أ.د بدر ملك: (يوسف القناعي … مدرسة بذاته) شخصية المعلم ورؤاه من منظور الشيخ يوسف القناعي: الإطار النظري والنشاط الميداني (2006). في كتاب الكويت الثالث، الكويت: وزارة الإعلام.

 

 

 

شخصية المعلم ورؤاه من منظور الشيخ يوسف القناعي:

الإطار النظري والنشاط الميداني

 

 

أ. د. بدر محمد ملك

أستاذ في كلية التربية الأساسية

 

 

1426 هـ – 2005 م

 


مقدمة

المعلمون هم حلقة وصل وربط أساسية بين طموح المجتمع وبين نمو المتعلم، وتهدف هذه الحلقة الحيوية في سلسلة الحياة الإنسانية إلى تحقيق مصلحة مصيرية مشتركة متجددة من خلال مساعدة المتعلمين على النمو السليم. إن المعلم الذي يمتلك رؤية واضحة، وشخصية ناضجة، وهمة عالية يستطيع أن يحقق مقاصده، ويطور ذاته، وينفع مجتمعه في خطوات ملموسة غير مسبوقة. الفكر التربوي مجموع الآثار الثقافية المرتبطة بأنماط التربية والتعليم التي أنتجها العقل البشري في عصوره المختلفة. يمثل الفكر التربوي رافدا معرفيا هاما للمربين لذلك تقوم المؤسسات المعنية بتأهيل المعلمين والمعلمات في شتى دول العالم بتقديم مقرر تطور الفكر التربوي وهو متطلب مهني إلزامي يساعد المعلم على فهم طبيعة رسالته وبلورة رؤيته في ضوء تحليل المعطيات التاريخية.

تهدف هذه الدراسة في الفكر التربوي إلى تحليل واستنباط خصائص شخصية المعلم ورؤاه الإبداعية مع إشارة إلى الأدبيات التربوية ذات الصلة على ضوء فكر الشيخ يوسف القناعي الذي اشتغل بالتعليم رَدَحاً من الزمن فصار شغله الشاغل آنذاك فيه يصول ويجول حتى نال غاية المأمول. ستتطرق هذه الدراسة المركزة إلى عدة محاور تدور حول مكونات الشخصية أخلاقيا وثقافيا واجتماعيا مع تجلية عامة لعلاقة المتعلم بالمعلم وسبل توثيق الروابط العلمية بينهما وصولا إلى إيجاد أنشطة تعليمية ذات أثر مثمر على صعيد الفرد والجماعة.

كتب عبدالمحسن السهلي (1973 م) في مقالة تحت عنوان مع الأيام وهو يرثي الشيخ يوسف القناعي “في الوقت الذي لم تكن فيه في الكويت مدرسة ولا معهد .. كان هو المدرسة وهو المعهد .. وهو الكتاب المتنقل .. بل المكتبة المتنقلة تشيع العلم والمعرفة في كل مكان.. كان بشخصه ثروة أغلى وأعز من النفط.. لأنه أغنى الكويت وأثراها في وقت كانت فيه أحوج إلى بصيص من شعاع يرطب من خاطرها, ويشحذ من أملها ويثبت أقدام أهلها على الأرض الجافة في الصحراء الصامتة”.

يوسف القناعي معلم الكويت الأول؛ مدرسة بذاته، وشخصية عملاقة مرموقة مازالت تمثل ثروة هائلة وقدوة حسنة تستحق المزيد من الدراسات الموسعة على أيدي المتخصصين وصولا إلى تحديد بعض المعالم التربوية التي من شأنها أن ترتقي بشخصية المعلم وتعينه على تشكيل رؤاه الإبداعية ذات الصبغة الوطنية العربية الإسلامية الإنسانية. القصد من ذلك هو محاولة فهم بعض جوانب الماضي التعليمي في الكويت، والاعتزاز بجهود الأوائل واستنباط الدروس المستفادة بغية تطبيق تلك الرؤى الرصينة في واقع الحياة، والمساهمة في حل المشكلات، وفتح الآفاق وتجويد الحركة التعليمية المعاصرة وتطعيمها بالتجارب المفيدة إلى أبعد الحدود.

يحتاج المعلم إلى أن يعرف أساليب التواصل مع اليافعين وغيرهم كي يحسن كفاءته، ويرفع مستواه، ويزداد ثقة بقدراته. ولهذا يعكف المربون منذ أمد بعيد على دراسة الفكر التربوي لانتقاء وتطوير أفضل السبل الكفيلة بإثراء الميدان التربوي الذي يتسع بالخبرات الجادة، ويزدهر بالممارسات المبدعة لاسيما إذا كانت نابعة من البيئة المحلية. لاَ غَرْوَ فِي أن تنمية شخصية المعلم عملية لا تنتهي ولها مداخل كثيرة ومتجددة ولكنها في النهاية ستعمل على تأهيل المعلم وتأصيل دوره التربوي.

      رائد الإصلاح

إن الباحث في موضوع بدايات النهضة الثقافية في منطقة الخليج العربي وتحديداً في النصف الأول من القرن العشرين سيصل في بحثه إلى دلائل عديدة تثبت أن يوسف بن عيسى القناعي قياسا لعصره، واستنادا لمجتمعه يعد من بناة الثقافة الوسطية ومن أبرز صناع العقلية المستنيرة، وسيجد مؤشرات كثيرة تدل على أنه من أوائل أعلام الفكر والإصلاح في دولة الكويت خصوصا ومنطقة الخليج العربي عموما. قال تعالى “{يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ}، (البقرة: 269).

 إن الدراسات الإستراتيجية المتنامية عن منطقة الخليج العربي تؤكد بوضوح ما سبق ذكره حيث كتب مفيد الزيدي – وهو باحث متخصص في تاريخ الخليج العربي-  أن القناعي مصلح ورجل تعليم وأدب ساهم في تأسيس وإدارة أول مدرسة كويتية ، “كما ساهم في إنشاء مكتبة وجمعية ثقافية واجتماعية ،  يعد من أبرز رواد التعليم والفكر في الكويت والخليج العربي” (1998 م، ص 61). إن القناعي من أبرز مؤسسي المدرسة المباركية وهي من أوائل المدارس النظامية في دول الخليج العربي (أبوجبين، 2002 م، ص 134).

نعت القناعي بأنه “أبو العلم في هذا البلد” (الهدف، 1973م، خلف، 1994) وأحسنت جمعية المعلمين في ذلك الوقت إذ أطلقت عليه لقب “معلم الكويت الأول” (مجلة الرائد: 1973 م، ص 11)، وهذه مرتبة عظيمة بلغها القناعي ووصل إليها بسعيه وإخلاصه لا بنسبه وجاهه فلم يتكل هذا الرجل إلا على العمل الصالح فحرر نفسه من المصالح الشخصية الضيقة وأقبل على الإخلاص في العمل والسخاء في البذل فتألق في سماء العطاء وكما ورد في الحديث الشريف في صحيح مسلم “وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ”.

      في أوائل الخمسينات عندما ابتدأ التثمين كان الشيخ يوسف يملك من الأراضي الشاسعة والمزارع التي على جنب شارع أحمد الجابر الصباح من الجهة الجنوبية فكان بهذا الموقع له أكبر مزرعة بها من المنشآت العديدة: فطالها التنظيم وثمنت بذلك اليوم بمبلغ لا يستهان به وعندما قدم له الشيك فسأل عن هذا الشيك وما هو مقابل فقيل له هذا الشيك قيمة الأرض او المزرعة التي أنت تملكها بشارع أحمد الجابر فقال لهم: إذا كانت لمدرسة فأنا متنازل عن قيمتها” (الغانم، بدون تاريخ، ص 110).

رحلة كفاح

في بدايات القرن الماضي رجع الشاب يوسف القناعي إلى دفء حضن بلده الكويت بعد رحلات مثمرة في طلب العلم كان خلالها مثالا طيبا للطالب المجتهد المثابر الحريص على مواصلة التحصيل والبحث والتمحيص. وكان ذلك الشاب الراشد الطموح العائد إلى سماء مجتمعه وأرض وطنه الممتد على سواحل الخليج العربي السَّاجي يتألم كل يوم من رؤية جمود التعليم وانتشار الجهل الذي اسْتفحَلَ أمره وعظم خطره، وتفاقم ضرره. كان الفقر القرائي في تلك الفترة قد ضيق دائرة الثقافة إلى درجة خطيرة فغدت الأمية بجميع أشكالها متفشية غير مستغربة وتنمو من حولها الخرافات والأساطير.

قال القناعي في الملتقطات “إن السواد الأعظم من المسلمين غثاء كغثاء السيل لا يعرفون حقيقة الدين وما يرمي إليه من الهدى ودين الحق، ومثلهم كمثل الأعرابي الذي جاء إلى المستشفى الأمريكاني في الكويت ورأى القس يخطب والناس حوله يستمعون. فوقف هذا الأعرابي وهو يقول والله موعظة والله موعظة، فقال له رجل بجانبه، ماذا عرفت من الموعظة؟ فأجابه والله لا أدري ما يقول، ولكن رأيت الناس مجتمعين عليه فعلمت أنها موعظة‍! فالمسلمون وفهمهم للدين مثل فهم هذا الأعرابي لخطبة القس”.

لم تستطع نسمات الأسحار ونفحات الأزهار التي عاش في رحابها القناعي يوميا على صفحات الكتب وعند ضفاف المجلات أن تخفف آلامه ولا أن تلطف أيامه. ولأن العلم هو القمر الذي يضيء الليل الداجي ويبدد الجهل الدامس أخذ القناعي بكل ما آتاه الله من عزم وعلم يسعى السعي كله مع رفاق دربه من أنصار الإصلاح ومن التجار الغيورين إلى تأسيس مدرسة نظامية تحفظ هيبة العلوم الدينية من جهة وتبسط يد التقرب والتودد إلى العلوم الدنيوية من جهة أخرى وفي نفس اللحظة تستقطب المتعلمين وتصقل مواهبهم المتنوعة لتصل بها إلى أكمل درجاتها. في بداية أمره افتتح مدرسة أهلية هي “مدرسة المناخ” في العام1907 محيث التحق بها أكثر من سِتِّيْنَ طَالِباً لتكون نواة أول مدرسة عصرية إذ جمعت مدرسته الصغيرة تدريس بعض أسس العلم الديني والدنيوي معا. شاءت الأقدار أن تتوقف المدرسة … ومضت الأيام ورغم العقبات الشاقة أثبت القناعي بعد جهد جهيد وبذل حميد أن العطاء الصادق لا بد أن يحقق مقصوده في نهاية المطاف مهما كانت السنوات عجاف. قامت المدرسة “المباركية” المباركة ثم تبعتها جارتها “الأحمدية” الحميدة وفي أقل من ربع قرن أَشْرَقَتِ الكويت بنور العلم فتكاثرت المدارس وتحقق الرجاء بعد طول عناء، وأقبل الرخاء بعد جهد البلاء.

