعي. المنصورة: دار اليقين.

فلمبان، زينب جمال الدين (1988م-1408هــ). مبادئ تربوية من ديوان الإمام الشافعي. رسالة ماجستير ، جامعة أم القرى، إشراف محمد خير عرق سوسي.

الفيروز آبادي، مجد الدين محمد بن يعقوب (1429هـ 2008م). القاموس المحيط: مرتب ترتيبا ألفبائيا وفق أوائل الحروف. نسخة منقحة وعليها تعليقات: أبو الوفا نصر الهوريني المصري الشافعي. راجعه واعتنى به: أنس محمد الشامي وزكريا جابر أحمد . القاهرة: دار الحديث.

القزويني، علاء الدين السيد أمير محمد (1407هـ – 1986م). الفكر التربوي عند الشِّيعة الإمامية. ط2، الكويت: مكتبة الفقيه.

قلعه جي, محمد رواس (1422هـ – 2001م). تأسيس الشافعي علم الأصول. في الإمام الشافعي فقيها ومجتهدا. بيروت: المنظمة الإسلامية للتربية (إيسيسكو).

القواسمي, أكرم يوسف عمر (1423هـ 2003م). المدخل إلى مذهب الإمام الشافعي. ط1, الأردن: دار النفائس.

الكندري، لطيفة حسين وملك، بدر محمد ( 1429هـ = 2008م). تعليقة أصول التربية. ط3، الكويت: مكتبة الفلاح.

لاطة، نجدت (2006م). نحو مسلسل ملتزم. موقع رابطة أدباء الشام. http://www.odabasham.net

المالكي, عبدالحفيظ (1430هـ 2009م). عرض رسالة دكتوراه بعنوان: تصور مقترح لوضع خطوات إجرائية لوقاية فكر الشباب من الانحراف في ضوء التربية الإسلامية. مجلة البحوث الأمنية: المملكة العربية السعودية, مركز البحوث والدراسات بكلية الملك فهد الأمنية: المجلد 18 العدد 44.

مايو، عبدالقادر (2000م). شرح ديوان الأمام محمد بن إدريس الشافعي مؤسس على القرآن الكريم . مراجعة أحمد عبد الله فرهود. دمشق: دار الحكمة.

المرجع الأكبر للتراث الإسلامي. شركة العريس للكمبيوتر. الإصدار الثالث.

ملك، بدر محمد (2009م). التوجيه: الثواب أم العقاب؟ في سلسلة تربية الأبناء الرابعة: خير الأمور الوسط. الكويت: الأمانة العامة للأوقاف: الصندوق الوقفي للتنمية العلمية والاجتماعية.

ملك، بدر محمد ، والكندري ، لطيفة حسين (1426هـ-2009م). الفكر التربوي عند معلم الكويت الأول الشيخ يوسف القناعي. الكويت: المجلة التربوية: العدد 76 ، المجلد 19.

ملك، بدر، والكندري، لطيفة (1427 هـ =  2006 م). تراثنا التربوي: ننطلق منه ولا ننغلق فيه. ط2، الكويت: مكتبة الفلاح.

المنجد، محمد صالح (بدون تاريخ). عبر وعظات من حياة الإمام الشافعي.

مُنظمة الصِّحة العالمية (2009). اليوم العالمي لمنع الانتحار. موقع منظمة الصحة العالمية: http://www.who.int

نصار, حسين (1996م). أمين الخولي. القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة.

نصر الله، أحمد (1429هـ-2008م). مختصر صحيح الجامع الصغير للسيوطي والألباني. ط1، ألفا للنشر والتوزيع.

النعيمي، مريم عبدالله (2007م). حتى لا تمزق الكتب. ط1، الرياض: مكتبة العبيكان.

النقيب، عبالرحمن عبدالرحمن (1425 هـ – 2004 م). المنهجية الإسلامية في البحث التربوي نموذجا: النظرية والتطبيق. ط1، القاهرة: دار الفكر العربي.

النووي، يحيىَ بن شرف (1996م). تهذيب الأسماء واللغات. بيروت: دار الفكر.

اليافعي  (2009م). مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان. موقع الوراق: http://www.alwaraq.net

يعقوب, إميل بديع (بدون تاريخ). شعراؤنا: ديوان الإمام الشافعي. بيروت: دار الكتاب العربي.

يونس, عباس (1422هـ – 2001م). لغة الإمام الشافعي وأثره في نتاجه الفكري والأصول. في الإمام الشافعي فقيها ومجتهدا. بيروت: المنظمة الإسلامية للتربية (إيسيسكو).

أهم المراجع الأجنبية

AL-Hassani, S. T. S (2007). 1001 invention: Muslim Heritage in our world.Great Britain: Foundation for science technology and civilization.

Barry, C (2010). From great texts – to great thinking. In educational leadership. Vol. 67 No 6, ASCD.USA.

Brozo, W. G & Fisher, D (2010). Literacy starts with the teachers. In educational leadership. Vol. 67 No 6, ASCD.USA.

Challoner,  Jack (2009). 1001 Inventions That Changed the World.London: Quintessence.

Covey, S (2008). The 7 habits of happy kids.New York: Simon & Schuster Books for Yung .

El Shamsy, Ahmed (2008). Early Islamic Legal Theory: The Risala of Muhammad Ibn Idris Al-Shafi’i. Journal Title: The Journal of the American Oriental Society. Volume: 128. Issue: 1. Page Number: 185+. COPYRIGHT 2008 American Oriental Society.

El Shamsy, Ahmed (2008). Rethinking Taqlid in the Early Shafi’i School. The Journal of the American Oriental Society. Volume: 128. Issue: 1.

Friedmann, Yohanan (2003). Tolerance and Coercion in Islam: Interfaith Relations in the Muslim Tradition.CambridgeUniversityPress.New York

Muslim Heritage (2010). 1001 Inventions and The Library of Secrets. http://www.islamonline.net/arabic/index.shtml

Palmer, J O (2001). Henry Giroux. In Fifty modern thinkers on education:  from Piaget to the Present. Palmer, J O (ed).London: Routledge.

Ravi, M (2009). Teaching through the heart.New Delhi. Viva Books.

Razik, T. & Swanson, A.  (2000).  Fundamental concepts of educational leadership (2nd ed.). Columbus,OH: Merrill/Prentice-Hall.

Shāfi’ī, Abū ‘Abd Allāh (Muhammad ibn Idrīs) ash-. (2010). Encyclopaedia Britannica. Encyclopaedia Britannica Ultimate Reference Suite.Chicago: Encyclopaedia Britannica.

The Columbia Encyclopedia (2009). Shafi’I, Al- . Sixth Edition.ColumbiaUniversity Press.New York.

Tomlinson, C. A (2010). One kid at a time. In educational leadership. Vol. 67 No 5, ASCD.USA.

Ziadeh, F (1995). Sunni school of law. In J. Esposito (Ed.), The Oxford encyclopedia of the modern Islamic world (vol. 2. pp. 327-331)New York,NY:OxfordUniversity Press.