وهكذا لم تمض سنوات حتى ترك ذلكم المعلم الكريم عِلْما عظيما يُنْتَفَعُ بِهِ بكرة وعشيا، أساسه الخلق القويم، والتعليم السليم، فسَنَّ القناعي بذلك سُنَّةً حَسَنَةً تزداد سمواً دوماً لأنها كرست القيم، ورسخت المعارف إلى يوم الناس هذا. إن عملية تأسيس المدارس خرجت أجيالاً متعاقبة {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} (إبراهيم: 25)، فقدم القناعي فِي غُضُونِ سنوات كفاحه المرموق قصة فذة للمعلم المتفاني في عمله، الرائد في تطلعاته حتى أصبح معلم الكويت الأول متألقا في قمته السامقة “ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ” (المائدة: 54).

كان النداء الإصلاحي يسري في روح القناعي وعزز ذلك غَزَارَة عِلْمه، وَرَجَاحَة عَقْله، وسلامة فطرته إلى جانب مطالعاته الموسعة للكتب التراثية الأصيلة والمجلات الثقافية المتألقة في زمنه من مثل مجلة المنار والمقتطف والهلال التي رسخت فيه محبة الإصلاح. ومن هنا أصبحت عملية تشييد المدارس حركة ملحة فرضتها عملية تنامي الوعي الثقافي وتزايد الأخطار الخارجية والمطامع الأجنبية التي وجدت في غفلة الشعوب العربية وتخلف سياساتها فرصة لا تعوض لبسط نفوذ التسلط لامتصاص خيرات المنطقة وإخضاعها لمصلحتها السياسية والعسكرية. السابقون إلى الإصلاح في المجتمع هم السابقون إلى بناء المدارس ونشر التعليم فالتوفيق منوط بتوعية الناس وتحرير العقول من الخرافات ، ولعل الشاعر معروف الرصافي (1877 -1945 م) كان يجسد طموحات المصلحين في بدايات القرن العشرين عندما أنشد قائلا:

ابنوا المدارس واستقصوا   بها الأملا
جودوا عليها بما دَرَّت مكاسِبُكم
إن كان للجهل في أحوالنا عِلَل

حتى نُطاول في بنيانها زُحلا
وقابلوا باحتقار كل من   بَخِلا
فالعلم كالطبّ يَشْفي تلكم العِللا

 


الثقافة أولا

الثقافة المنهجية المتفتحة هي القادرة على منح الذات والمجتمع القوة وَالمَضَاء، وهي القادرة أيضا على منع طوفان الطائفية وطغيان الفردية من تدمير وحدة الصف. قال المفكر مالك بن نبي (إن حاجة المسلمين إلى ثقافة التسامح أكثر من حاجتهم إلى امتلاك القنبلة النووية أو الذرية).

لقد نوع القناعي في ثقافته فكون لنفسه ثقافة واسعة وشخصية نادرة ومن هنا ندرك أن تنويع المصادر من أهم طرائق إعداد المعلم مهنيا وثقافيا وتخصصيا ولعل أهم ثمرة لهذا التنوع حماية ثقافة المعلم من جحيم التشدد والتحجر، وغول الغلو والتسلط، وضيق الأفق والتبلد. وفي صحيح مسلم: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ” قَالَهَا ثَلاَثاً ، والتنطع هو التشدد في غير موضع التشدد لأن المبالغة مذمومة. ولا شك أن ترك الدين أمر لا يقل خطرا عن التشدد فيه.

تأثر القناعي بعدة مجلات ثقافية أكثر من الاستشهاد بها، والإحالة إليها، والاعتماد عليها وهي مجلة المنار لمنشئها محمد رشيد رضا في عام (1315هـ = 1898م)، ومجلة المقتطف ليعقوب صروف وفارس نمر التي ظهرت عام (1293هـ  = 1876م) ومجلة الهلال لمؤسسها جرجي زيدان عام (1310هـ = 1892) ( انظر: علي، 2003م، ص 165، الموسوعة العربية العالمية). كانت مجلة المقتطف ومجلة الهلال من أشهر المجلات في تلك الفترة وتمثلان الخط التحديثي وخاصة في تبجيل الحرية والثناء على ثمرات العلوم الطبيعية في حين أن الغاية الكبرى لمجلة المنار إصلاح الفكر الديني كي يواكب العصر. وفي هذا السياق المعرفي الخصب نجد أن الصحف المصرية كانت منارات عصرية أنعشت الحياة الفكرية على طول وعرض البلاد العربية وأفاد منها الأستاذ الشيخ يوسف القناعي وراح يحذو حذو رشيد رضا وأستاذه محمد عبده حتى صار أستاذا في معرفة عصره وشيخا في فهم دينه. ولشدة إيمانه العميق بدور الصحافة في توصيل الثقافة نجد القناعي عام (1928م) يساند بقوة أديب ومؤرخ الكويت الكبير عبد العزيز الرشيد[1] عندما أصدر مجلة الكويت.

عنيت تلك الصحف فيما عنيت بالعديد من المعارف التربوية والوطنية والقومية والدينية والأدبية ولقد وجد القناعي فيها ضالته المنشودة وأحلامه المفقودة فأقبل عليها كمتطلع للمعرفة طامع بنشر الثقافة الدنيوية والدينية وأخذ يختصر موضوعاتها، ويناقش أهدافها، ويحلل مشكلاتها فتشكلت شخصيته الباحثة الناقدة التي أهلته لممارسة دوره كمعلم متشبع بالعلوم يسعى إلى اكتساب ونشر المعارف والآداب والأخلاق.

   وجد القناعي في الكتب والمجلات ما يعينه على اتخاذ مواقف متقدمة إزاء قضايا مطروحة حينذاك حيث كثرت “الموضوعات المختلف عليها فكانت تتركز في جواز قراءة الصحف والمجلات والكتب العصرية وبناء المدارس الحديثة وتعلم اللغات الأجنبية, فضلاً عن الموقف من الحقائق العلمية الحديثة التي كان الكويتيون للتو سمعوا بها ككروية, الأرض ونزول المطر من البخار” (اليوسفي،2004 م).

      وحرص القناعي في الملتقطات على تقديم تعريفات موجزة لعلوم منوعة إيمانا منه بأهمية تنويع الثقافة لقرائه فقال: “من الاصطلاحات الجديدة في العلوم:

1-     العلم الذي يبحث في الإنسان من حيث وجوده ورقيه، ومن حيث جسمه وروحه، يسمى (أنثروبولوجيا) أي علم الإنسان.

2-            العلم الذي يبحث في العقل يسمى (سيكولوجيا) أي علم النفس.

3-            العلم الذي يبحث في الجسم، أو علم وظائف الأعضاء يسمى (فسيولوجيا)” (125).

      وعن ثقافة التسامح في تلقي العلم يذكر القناعي ما يلي: أخذ البخاري عن عِمْرَان بنُ حِطَّانَ الخارجي، وأخذ عمر بن عبيد رئيس المعتزلة عن الحسن البصري، وأخذ زيد بن علي إمام الزيدية عن أبي حنيفة. يَتَمَتَّعُ القناعي بِعَقْلٍ راجح جعله يرحب بالشيعة والسنة ويبني بينهم علاقات متينة خالية من الحقد والضغينة بل جاءت كتاباته لتجمع الصفوف وتألف النفوس.

      وينقل القناعي عبارة مختصرة للفيلسوف جون ستيوارت مل (John Stuart Mill) في أن طالب الثقافة “يجب عليه أن يشعر بأنه حر الفكر له أن يجاري الغير في معتقداتهم وله أن يخالفهم فيها، وعليه إذا شك في صحة أمر أن يبحث وينقب ويبذل جهده ليقف على ما يروقه ويعتقده، وعليه أيضاً أن لا يلقي الكلام على عواهنه وأن لا يأخذ كل شيء بلا روية وتفكير” (الملتقطات، ص 258). ويرى جون ستيوارت أن الأفكار هي التي توجه التاريخ وهي العامل الحاسم في تحرك عجلة الحضارة الإنسانية.

      وفي الملتقطات نعثر على أنفس العبارات: ” يقول خالد بن يحيى البرمكي لولده: “اكتبوا أحسن ما تسمعون واحفظوا أحسن ما تكتبون وتحدثوا بأحسن ما تحفظون. وأنفقوا من الدنيا وهي مقبلة فإن الإنفاق لا ينقص منها شيئا، والدنيا دول والمال عارية ولنا فيمن قبلنا أسوة ونحن لمن بعدنا عبرة” (ص 291). ولأن تلك الكلمات لها وزنها التربوي نجد الكثير من المؤرخين قد دونوها في كتبهم من مثل ابن كثير في البداية والنهاية، وابن الجوزي في المنتظم، وياقوت الحموي في معجم الأدباء وغيرهم كثير.

إن التكوين الثقافي والمهني للمعلم لا يكتمل إلا بدراسة الفكر التربوي والتزود من تجارب رواد التربية ولهذا نجد القناعي يقتبس من العقاد طرفا من تعاليم رواد التربية مثل كونفوشيوس فيقول: وليس عند أهل الصين رسل ولا أنبياء، بل لهم معلمون ومربون، وأكبر معلم عندهم كونفوشيوس. ومن تعاليمه: الأمر بالصبر، والحلم، وبر الوالدين، والعطف على الأقربين والغرباء، وأن تقابل السيئة بالعدل، والحسنة بالإحسان. تركز فلسفة كونفوشيوس في كل تعاليمها على النواحي الروحية والأخلاقية بشكل عام.

عاش القناعي ثقافة عصره فانتقى أفضل الكتابات من وجهة نظره فقام بتدريسها في مجلسه (ديوانيته) ولخص بعض موضوعاتها في ملتقطاته من مثل كتاب فجر الإسلام لأحمد أمين (1886- 1954م). إن تلك المجالس الثقافية استفاد منها الأدباء من مثل عبدالرزاق البصير وغيره ومازال كتاب الملتقطات الذي كتبه القناعي يرشد إلى عيون الكتب ويعرف القارئ بفرسان المفكرين في القرن العشرين. إن ثقافة الانفتاح مفتاح هام لفهم شخصية القناعي وفهم رؤاه المتنوعة في إعداد وتأهيل المعلم المتمرس السمح وفق ثوابت واضحة كي يكون المعلم عارفا بعصره، ملما بتخصصه، معتزا بوطنه، محبا لدينه، عاملا بعلمه، خادما لمجتمعه.

في آفاق الأخلاق

الأخلاق النبيلة من المقومات العريقة لتكوين شخصية المعلم، ولا بد من حملها على الأعناق وصيانتها من الابتذال مهما كانت المشاق فمكانة المعلم محكومة بأخلاقه أولا، ومقيدة بعطائه ثانيا. يرى القناعي أن الأخلاق الكريمة هي دعامة النهضة ولكنه لا يقصد بالأخلاق ذلك المفهوم الضيق الذي يتضمن بضعة خصال حميدة. الأخلاق في رؤية القناعي أوسع من ذلك بكثير فهي تتفرع إلى أخلاق صناعية، وتجارية، واقتصادية، ومادية، وعلمية تشمل محاسن الدنيا ومحامد الدين وتقود نحو قلاع العزة والكرامة والسعادة. قال علامة الكويت عبدالله الدحيان:

هي الأخلاق يعشقها همام

لرفعة قدره رفعت منارا

 وقال معروف الرصافي:

هي الأخلاق تنبت كالنبات

إذا ُسقِيَت بماء المكرُمات

وينقل القناعي كلمة لمحمد عبده تكشف أهمية الأخلاق في نهضة الأمم وهي “إن النهوض بالأمة إنما يكون بسلوك السبل التي ترفع أفرادها وإن أهم واجبات الأمة هو تهذيب الأخلاق والعمل على سمو تفكير الناس وأفعالهم وبغير هذا يستحيل الإصلاح، وأول خطوة لهذا العمل إصلاح التعليم” (ص 250).

يعتقد القناعي بعد خبرة طويلة أن اختيار المعلم يجب أن يخضع لأساس الأخلاق وعليه طالب إدارة المعارف في زمنه بأن تضم إليها المعلم الجيد وتختاره على ضوء شهادته وديانته أما الاقتصار على الشهادة فقط فهذا خطأ كبير. وشدد على ضرورة اختيار المعلم الذي يكون محافظا على الصلاة كي يكون قدوة حسنة لطلابه فالمعلم أكبر مؤثر في تربية الطفل. ومن وصايا القناعي لأهل الكويت التمسك بالدين والأخلاق الحسنة وكان حريصا كل الحرص على التأكيد على هذه النصيحة.

إن النصائح التي ذكرها القناعي طبقها في الميدان فعندما كان رئيسا لمجلس إدارة المدرسة الأحمدية طلب من الشيخ عبدالله النوري العمل فيها حيث عمل مدرسا للدين واللغة العربية واستمر النوري بعمله في المدرسة يدرس خمسة دروس ويصلي في مسجد اليعقوب “الخالد” الأوقات الخمسة (النوري والنوري، 1995 م، ص 23). يقول الشيخ عبدالله النوري[2] “في الأمة شخص إذا صلح صلحت الأمة، وإذا فسد فسدت، ألا وهو المعلم”. ومن أدب المعلمين في الكويت أنهم يقدرون حق الرواد ويذكرون فضلهم فها هو عبدالله النوري يذكر الأجيال بشخصية القناعي بقوله:

فالكويتي   يا ابن عيسى مدين
ودليلي   مدارس وشباب

لك   بالعلم لم أقله فريا
يطلب   العلم بكرة وعشيا

وفي كتابه الموجز المنير صفحات من تاريخ الكويت يصف القناعي أستاذه عبدالله الخلف الدحيان (1292 هـ- 1349= 1875-1931 م) وكأنما يشرح صفات المعلم وهي صفات خرجت من حيز التنظير الضيق إلى أفق التطبيق الميداني فيقول القناعي عن أخلاق معلمه الدحيان “الشيخ عبدالله بن خلف: رحل إلى الزبير لطلب العلم، وتعلم عند الشيخ عبدالله بن حمود، والشيخ صالح المبيض، والشيخ محمد بن عبدالله العوجان، ورجع إلى الكويت وشرع في التعليم، وكان محله مدة حياته مجمعاً لطلبة العلم صباحاً ومساءاً، واستفاد منه كثير من طلبة العلم في الكويت، وتولى القضاء سنة 1348هجرية. وكان مثالاً للعفة والنزاهة والعدل، ولم نعرف أحداً تولى القضاء وأدى واجبه مثله. وكانت توليته القضاء بإلزام من الشيخ أحمد الجابر لأنه متعين عليه القيام بهذه الوظيفة حيث لم يوجد من يماثله في العلم والصلاح. واستقام في القضاء محتسباً لم يأخذ أجرة عليه، وتوفي سنة 1349هجرية في رمضان وصار يوم موته مصيبة كبرى على أهل الكويت”.

وهكذا فالمعلم الصالح المصلح هو الذي يرعى الْعِلْمَ حَقَّ رِعَايَتِه فيسير على صراط سوي فيفيد الناس من فيض علمه، وفضل عمله ويقدم للمجتمع خدماته حتى يكتب اسمه في سجل الخالدين.

التقى القناعي بشيخه الدحيان في مجالس العلم ومجامع المعرفة التي ترفع الناس درجات أو كما قال رب العزة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (المجادلة: 11). وكان الشيخ القناعي يرسل الرسائل لشيخه الدحيان يدعوه لزيارة مجلسه (ديوانيته) ويفتتح الرسالة بكلمات الود ويختتمها بإشارات الحب كقوله “بسم الله: أسعد الله مساء سيدي الشيخ عبدالله المحترم … إنه نرجوكم تشرفون المحب …محبكم يوسف” .

وكان الدحيان يوصي طلابه بالجد والاجتهاد ومجانبة الكسل ويكتب ذلك ويذكرهم بأبيات من الشعر مثل قول الشاعر الأندلسي إبراهيم بن مسعود الألبيري (375 – 460 هـ / 985 -1067 م):

فَقوتُ   الروحِ أَرواحُ المَعاني

وَلَيسَ بِأَن طَعِمتَ وَأِن شَرِبتا

وقول ابن الوردي  (691 – 749 هـ / 1292 -1349 م):

في   ازديادِ العلمِ إرغامُ العِدى

وجمالُ العلمِ يا صاحِ العملْ

وكان الشيخ الجليل الدحيان يعلم طلابه التشبث بالحسنيين: العلم والتعليم  (انظر: العجمي، 1994 م، ص 162، ص 180).

      درس القناعي على يد الشيخ عبدالله الدحيان مَتْن الآجُرُّومِيَّةِ فِي اَلنَّحْوِ لمحمد بن داود الصنهاجي (ت 733 هـ، 1332م( وهو كتاب مشهور شرحه عدد كبير من العلماء عبر العصور وكان يدرس في الأزهر الشريف ومعظم معاهد العلم إلى هذا اليوم. كان يوسف القناعي طالب علم نجيب يحب طرح الأسئلة ويتوسع في الاستفسارات وعندما شعر أنه أثقل على معلمه عبدالله لم يذهب إلى درسه فأرسل “إليه الشيخ عبدالله قصيدة يظهر فيها فضل الشيخ يوسف عليه، فرد عليه بقصيدة جاء في مطلعها:

تقول بدرسي أنني  لك محسن

فماذا القول الله أكبر

لا شك في أن هذه التجربة التي مر بها الشيخ يوسف أثرت به وزادت من ثقته بنفسه كما أن مناقشاته واستفساراته قد جعلت الدين يقوم عنده على أساس من البحث والمنطق والإقناع” (الجاسم، ص 13، بتصرف، الرومي، 1999 م، ص 458).

الحادثة السابقة جديرة بالذكر والتأمل لأنها تحكي لنا عن مشاعر معلم يمدح تلميذه ويطلب عودته إلى رياض العلم فيذكر فضله ثم نجد التلميذ من جانبه ينبهر بأسلوب معلمه المتواضع ويزاد له حبا ويرجع الفضل إلى أستاذه في البداية والنهاية. إن المحبة الصادقة التي تَغَلْغَلَت فِي نُفُوسِ كُلّ من الطالب (يوسف) والمعلم (عبدالله) ثمرة من ثمار الأخلاق الفاضلة في دوحة التربية التي تحبب الناس بالمعلمين، وتشوقهم لحضور مجالس العلم، وهكذا يجب أن تكون علاقة المعلم بمعلمه مليئة بالاحترام مفعمة بالتقدير. التواصل بين المعلم والمتعلم خلق كريم، وغرض شريف، وأدب عفيف يعطي الجميع نفحات الجد في السعي. في مثل أولئك وردت الآيات القرآنية الكريمة ، وتواترت الأحاديث النبوية الشريفة لتمجد شأن العالم والمتعلم فهما شقيقان يشقان طريقهما في بحار العلوم والآداب والفنون. إن السعي الصحيح سر نبوغ الشخصيات الخالدة وسبب بلوغ قمم المجد على امتداد التاريخ البشري المهيب.

وهناك في قاعة المدرسة المباركية قام خلق كثير في فنائها يرثون بوابل من الدمع شيخهم الدحيان ويتقدمهم حاكم الكويت أحمد الجابر الصباح (ت 1369 هـ =1950 م) وفي هذا المقام تقاطرت الكلمات وقام القناعي مؤبنا شيخه الراحل ومودعا معلمه الفاضل فقال:

يا   راحلا عنا بذا
فالناس حولك في المما

تك رفقا فإنا من هواتك
ت كما هم في حياتك

ثم يصفه ببحر العلوم في التفهم والتفهيم فيقول:

أرثيك   يا بحر العلو
من للدراسة في الكويـ
فالعلم أصبح مدبرا

م فلست أنسى فضل ذاتك
ـت وللإفادة من هداتك
وعن المدارس في مماتك

وفي رثائه وصف الشاعر صقر الشبيب بكاء يوسف القناعي على وفاة شيخه بأنه بكاء وفاء وثناء فقال:

فاذهب   عليك تحية  من راحل
بكاء مصلحها ابن عيسى عالما

بكت الكويت رحيله جمعاء
إن البكاء على علاك وفاء


معلم يكتشف الإبداعات

      إن المعلم اللبيب هو الذي يعرف طاقات طلابه فيوجهها نحو التنمية وليس على السَّاعِي المصلح المخلص أن يكون موفَّقاً في كل خطواته فالنتائج بيد الله وحده وهو سبحانه كريم العطاء عظيم السخاء. وفيما يلي خلاصة موقف رائع نجد فيه القناعي يحفز سيف مرزوق الشملان ويحببه في علم التاريخ ويستثير قدراته البحثية إلى أن صار الشملان بسعيه المتواصل واجتهاده الدائم مُؤرِّخاً مِن المُؤَرِّخِيْنَ الثِّقَاتِ فِي الخَلِيْج العَرَبِي؛ يُشَار إِلَيْهِ، وَيُعتَمَدُ عَلَيْهِ.

كشف سيف الشملان عن نقطة مهمة من نقاط التحول العلمي في حياته إذ قال كنت منذ الصغر أسمع اسم الشيخ يوسف يتردد في بيت جدي كما كنت في أول الثلاثينيات أشاهده يأتي إلينا في البر في فترة الربيع ومعه الشيخ عبدالله السالم[3]. وذهبت مرة لديوان الشيخ يوسف وأخذ يلاطفني كثيرا ثم إنه ذهب إلى داخل البيت وجاء ومعه هدية فأعطاني الهدية وفرحت فرحا شديدا وما زلت حتى كتابة هذه السطور أشعر بمنتهى السرور والغبطة بهدية الشيخ يوسف لي.

وفي سنة 1946 مأصدر الشيخ يوسف كتابه “صفحات من تاريخ الكويت” الطبعة الأولى فقال لي الوالد اذهب إلى الشيخ يوسف وقل له يعطيك نسخة من كتابه لتستفيد منه .. وذهبت إليه فرحب بي وكان يسألني عن المدرسة وفي أي صف أنا … واستفدت من الكتاب فائدة كبيرة. وفي سنة 1951 م أزمعت على السفر إلى قطر وكنت أريد أن أعرف عن تاريخ قطر فزرت الشيخ يوسف في ديوانه …وقال لي راجع كتاب معجم البلدان لياقوت الحموي فهو كتاب قيم ومفيد، وفي اليوم الثاني ذهبت إلى المكتبة العامة ونقلت ما ذكره ياقوت في معجمه عن قطر. كما راجعت عددا من الكتب وجدت بها معلومات قليلة عن قطر جمعتها في دفتر مع مقدمة وضعتها لها. وقبل سفري بيومين زرت الشيخ يوسف في ديوانه وعرضت له الدفتر فاطلع عليه وشكرني على جهدي وشجعني على المضي في هذا السبيل. وأذكر مما قاله لي ” مَنْ سارَ على الدربِ وصلْ [4]” فخرجت من ديوانه وأنا مسرور ومغتبط بعملي. وتشجيع الشيخ يوسف لي أول تشجيع لقيته في حياتي وكان له أثره الكبير في نفسي، لاسيما من شخص كالشيخ يوسف له مكانته العلمية. فهذا التشجيع والثناء هو الحافز الأول لي للمضي في مطالعة كتب التاريخ القديمة والحديثة … كنت أثناء كتابة بعض مقالاتي التاريخية دائم التردد على ديوان الشيخ يوسف، وكنت أسأله عما أجهله من تاريخ الكويت السياسي وكان رحمه الله يعطيني المعلومات ويرشدني… وكنت أزوره دائما وأستمع إلى أحاديثه الطيبة.

تلك العلاقة الراقية بين الشيخ يوسف والمؤرخ سيف الشملان تبرهن بجلاء شخصية وأخلاق المعلم الذي يرشد طلابه نحو مناهل العلم بلطف ويشجعهم على البذل بذكاء فيكتشفوا أنفسهم ويخدموا مجتمعاتهم. لقد سئل إدلر وهو أحد علماء النفس المشهورين عن أفضل هدية يحبها ويتمناها الطفل من والديه ومعلميه فقال:  هدية التشجيع (القشعان، 2005 م، ص 27). إن المعلم يجب أن يؤمن بقدرات طلابه ويظهر ذلك لهم ويعلمهم ويوجههم ويثق بهم. التحفيز خير ما يمكن أن نقدمه لطلابنا وطالباتنا إذ الدافعية والحرص أساس عملية التعلم وسر التفوق ومن أخطر الأمور أن يترك المعلم عملية تشجيع طلابه ويركز على نقل المعلومات فتضيع رسالته السامية. إن مهنة التعليم لا تستقيم إلا بفهم متطلبات المتعلمين والكشف عن قدراتهم وصفاتهم وصيانتها بالتشجيع وتنميتها بالتوجيه.

مثال ميداني لشخصية المعلم

      تتجلى روعة مجالس العلم في سماحة خلق المعلم ورجاحة عقل المتعلم.

إن المتتبع لسيرة القناعي سيجد حسن أدبه مع أساتذته والحرص على تسطير علومهم ونشرها كما كان يحفظ الكثير من أشعار أستاذه عبدالله آل عبد القادر ويردد مواقفه الطريفة ويترحم عليه ويثني على أسلوبه المهذب في التعليم. لقد درس القناعي على يد عبد الله بن علي آل عبد القادر (1270 – 1344 هـ / 1853 – 1925 م) ويذكر لنا التاريخ علو كعب هذا الشيخ في عدة علوم فهو “عبد الله بن علي بن محمد بن عبد الله بن أحمد النجاري الخزرجي، من ذرية أبي أيوب الأنصاري الشافعي. ولد في قرية المبرز من الأحساء، وحفظ القرآن وهو ابن اثنتي عشرة سنة، وأخذ عن جده ووالده علم التفسير والحديث والفقه وقواعد العربية. اشتغل بالقضاء بعد وفاة أبيه واستمر إلى آخر عمره. كان صاحب شاعرية فذة، وأسلوب رائع، وخيال واسع الأطراف، وأجاد فن المراسلة” (الموسوعة الشعرية، 2003م). الشيخ عبدالله “شيخ الأحساء في العلم والتقى ولزوم العبادة” (الرومي، 1999م، ص 460).  يقول القناعي (انظر الملتقطات ، ص 379-381) ولشيخنا المرحوم عبد الله بن علي آل عبد القادر الأحسائي الأبيات التالية:

خليلَيَّ شهرُ الصَّومِ   زُمَّت مَطَايَاهُ
فقُومَا بِنا نَبكي على حُسنِ عَهدِهِ
وَيَا حادِيَي أَظعَانِهِ لَو وَقَفتُمَا
عَلى أَنَّهُ يُقضَى الزَّمَانُ جميعُهُ
فَيا شهرُ لا تبعُد لَكَ الخَيرُ كلُّهُ
تَرَى زُمَرَ الأَحبابِ في ظِلِّ ليلِهِ
يُنادُونَهُ يا مَن إِلَيهِ مَلاذُنا
وَيَا حادِيَي أَظعَانِهِ لَو وَقَفتُمَا

وسارَت وفودُ العاشِقِينَ بِمَسراهُ
وما فاتَنا مِنهُ ونذكُرُ حُسنَاهُ
فَنقضِي مِنَ الأَوطارِ ما قَد نَسِينَاهُ
وما وطرٌ مِن حُبِّ ليلَى قَضَينَاهُ
فأَنتَ رَبيعُ الوَصلِ يا طِيبَ مَرعَاهُ
وُقوفاً عَلى أَقدامِ ذُلٍّ بِهِ تَاهُوا
وليسَ يلوذُ العَبدُ إِلا بِمَولاهُ
فَنقضِي مِنَ الأَوطارِ ما قَد نَسِينَاهُ

ويصف القناعي خلق أستاذه عبد الله في الكرم والحفاوة بطلاب العلم فيقول عنه ” أنزلنا الشيخ في المدرسة، ومنعنا من تكاليف المعيشة، وصرنا في ضيافته مدة إقامتنا وكان من مكارم أخلاقه أن يرى لنا الفضل عليه في الممالحة بسبب أنسه بنا وانشراح صدره” واستمتعنا بالدرس معه، كما كتب الشيخ عبدالله تقريرا موجزا عن الشيخ يوسف ومن معه من الطلاب ومدح مثابرتهم، وبهذه الأخلاق العالية يحب الناشئة طلب العلم فيبذلون الأسباب وتهون معظم الصعاب.

مأثورات ثمينة

لقد أودع القناعي في كتبه علما وفقها وأدبا بغرض تهذيب السلوك وتقديم طائفة من المأثورات الثمينة تجدد النشاط وتهذب الذات. وفيما يلي نماذج مختارة أوردها القناعي في كتابه الملتقطات وتدل على عقليته التربوية الرائدة.

قال حافظ إبراهيم (1871 -1932 م):

All these ingredients are blended in right dosage in 4T Plus capsules will relieve you from sexual disorders and boost order cheap cialis http://cute-n-tiny.com/category/cute-animals/page/68/ male stamina.

وَالمالُ إِن لَم   تَدَّخِرهُ مُحَصَّناً
وَالعِلمُ إِن لَم تَكتَنِفهُ شَمائِلٌ
لا تَحسَبَنَّ العِلمَ يَنفَعُ وَحدَهُ

بِالعِلمِ كانَ نِهايَةَ الإِملاقِ
تُعليهِ كانَ مَطِيَّةَ الإِخفاقِ
ما لَم يُتَوَّج رَبُّهُ بِخَلاقِ

ويقول القناعي:

فالقوم سادوا باختراع   وعمل

ونحن في تفرقة وفي كسل

ويقول: الْمَعِدَةُ بَيْتُ الدَّاءِ أي منبع الأمراض ثم يذكر قصة واقعية عن عاقبة ترك آدَابِ الأَكْلِ حدثت أمامه وذكرها لتزجر القارئ عن الإفراط في الطعام (ص 607).

ويروي القناعي عن المتوكل الليثي (ت704 م):

يا أَيُّها الرَجُلُ   المُعَلِّمُ غَيرَهُ
تَصِفُ الدَّواءَ لِذي السَّقامِ وَذي الضَّنا

هَلا لِنَفسِكَ كانَ ذا التَعليمُ
كيما يَصحّ بِهِ وَأَنتَ سَقيمُ

ولا شك أن العلم قرين العمل وبه يكتمل الشمل ولهذا شن القرآن الكريم هجوما عنيفا وشنع على الذين يفعلون خلاف ما يقولون فقال سبحانه {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } ، (البقرة: 44) وقال سبحانه{كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} (الصف: 3). يقول الشاعر:

ولا تَحْسِبَن   العِلْمَ في الناسِ مُنجياً

إذَا نُكِّبَت   أَخْلاقُهُمْ عنْ مَنَاره

وعن آدَاب الْعُلَمَاء يروي القناعي:

وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ   الْعِلْمِ صَانُوهُ صَانَهُمْ

وَلَوْ عَظَّمُوهُ فِي النُّفُوسِ لَعُظِّمَا

وعن المضمون الحقيقي لفنون الصمت يروي لنا القناعييَقُولُ عَبْدِ الْمَلِك بن مروان: إذَا جَالَسْت الْجُهَّالَ فَأَنْصِتْ لَهُمْ، وَإِذَا جَالَسْت الْعُلَمَاءَ فَأَنْصِتْ لَهُمْ، فَإِنَّ فِي إنْصَاتِك لِلْجُهَّالِ زِيَادَةً فِي الْحِلْمِ ، وَفِي إنْصَاتِك لِلْعُلَمَاءِ زِيَادَةً فِي الْعِلْمِ” (أدب الدنيا والدين للماوردي). يعلق القناعي على القاعدة التربوية السابقة فيقول” وليس معنى كلام عَبْدِ الْمَلِكِ أنك تلزم الصمت ولا تتكلم، فهذا كلام ليس مقبولاً، بل إن جالست من هو أعلم منك فسل واستفد منه وإن جالست مثلك، فليكن الحديث دائراً بينك وبينه. وإن جالست الجاهل المركب الذي لا يعلم ولا يدري أنه لا يعلم فعليك بالصمت معه لأن تعليمك له لا يفيد”.

وكان القناعي يروي عن الشيخ الإمام محمد عبده أنه قبل وفاته كان يحذر من التشدد الديني:

ولست أبالي أن يقال محمد
ولكن دينا قد أردت صلاحه

أبل أم اكتظت عليه المآتم
أحاذر أن تقضي عليه العمائم

وعن التعليم التقليدي العقيم قال القناعي “أعرب (زيد قائم): قال السيوطي ما خلاصته: أنه دخل على شيخه محيي الدين، فقال له: أعرب (زيد قائم) فأجابه السيوطي قد صرنا في مقام الصغار؟ فقال له الشيخ: إن لي فيها (113) بحثاً!.. ويعلق المرحوم الأمير شكيب أرسلان على ذلك بقوله: “ما سبقنا الأوروبيون في المعارف العمرانية والوسائل المادية إلا بكثرة اشتغالنا بمثل (زيد قائم) بينما هم يقضون أوقاتهم بالعلوم الرياضية والتجارب الطبيعية حتى تفوقوا وتغلبوا علينا”.

      إن القناعي يؤكد لأُوْلِي النُّهَى أن الانشغال في ترديد كلام لا طائل له والبحث في أمور عديمة الجدوى أساس البلوى بل من أهم أسباب ضعفنا الشديد المتمثل في تفرق العرب وتفوق الغرب.

      يحتوي كتاب الملتقطات على قسط وافر من محاسن الشعر العربي واللغة العربية الرصينة بوصفها ركيزة ثقافية، وبوابة لفهم الإسلام، وأداة لتميز الشخصية العربية لا يمكن الاستغناء عنها في عملية إعداد المعلم وتأهيله بل ينبغي توظيف الشعر العربي في عملية التكوين الثقافي للمعلم. ورد عن  عمر بن الخطاب، رضي الله عنه أنه قال لابنه عبد الرحمن: يا بني! … واحفظ محاسن الشعر يحسن أدبك … ومن لم يحفظ محاسن الشعر لم يؤد حقاً ولم يقترف أدباً … ارووا من الشعر أعفه، ومن الحديث أحسنه” (القرشي، ص10، باختصار). يُعدُّ الشعر العربي من وسائل الوعي التربوي، وسجلا حافلا بالقيم البانية للأخلاق، ومصدرا وافيا لمنجزاتنا وإبداعاتنا الحضارية الوافرة على مر التاريخ. واللغة العربية المشرقة فوق ذلك كله هي الذاكرة الحية التي دونت لنا خبرات الأمة بأمانة، وخزنت بدقة متناهية مكانة مكارم الأخلاق السامية.

وبدهيّ أن ملتقطات القناعي ساحة للرياضة الذهنية والسياحة النفسية، فقد تتبعت نبضات الفضائل العقلية والخلقية وأرشدت إلى موضعها بأسلوب رشيق، وعرض أنيق يفيض باللمسات التربوية الذكية. لاَ رَيْبَ أن الملتقطات عصارات جمعت في ثناياها ثروة دينية وقومية وتربوية وثقافية ووطنية نادرة النظير إذ يجد فيها القارئ رقة الأدباء، ودقة الفقهاء، وحكمة العلماء ، وهمة النبلاء فكتاب الملتقطات شيد يوسف القناعي أركانه ليكون خير زاد للمثقف المتفتح الذي ينشد الثقافة الرفيعة الممتعة المعمقة كي يوظف تلك الرؤى في ميدانه اليومي ويضيف إليها إبداعات جديدة.

العلم وفضله

ورد في الملتقطات: “قال الله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}، (الزمر: 9). وقال: { وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً}، (طه114). فالعلم، كما في اللسان: هو المعرفة بالشيء، تقول: علمت الشيء أعلمه علماً أي عرفته والله فضل العلم وأهله على الجهل وأهله، وشتان بين العالم والجاهل، فالعالم في مصاف الملائكة، إذا عمل بعلمه، والجاهل في مصاف الحيوان وهل المقصود بالعلم في الآية علم الدين فقط أو أن العلم إذا كان هو المعرفة بالشيء فهو يشمل جميع العلوم وإن كان علم الدين أشرفها وأعلاها والدليل على أن العلم يشمل جميع العلوم قول يوسف عليه السلام: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ }، (يوسف: 55). أي حفيظ لما جعلته بيدي من الخزائن، فلا أصرفها إلا بمصرفها، وعليم بالجمع والتوزيع، فهذا هو الاقتصاد. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: [أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ[5]]. وفي الأثر [اطْلُبُوا الْعِلْمَ وَلَوْ بِالصِّينِ]. فالصين ليس فيها علم الدين، ولكن فيها علم الصناعات وحيث نوه الله بشأن العلم وأهله وقلنا إن علم الدين أشرف العلوم وأعلاها … العالم الحقيقي لا الذي يحفظ المتون والشروح ودماغه مملوء بالخرافات لا يميز بين الصحيح والفاسد، والممكن والمستحيل” (باختصار وتصرف).

ومن الأقوال التربوية التي حرص القناعي على اختيارها لملتقطاته وتدل على إيمانه بضرورة تأصيلها:

قال الشَّافِعِيّ رحمه الله: “مَنْ أَرَادَ الدُّنْيَا فَعَلَيْهِ بِالْعِلْمِ ، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ فَعَلَيْهِ بِالْعِلْمِ”.

      ويرى شيخنا القناعي “إن الاشتغال بالعلم أفضل من نفل الصلاة والصيام وغيرهما من أعمال النفل المقصورة على الفاعل، ولم تتعد لغيره، ورد في ذلك، آيات وأحاديث كثيرة، مثل …[فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ]”[6]. وعندما يتحدث القناعي عن العلم فهو لا يقصد العلم الديني فقط، بل المراد من العلم معرفة الشئون الاقتصادية والمالية وتنمية موارد الثروة والزراعة والصناعة وكل معرفة تنفع النفس الإنسانية. وهكذا فهو يعتقد جازما أن فَضِيلَة الاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ وَالْحَثِّ عَلَى تَحْصِيلِهِ ، وَالاجْتِهَادِ فِي اقْتِبَاسِهِ ، وَتَعْلِيمِهِ لا يقتصر على الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ ولا بد من أن نجاري الأمم الحية في علومها، وصناعتها كي نحقق السعادة والسيادة. خالف القناعي معظم أهل عصره عندما حض على تعلم اللغات الأجنبية وطالب بتعليم (لسان الأجانب) مستدلا بمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَمْرِهِ زَيْد بْنَ ثَابِتٍ أَنْ يَتَعَلَّمَ السُّرْيَانِيَّةَ فتعلمها كتابة وقراءة.

المُعَلِّمُ الشَفُوق المُتَواضِعُ السَّخِيُّ

ومن الأمور التي ركز عليها القناعي قضية الرفق فالرفق أعظم ركن من أركان المطالب الإصلاحية. قال القناعي ” فعلى كل داع إلى سبيل الله ومرشد ومعلم، أن يتأدب بآداب القرآن ويدعو إلى سبيل الله باللطف بلا شدة، ويدفع الحجة بالحجة بلا غضب وعنف، بل يكون كالوالد الشَفُوق[7] على ولده، إذا كان يريد إرشاده، فإن قبل الإرشاد فذاك المراد، وإن لم يقبل فلا يغضب عليه أو يسبه أو يظهر له الغلظة، بل عليه ألا يكون آيساً من هدايته فلا يترك إرشاده في كل فرصة تسنح له”.

إن المتفحص لسيرة القناعي يعثر على طائفة قيمة من أخلاقيات المعلم الأساسية في حياته النظرية والعملية ويلاحظ بوضوح أن التَّوَاضُع سمة أساسية في تصرفاته بل من أهم أركان نجاحه، ودعائم تفوقه، وخلود ذكره. إن القناعي الذي تقلد مناصب رفيعة كان يعتبر نفسه دائما طالب علم لا يتوقف عن القراءة والبحث والتعلم ويفتخر بأنه طالب علم رغم أنه َقَدْ بَلَغَ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وهو ينعت المعلم المهذب والإنسان النبيل “التَّوَاضُعُ مِنْ أَخْلاَقِ الكرَامِ، وَالتَّكبرُ مِنْ شِيَمِ اللِّئَامِ، التَّواضُعُ يُوْرِثُ المَحَبَّةَ، وَالقنَاعَةُ تُوْرِثُ الرَّاحَةَ … وأَرْفَعُ النَّاسِ قَدْراً، مَنْ لاَ يَرَى قَدْرَهُ، وَأَكْثَرُهُم فَضْلاً، مَنْ لاَ يَرَى فَضْلَهُ”. وبما أن الشَّخْصِيَّة مجموعة الصِّفات الّتي تميّز الفرد فإن القناعي كان في غاية التَّوَاضُع مع الكبار والصغار ولا يدّعي ما ليس فيه فإذا سئل عن أمر لا يعرفه يحيل إلى من هو أعلم منه ويقول بكل تواضع لسيف مرزوق الشملان عندما سأله في مسألة تاريخية “أجهل هذه …غيري أحسن مني”. ذلك التواضع لم يمنعه أبدا من الجُرْأَةِ في قول الحق وَالإِقْدَامِ على الاجتهاد بَالإِرَادَةِ الصَّلْبَةِ.

      ومن حلية العلماء السخاء والجود ولقد كان القناعي يمد الحركة التعليمية بدعمه المالي السخي، وأنفاسه المخلصة، ودعواته الموصولة. قال السابقون “كان الرجلُ، من أهْلِ العِلْم … يُنفِق مالَه على عِلْمه؛ واليومَ يَكْسَبُ الرجلُ بعلمه مالاً. وكان يُرى على صاحب العلم، زيادةٌ في باطنه وظاهرِه؛ واليومَ، يُرَى على كثيرٍ من أهل العلم فسادُ الباطِنِ والظاهِرِ” (أبو عبد الرحمن السلمي، ص 26). إن الوظيفة الاجتماعية للمعلم تحتم مشاركته في قيادة المجتمع نحو تقديم مشاريع تنموية تنهض بمصلحة الجماعة وتحرز المزيد من الفاعلية والدينامكية فلا يقتصر دور المعلم على توصيل المعلومات فقط بل عمله يقتضي منه معايشة المجتمع وحل مشكلاته .

إن المعلم الموفق مهما انتقص الناس عمله لا يخيب أمله، ومهما أظلمت الدنيا في عينيه لا يتسلل اليأس إلى قلبه. وهكذا كان القناعي كلما هبت رياح التحديات في وجهه يزداد ثباتا على المبدأ الذي آمن به وسار عليه. عندما اضطر القناعي لترك المدرسة المباركية في فترة عصيبة تركها مجبرا ولكن نفسه الوضاءة كانت طيبة مطمئنة …ترك القناعي المباركية وهو يقول : الخير فيما اختاره الله وأخذ يردد قوله سبحانه {عَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (البقرة: 216).

 

العقل الناقد

إعمال العقل وحسن التدبر والتدبير من أجل وأجمل المواهب الربانية التي فتحت آفاق البحث العلمي وغرست الرغبة العارمة نحو حب الاستكشاف والبحث والتحري. والمعلم الناجح هو الذي يكرم العقل فيؤمن بدوره في تجويد نوعية الحياة ويقارع دعوى التقليد الأعمى، واحتكار ومصادرة الأفكار ، وتقديس الموروثات البشرية فإن تعطيل العقل جناية تحيل الحياة جحيما.

يرى القناعي أن الإسلام دين العقل فهو دين سهل مرن يتمشى مع منطق العقل وينبذ عوائق التفكير في كل زمان ومكان، ولكن التدين الفاسد والتشدد القاسي الذي مازلنا نتجرع منه المآسي انحرف عن مساره مما حدا بصفوة العلماء آنذاك إلى نقد ركام السخافات المنتشرة في أوساط العامة والخاصة من الناس. يذكر القناعي مشاهداته أثناء رحلاته فيقول “وقد شاهدت بنفسي في العراق والهند أموراً منكرة لا يقرها شرع، ولا يقبلها عقل، رأيت أناساً يستغيثون بصاحب القبر الميت، ويطلبون منه ما هو تحت تصرف الخالق ورأيت أناساً يتمرغون على الأعتاب، ويصيحون بطلب مرادهم من صاحب القبر وأناساً يضعون السلاسل في أعناقهم، وأناساً يدخلون أيديهم في شبابيك القبر رافعين الأصوات يطلبون من صاحب القبر الفرج، وأهل العمائم ينظرون إلى هؤلاء البلهاء ويلتمسون لهم القبول والشباب المتعلم ينظر إلى هذه السخافات ولا يفوه ببنت شفة. فرحماك يا رب من هذه العقول السخيفة”.

ويقول القناعي”ينظرون ويطلبون من الله الفرج، بلا سعي ولا عمل للحياة، وينتظرون خروج المهدي ليكشف كربهم، ويؤلف بينهم ‍‍! تاركين قوله تعالى: “وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ “(الأنفال: الآية: 60(. فهيهات لما تنظرون، فلا مهدي ينتظر، ولا رقي ولا عزة إلا بالعلم والعمل “وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ “(التوبة الآية 105)”.

وعن العقل الناقل الناقد قال القناعي “خلاصة ما يراه الشيخ محمد عبده في كتب الفقه في القرون الوسطى باختصار:

أولا: يرى أن هذه ا لكتب تأثيرها على المسلمين تأثير سلبي.

ثانيا: أنها تجمد العقل الإسلامي وتمنعه أن يساير الحياة في تأثيرها وتطورها.

ثالثا: يرى أنها تمنع الاهتداء بالقرآن والسنة الصحيحة اهتداء مباشرا في تكييف الإنسانية المتجددة من جانب آخر.

رابعا: يرى ما دمنا مقيدين بعبارات كتب المتأخرين بحيث لا نعرف الدين إلا منها فلا نزداد إلا جهلا وإن حالة الفقهاء في كتب المتأخرين هي التي ضيقت الدين” (ص 494).

“إن العربي والأوروبي والهندي لا يمتاز أحدهم على أحد، من حيث فطرة الله التي فطر الناس عليها، وإنما هذه الفروق بين الأمم كلها، من تأثير البيت والبيئة التي يعيش فيها” (ص 114).

يقول القناعي في ملتقطاته “والناس مولعون بغرائب الأخبار. وترى الواعظ الذي يذكر في وعظه ما هب ودب بلا تمحيص يكثر إليه المستمعون والذي يعتمد على الصحيح ينفرون عنه” (ص 181).

“ونصيحتي لك أيها القارىء الكريم أن لا تثق بكل ما سطر بالكتب إلا بعد التمحيص والتدقيق، واجعل رائدك طلب الحقيقة لا التحامل على المتقدمين فالإنسان محل الزلل، وكل يؤخذ من كلامه ويرد، والله الهادي إلى الصراط المستقيم” (ص 183).

وينقل عن ابن خلدون: “العقل ميزان صحيح ولكنك لو أردت أن تزن به أمور التوحيد والآخرة وحقيقة الوجود والنبوة وكل ما وراء طوره فإن ذلك طمع في محال، ومثال ذلك رجل رأى الميزان الذي يوزن به الذهب فطمع أن يزن به الجبال”.

القصة والطرائف

“قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إنَّ الْقُلُوبَ تَمَلُّ كَمَا تَمَلُّ الأَبْدَانُ فَاهْدُوا إلَيْهَا طَرَائِفَ الْحِكْمَةِ” . إن المتتبع لكتابات القناعي يجده مثل الجاحظ في كتابه الحيوان يلطف كتبه بذكر بعض المضحكات.

يقول القناعي كنا “في سفينة للسيد خلف النقيب فزارنا أحد التجار وآثار الصيام بادية عليه، فلما جلس قال للسيد إن الصيام في الصيف شديد، فكيف إذا كان الحج في رمضان؟ فقلت له: وهل يكون الحج في رمضان؟ فانتبه لنسيانه فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، ألهتنا التجارة حتى صرنا نخلط الأوقات ولا نميزها” (ص 234). ويمضي القناعي ليروي لنا حكاية طريفة فيقول عض كلب أحد البحارة “وكان البحار صاحب دعابة ويحب المرح. ومن الثابت عند أهل البحر أن من عضه المكلوب ينبح بعد أربعين يوماً ثم يعض الناس مثل الكلب. فلما مضت الأربعون على البحار وهم على ظهر السفينة، ذهب البحار بقرب النوخذا (قائد السفينة) وقال له: عمي أريد أن أنبح، فلما سمع منه النوخذا ذلك تأخر عنه وقال له: لا يا ولدي لا تنبح وكان يتأخر والبحار يقترب منه!! فقال البحار: عمي أشعر أنني أريد أن أنبح … وفعلاً نبح البحار كما ينبح الكلب، فرمى النوخذا نفسه بالبحر من شدة الخوف وكذلك هرب منه البقية من البحارة فمنهم من رمى نفسه بالبحر ومنهم من تعلق بحبال السفينة، فحينئذ أخبرهم بالحقيقة أنه ليس به داء الكلب وإنما قصد مداعبتهم” (ص 235، بتصرف).

      وفي الملتقطات “وقف بعض الأمراء على باب طحان فرأى الجرس معلقاً برقبة الحمار، فقال للطحان: لماذا وضعت هذا الجرس؟ فقال: لأعلم به وقوف الحمار. فقال له الأمير: أرأيت إن وقف الحمار وحرك رأسه بالجرس. فقال الطحان: من لي بحمار يكون عقله مثل عقل الأمير!” (ص 271).

قوة الشخصية

كان القناعي نعم العون للطلاب في ظروفهم الصعبة يقدم لهم الدعم ويتدخل لحل مشكلاتهم لأنه كان شخصية مرموقة. عندما سجن الأستاذ الأديب عبدالله زكريا الأنصاري بسبب نضاله ضد كيد الانجليز ورغبتم في تغيير المناهج الدراسية في العام1943 متدخل الشيخ القناعي وساهم في الإفراج عنه وعن زملائه (الديين، 2005 م، ص 23).

حرص القناعي على تلخيص مقال عن بناء الشخصية السوية القوية فكتب التالي في ملتقطاته “تعتمد قوة الشخصية على أركان:

(1) حب العمل والمراد منه الثبات على العمل بالمداومة عليه وتجويده.

(2) الترفع عن مغريات المادة والمراد به أن لا تكون مصلحة الشخص النفسية مقدمة على مصلحة المجموع.

(3) الصراحة بالقول لأن الصراحة بالقول دليل على عزة النفس والاستقامة وأما المراوغة والتسويف وخلف الوعد فهي من ضعف الخلق ونقص الشجاعة.

(4) الثبات على المبدأ الصالح بلا تعصب فتجد من الناس من إذا رأى الطريق الذي مبدأه حق ثبت عليه لا يتزحزح عنه ومنهم الذي لا مبدأ له يدور مع الريح حيث دارت.

(5) احترام النفس فالإنسان الذي لا يحترم نفسه لا يحترمه الناس فعلى الإنسان تجنب كل ما من شأنه أن يحط من كرامته وعليه أن يظهر بالوقار والرصانة.

(6) الصبر على خشونة الحياة وتجنب الانغماس في النعومة والرفاهية.

(7) كبح الغضب وتجنبه كما فعل النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع الأَعْرَابِيّ الَّذِي جَبَذَهُ حتى أثر الرداء في جسده من شدة الجبذ فقال، للرسول أعطني من مال الله فضحك النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وأمر له بالمال” (ص 336-337).

 

التَّجْدِيد والمَجْد التَليد

      كان يوسف القناعي دمث الخلق وصاحب شخصية متزنة متميزة تمثل شخصية المتعلم والمعلم الطموح والصابر والسخي والمتواضع والمثقف والمجد والمبدع …. وظل صادق اللهجة مخلصا في نصائحه فصار من مصابيح الهداية حقا، ومن منارات الحكمة صدقا ، وفي أمثال القناعي ينطبق عليهم قول الرصافي:

مضى بعدما أمضى حياةً   سعيدة
وخَلف آثاراً خوالد بعده

 

 

تبسم فيها العلم والفضل والفخر
يطيب له مدّ الزمان بها ذكر

      إن المواقف التربوية المذكورة في هذه الدراسة – وغيرها أكثر بطبيعة الحال – باتت الحاجة إليها حاجة ملحة كأداة فعالة لإِعَادَة النَّشَاط وَالحَيَوِيَّة الْحَقَّة إِلى تربيتنا المعاصرة لإعداد المعلم مهنيا وأكاديميا على ضوء بيئته العربية العريقة، ومن وحي أعرافه، ورحيق أسلافه الذين أسهموا بتأسيس المدارس ورعاية الناشئة فتركوا إرثا ثقافيا راقيا. إن المجتمع الكُوَيْتِيّ مجتمع أصيل يَتَمَتَّعُ بِمَجْدٍ تَليدٍ في ميدان التربية والتَّجْدِيد.

شخصية القناعي من منظور وليد الرجيب

أصبوحة / استنارة الشيخ يوسف بن عيسى

وليد الرجيب

 كنت في حديث مع الصديق الدكتور شملان العيسى، شفاه الله وعافاه, حيث يتلقى في هذه اللحظات علاجاً في مدينة «كليفلاند» بالولايات المتحدة الأميركية, كان حديثنا عن والده المرحوم الشيخ يوسف بن عيسى القناعي.                         قال الدكتور شملان: طالما تساءلت عن أسباب انفتاح وتسامح وتطور عقلية الشيخ يوسف, هل هي طبيعة عائلة القناعات, أم التنشئة, أم اطلاعه وثقافته الواسعة؟
كان رأيي حينها، أن هناك عوامل متعددة, منها ذاتي ومنها موضوعي، ولا أظن اطلاقاً أن السبب الحاسم هو طبيعة عائلة القناعات، ففي الكويت هناك عائلات ذات طبيعة انفتاحية أو ثقافية أو فنية ولكن ليس بالمطلق، مع كل التقدير والاحترام، وكثيراً ما نرى أن الآباء والأجداد يكونون أحياناً أكثر تقدماً وانفتاحاً من أبنائهم، وازداد هذا الأمر وضوحاً في سنوات المؤامرة على التنوير والثقافة والتحضر.

نذكر جميعاً، أن أبناء أحد رواد فن النحت الرائعين حطموا منحوتاته وتماثيله التي رفعت رأس الكويت، ووضعتها في مصاف العالم المتقدم في هذا المجال، وهنا لا نقصد انتقاد هذه الحالة باعتبارها فردية وخاصة، ولكنها حالة موجودة تكررت بشكل واضح في السنوات الأخيرة، فاتلاف شعر فهد العسكر أو تبرؤ أهل شاعر آخر منه، أمثلة تاريخية واضحة.

يذكر الدكتور خليفة الوقيان في كتابه القيم «الثقافة في الكويت/بواكير واتجاهات»، أن من عوامل الاهتمام المبكر بالثقافة في الكويت، هي طبيعة السكان, وطبيعة الموقع، وطبيعة النظام السياسي، والمؤثرات الخارجية.
ومن يعتقد أن هذا الرأي هو رأي شخصاني، أو موقف فكري محدد لبعض مثقفي الكويت، فليراجع كتابات الرحالة الأجانب وانطباعاتهم عن الكويت وأهلها منذ قرون، ولا حاجة لنا لذكر أن موقع الكويت عبر تاريخ كل الحضارات كان محطة للتجارة والترانزيت، (ويقول الكولونيل «لويس بيلي» الذي زار الكويت في العام 1863م والعام 1865م، واصفاً التاجر الكويتي يوسف البدر ومجلسه: «مكنتني اقامتي في الكويت من رؤية الداخل، والحياة اليومية في بيت شيخ عربي، ولا أعتقد أن هناك جنتلمان انكليزياً يمكن أن يكون ودوداً ومضيافاً مثل يوسف البدر»، ومع أن الشيخ يوسف متشدد جداً في أمور الدين فقد سمح لنفسه بأن يقرأ عن الديانات الأخرى»)… انتهى المقتطف من كتاب الدكتور الوقيان.

إن التحضر والانفتاح والتسامح هي سمات للكويتيين، اذ يذكر للشيخ يوسف بن عيسى القناعي تسامحه الكبير مع الديانات الأخرى, رغم أنه كان رجل دين وقاضا، فعندما بدأت المرحلة الثانية من تهجير اليهود الكويتيين في أربعينات القرن الماضي، كان هناك كنيس لليهود في منطقة شرق، في مكان سوق الكويت الآن، وقبل أن تغادر الأسر اليهودية سلموا مفتاح الكنيس للشيخ يوسف بن عيسى على أمل عودتهم الى وطنهم الكويت ثانية، في تلك الفترة كان يهود الكويت يتعرضون الى السخرية والأذى من قبل بعض أهل الكويت وخاصة الأطفال، وازداد هذا الأذى بعد قضية فلسطين وموقف الدول العربية من اليهود، ويقول الدكتور شملان العيسى إن والده كان ينهرهم ويمنعهم من التعرض لليهود.

كان الشيخ يوسف بن عيسى من أشد المدافعين عن الدين الاسلامي، لكنه في نفس الوقت كان يحمل هم ضرورة التحديث، ولم يجد تناقضاً بين رسالته كقاض ورجل دين وبين مشروعه التنويري، ولم يكن التنوير لديه مفهوماً فلسفياً مجرداً، لكنه كان مشروعاً واقعياً ضرورياً للنهضة والتنمية وتحقيق رسالة الاسلام الدنيوية والدينية، وتعميقا لقيم عقلانية في المجتمع، ليس بين النخب المثقفة فقط ولكن لسائر أبناء الشعب الكويتي.
وذلك لا يعني عدم وجود حركة مضادة من اتجاهات لا عقلانية، متعصبة حاربت بشدة وشراسة مشروعه التنويري، فقراءة متأنية في كتابه «المقتطفات»، وملاحظاته وتعليقاته على القضايا الفقهية والأدبية، تكشف لنا كيف كرس هذا الرجل حياته من أجل الدفاع عن التحديث والعقلانية، بل بادر لتأسيس أول مدرسة نظامية في العام 1911م، وطالب بالغاء «الكتاتيب»، ما أعطى لمشروعه التنويري قيمة واقعية، ولم يقض حياته بالجدل حول أهمية وضرورة الحداثة، بل بادر الى ذلك بنضال محسوب، وبرؤية مستقبلية، ولم يلتفت إلى حروب الجهل والغلو ضد التنوير، وفهم أن التنوير ليس نقاشاً فلسفياً فقط, ولكنه مشروع نهضوي عملي. فعندما تأسست المدرسة الأحمدية باقتراح من مثقفي ووجهاء الكويت، عارض المتزمتون ادخال العلوم العصرية واللغة الانكليزية في المناهج الدراسية، ولأن السمة الاصلاحية وعدد المستنيرين كانوا أكثر من أصحاب الغلو، تم تنفيذ هذا المشروع على يد الشيخ يوسف بن عيسى وآخرين، ولم يستطع فكر التخلف والغلو أن يوقف عجلة التقدم والتاريخ.

كان الشيخ يوسف يحمل ثقافة دينية، وكان التراث الثقافي الديني لديه متجاوراً مع التحديث، بل ومتفاعلا مع متطلبات العصر, وظل الشيخ يوسف قاضياً ومفتياً بالأمور الشرعية حتى تعب في أواخر أيامه، عندما ظل الناس يزورونه في بيته بأعداد كبيرة للافتاء أو التقاضي، حتى اضطر ابنه الكاتب الصحافي حسن العيسى إلى تعليق لوحة على الباب مكتوب عليها اعتذار الشيخ عن عدم استقبال طالبي الفتاوى، والأسئلة الشرعية.

صحيح أن التنشئة والثقافة الشخصية تلعب دوراً في الفكر التنويري، لكن البيئة الاجتماعية الكويتية وقيمها الفكرية الراسخة لعبت دوراً في عقلية الشيخ يوسف المنفتحة والمستنيرة، وكما قلنا سابقاً فهناك الكثير من الأمثلة على أبناء لمفكرين وأدباء وفنانين، لم يرثوا بالضرورة هذا الانفتاح والاستنارة.

وينطبق هذا الأمر على الزمان والمكان، فرغم وضوح الفكر التنويري في بدايات القرن الماضي، إلا أن ذلك لا يعني أن الزمن قضى على اللا عقلانية المتعصبة والغلو وضيق الأفق التي تحاول العودة بالمجتمع إلى أزمان الانغلاق.
فهل ستشهد السنوات المقبلة عودة للانفتاح والتسامح والاستنارة؟ لا نشك بذلك إطلاقاً” (الرجيب، 2007 م، ص 31) .


أهم المراجع

 أبو الجبين، خير الدين (2002 م). قصة حياتي في فلسطين والكويت. ط1، الأردن: دار الشروق.

أبو عبد الرحمن السلمي (2005م). طبقات الصوفية. موقع الوراق: http://www.alwaraq.com

باركي، فورست وستانفرد بفرلي (1425 هـ 2005م). مهنة التعليم: المؤثرات على حياة المعلمين المهنية. ترجمة يونس عبدالله ومراجعة محمد طالب السيد سليمان. فلسطين: دار الكتاب الجامعي.

تمام ، أحمد (1426 هـ – 2005 م). رشيد رضا: الإصلاح يبدأ بالصحافة والتعليم. موقع إسلام أون لاين (تاريخ دخول الموقع 3 – 7 – 2005 م): http://www.islamonline.net/Arabic/history/1422/08/article13.shtml

الجاسم، نجاة عبدالقادر (1409 هـ – 1989 م). الشيخ يوسف بن عيسى القناعي: دوره في الحياة الاجتماعية والسياسية في الكويت. الكويت: شركة كاظمة.

خلف، فاضل (1994 م). الشيخ يوسف بن عيسى القناعي ووجه الكويت القديم … صفحات سجلت بدم الإنسان فوق الضفاف والصحراء. صحيفة الرأي العام: 1-9- 1994 م، رقم العدد 10507.

الديين، أحمد (2005 م). شهادة تاريخية الأستاذ … مناضلا سياسيا. في مجلة الكويت. كتاب الكويت الأول: عبدالله زكريا الأنصاري… حياة كاملة. عدد 259.

الرجيب، وليد (1428 – 2007م). استنارة الشيخ يوسف بن عيسى . في جريدة الراي – العدد 10232- AO)، 7-7-2007م.

الرومي، عدنان بن سالم بن علي (1420 هـ – 1999 م). علماء الكويت وأعلامها خلال ثلاثة قرون. ط 1, الكويت: مكتبة المنار الإسلامية.

الزركلي، خير الدين (2002م). الأعلام: قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين. بيروت: دار العلم للملايين.

الزيدي، مفيد (1998م). بدايات النهضة في منطقة الخليج العربي في النصف الأول من القرن العشرين. ط1، أبوظبي: مركز لإمارات والدراسات والبحوث الإستراتيجية.

السهلي، عبدالمحسن عبدالعزيز (1973 م). مع الأيام. (مقال صحفي). الكويت.

الشملان، سيف مرزوق (1973 م). لمحة خاطفة عن حياة الشيخ يوسف بن عيسى القناعي. الكويت: 12 – 7 – 1973.

الشملان، سيف مرزوق (1973 م). من أعلام الكويت: الشيخ يوسف بن عيسى القناعي (حياته، مؤلفاته، أعماله، شعره). الكويت: مجلة مرآة الأمة.

العتيقي، عبدالله سليمان عبدالله (1426 هـ – 2005م). المنهج التربوي للحركة الإسلامية المعاصرة وأثره على المجتمع الكويتي. ط1، مكتبة المنار الإسلامية.

العجمي، ناصر (1415هـ – 1994 م). علامة الكويت: الشيخ عبدالله الخلف الدحيان. الكويت: مركز البحوث والدراسات الكويتية.

 علي، سعيد إسماعيل (2003 م). ثقافة البعد الواحد. ط1، القاهرة: عالم الكتب.

      الغانم ، يوسف الشاهين (بدون تاريخ). الكويت قبل النفط.

القرشي، أبو زيد (1426 هـ – 2005 م). جمهرة أشعار العرب. موقع الوراق: http://www.alwaraq.com

القشعان، حمود (2005م). الرقابة السابقة أم اللاحقة؟ سلسلة تربية الأبناء الرابعة: خير الأمور الوسط. الكويت: الصندوق الوقفي للتنمية العلمية والاجتماعية.

القناعي، يوسف بن عيسى (1408 هـ – 1988 م). صفحات من تاريخ الكويت. ط5، الكويت: ذات السلاسل. الاستعانة أيضا بنسخة منشورة في موقع الجناعات:     http://www.alqenaei.net

القناعي، يوسف بن عيسى (1966 م). مقابلة تلفزيونية أجراها المؤرخ سيف مرزوق الشملان. الكويت.

  القناعي، يوسف بن عيسى (1998 م). الملتقطات: حكم وفقه وأدب وطرائف. ط2، الكويت. وتمت الاستعانة أيضا بنسخة منشورة في موقع الجناعات:     http://www.alqenaei.net

الكندري, لطيفة حسين وملك, بدر محمد ( 1425هـ = 2005م). تعليقة أصول التربية. ط2, الكويت: مكتبة الفلاح.

الكندري، لطيفة حسين (1424 هـ = 2003 م). موقع د. لطيفة الكندري: http://www.geocities.com/alkanderi1

ملك, بدر محمد (1424 هـ = 2003 م). موقع د. بدر ملك: http://www.geocities.com/ta3leqa1

ملك، بدر محمد  والكندري،  لطيفة حسين (1426 هـ – 2005 م). الفكر التربوي عند معلم الكويت الأول الشيخ القناعي. في المجلة التربوية: جامعة الكويت، (العدد 76 ، المجلد 19، شعبان 1426 هـ – سبتمبر2005 م).

ملك، بدر محمد والكندري، لطيفة حسين (1424 هـ = 2003 م). مختصر كتاب تراثنا التربوي: ننطلق منه ولا ننغلق فيه. ط1. الكويت: مكتبة الفلاح.

الموسوعة الشعرية (2003 م). أبوظبي: المجمع الثقافي.

الموسوعة العربية العالمية (2004 م). http://www.mawsoah.net

مَوْقِع الإسلام: http://www.al-islam.com/arb

موقع المحدث: http://www.muhaddith.org

موقع الوراق: http://www.alwaraq.com

موقع صخر (المعاجم العربية): http://qamoos.sakhr.com

النوري، عبدالباقي عبدالله والنوري، أنور عبدالله (1995 م). الشيخ عبدالله النوري: حياته ومؤلفاته. ط1، الكويت: جمعية الشيخ عبدالله النوري الخيرية.

النوري، عبدالله. قصة التعليم في الكويت. الكويت: منشورات ذات السلاسل.

الهدف (1973 م). إلى الله يا والد الجميع. الكويت: 12 – 7 – 1973.

اليوسفي محمد حسين (2004 م). الإرهاصات الأولى للمجتمع المدني: حالة المجتمع الكويتي: المجتمع في وجه سلطان الدولة. مجلة الأزمنة العربية: العدد 282 ـ 15 نوفمبر 2004. قدمت هذه الورقة تحت عنوان الإرهاصات الأولى للمجتمع المدني, حالة المجتمع الكويتي كمشاركة في الدورة التدريبية التي نظمتها وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بمملكة البحرين تحت عنوان: “حول تفعيل أساليب منظمات المجتمع المحلي في التأهيل والاندماج الاجتماعي” في الفترة من 2-4 أكتوبر 2004. موقع مجلة الأزمنة العربية: http://www.alazmina.info/issue282/17.html


[1] قال الزركلي (2002 م) “عبد العزيز بن أحمد الرشيد البداح الكويتي الحنبلي: فاضل، من الكتاب، له اشتغال بالتاريخ” (ج4، ص 15). ولقد قام د. يعقوب الحجي بكتابة سيرة حياة عبدالعزيز الرشيد بالتفصيل وقام مركز البحوث والدراسات الكويتية بنشر الكتاب.

[2] (قصة التعليم في الكويت في نصف قرن، ص 12). يروي عبدالله النوري عن والده أنه قال له “العربية سلم العلوم، إذا عرفتها استطعت أن تقرأ وأن تفهم ما تقرأ” وقال عبدالله النوري “خير هدية يهديها لي صديق هي الكتاب، أي كتاب”.

[3] ورد في الموسوعة العربية العالمية (2004 م) ” ويعد عصر الشيخ عبدالله سالم الصباح من أهم فترات تاريخ الكويت الحديث؛ فقد نالت الكويت استقلالها خلال عهده، وكان ذلك في 19 يونيو عام 1961م. وفي العام نفسه الذي تحررت فيه الكويت من الاستعمار البريطاني، التحقت بجامعة الدول العربية. وبعد عامين من استقلالها أصبحت الكويت عضوًا في هيئة الأمم المتحدة (وهي العضو رقم 111). ولعلّ أهم إنجازات الشيخ عبدالله السالم صدور دستور الكويت في عهده (1382هـ، 1962م)، وإقامة الحياة النيابية، فهو أبو الحياة الدستورية والشورية في تاريخ الكويت”.

[4] قال ابن الوردي:

واهجرِ النومَ   وحصِّلْهُ فَمَنْ
لا تقلْ قدْ ذهبَتْ أربابُهُ

يعرفِ المطلوبَ يحقرْ ما بذلْ
كلُّ مَنْ سارَ على الدربِ وصلْ

[5]  انظر صحيح مسلم: كتاب الفضائل: باب وجوب امتثال ما قاله شرعا، دون ما ذكره صلى الله عليه وسلم من معايش الدنيا، على سبيل الرأي.

[6] ذكر النووي في المجموع: شرح المهذب “قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ . ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّ اللَّهَ ، وَمَلائِكَتَهُ ، وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ ، وَالأَرْضِ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا ، وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِي النَّاسِ الْخَيْرَ} رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ ، وَقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ “.

[7] ورد في المعجم الوسيط ” شَفُوقٌ – [ش ف ق]. (صِيغَة فَعُول). “رَجُلٌ شَفُوقٌ” : ذُو شَفَقَةٍ”.