الكندري، لطيفة حسين – ملك، بدر محمد ملك (2009م). معوقات تربية المرأة في الفكر التربوي الإسلامي وتداعياتها المعاصرة. مجلة البحث في التربية وعلم النفس. المجلد 22، العدد 2، أكتوبر. جامعة المنيا.

 

معوقات تربية المرأة في الفكر التربوي الإسلامي وتداعياتها المعاصرة

إعداد

أ.د. لطيفة حسين الكندري (*)              أ.د. بدر محمد ملك(**)

المقدمة  :

ليس ثمة موضوع أدعى للبحث والدراسة من تربية المرأة عبر القرون؛ لأنه موضوع يمس المجتمع بأسره، والمستقبل بأكمله. إن شأن المرأة من منظور الفكر التربوي يحمل معطيات تربوية جديرة بالتحليل، وصولا إلى استثمار التراث عمليا وتوظيف نتائجه، فالتراث ثمرة لعمليات تربوية ومخرجات تعليمية نجحت في البقاء والاستمرار من جيل لآخر.

وتشير التقارير المحلية والدولية إلى إشكالية المرأة العربية، فنسبة غير قليلة من العربيات يعشن مع بقايا القيود الاجتماعية والمثبطات النفسية المتمثلة في هيمنة العادات القديمة البالية: فليس لهن حق التعليم أو اختيار التخصص الدراسي أو ميدان العمل أو الزوج إلا في أضيق الحدود. ومن جهة أخرى وعلى النقيض الآخر نجد تقمص الشخصية الغربية في أوساط فئة -جانبها الصواب- فأخذت المرأة تلهث خلف حرية مزعومة، حتى تضاءلت مساحة الهوية الأصيلة، وانكمشت الذاتية الحضارية وسط التقليد الأعمى للأجنبي.

لقد احترم الإسلام مكانة المرأة أيما احترام، فهو دين الفطرة النقية حيث أمر بالعناية بتعليم وتربية البنات، وحض نظريا وعمليا على ذلك. إن من أعز ما يقدمه الإسلام للإنسانية الصورة الناصعة المنصفة لطبيعة المرأة، وتكوينها الجسدي والنفسي ،حيث يؤمن بأن مواهبها واستعداداتها تسع لتحصيل المعارف، وتنمية المجتمع، وإدارة الأمور في الحياة الخاصة والعامة. فالتربية الإسلامية تقوم على أن عملية تثقيف البنات من أوجب الواجبات .

إن الكثير من وصايا القدماء التي يراد لها أن تكون الحق وحده والفيصل في الأمر كله ، تهدف في نهاية المطاف إلى عزل المرأة عن مجريات الحياة الفاعلة في مجتمعها. هذا الاتجاه يواجه اليوم نقدا موضوعيا متناميا؛ لأنه يعارض سماحة الإسلام ومرونته أولا ، ويناقض أبسط مبادئ المواطنة ، والمواثيق الدولية ، والتوجهات التربوية المعاصرة ثانيا.

 ” لو كانت عوائدنا فيما يتعلق بالنساء لها أساس في شريعتنا لكان في ميلنا إلى المحافظة عليها ما يشفع لنا” (عمارة، 2006 ، ص 412) ولكن سطوة العادات الجائرة لها هالة في نفوس معظم الناس. إن تحرير المرأة مطلب إصلاحي في الوطن العربي كله (عويد، 2006م، ص 84) ، ولا زالت قضية المرأة من الثُّغور المفتوحة (بنت الحسين، 2001م) إذ لم نتمكن إلى الآن من هضم التراث واستيعابه (الميلاد ، 2008م ، ص 280) ومعالجة إشكالاته وتجاوز مآزقه.

فما الذي يدفع الفكر المتشدد لنهج المسلك القديم في التضييق على الإناث ؟ وإلى أي مدى تلعب المواريث السلبية السالفة في توجيه الحاضر وتعكير صفوه وتأخير تقدمه؟ وفي أي مجال يزداد خطره وما سبل العلاج ؟ هذه الأسئلة وغيرها في غاية الخطورة ؛ لأنها تمس كل بيت، وتشكل في الختام نسيج المجتمع وتنظم حركته .

أهمية البحث :

تأتي أهمية البحث الحالي من منطلق أن القيم التي ورثها المجتمع العربي بعضها قيم إيجابية كالشجاعة والإيثار والتعاون ، وثمة قيم سلبية تثير العديد من الإشكاليات مثل : التحزب للقبيلة والنظرة إلى المرأة واعتبارها أدنى قيمة ، وهنا يتعاظم دور المؤسسات التعليمية بصفة عامة ، والجامعية تحديدا في مواجهة هذه الإشكاليات (البرعي، 2002م، ص 188) وبحثها بأناة عبر أدوات منهجية لمعالجة الخلل وتقليص السلبيات وتحسين نوعية الحياة. كما سيركز البحث الراهن على الموروثات المثبطة لمسيرة تنمية المرأة ، فلا يمكن فهم التحدي والانحراف اليوم دون تتبع لما سلف ، فالقضية لها جذورها عبر العصور واختلاف الثقافات، وفيما يلي مجموعة نقاط تكشف عن أهمية دراسة عوائق تربية المرأة في الفكر الإسلامي وانعكاساتها على العصر الحديث إجمالا:

إذا لم نتسلح بالإضاءة التاريخية التي تكشف لنا مسار تعليم المرأة كرؤية جديدة للمجتمع والعالم فلن نفهم التغيرات الكبرى في حياتنا المعاصرة (المرنيسي، 2003م، ص 104) ولن نعرف ما تم إنجازه وما نحتاج إلى تحقيقه.

– إن أخطر أسباب الضعف التي أصابت المسلمين أن النساء قد ضرب بينهن وبين العمل بما يجب عليهن في دينهن أو دنياهن بستار لا ندري متى يُرفع (النجار، 2008م ، ص 161).

– يحتاج موضوع تربية المرأة إلى المزيد من البحث والدراسة (باحارث ، 2007م ، ص 13).

– ضرورة معرفة معالم فكر المتشددين الذين يعرقلون مسيرة تمكين المرأة وتحليل منطقهم. إن فهم جذور ذلك التطرف من أسباب قطع دابره ، بل قد يكون من أهم سبل الوقاية والعلاج.

– معوقات تربية المرأة انتشرت في ثقافات العالم واليوم بدأت محاولات شتى لعلاج ذلك([1]) الخلل التاريخي. تشير الأمثال العالمية – على سبيل المثال- بشكل قاطع إلى أن إشكالية تربية المرأة ليست وقفا على ثقافة أو مذهب أو عصر بل معظم الأمم عانت من شيوع النظرة الدونية وسيطرة الاستبداد الذكوري تحت مسميات متنوعة.‏

– لا زالت بعض فصائل المد الإسلامي الحديث تنتقص من أهلية المرأة ، وتتمسك بالعادات والتقاليد، مع الفهم المغلوط للدين (سلطان ومجاهد، 2008م ، ص 217).

– إن “الصور النمطية للمرأة خطيرة على المجتمع كله ؛ لأنها تشوه الذات الإنسانية فيها بقدر ما تشوه وعي الرجل بذاته وتفسد علاقاته بغيره ، بدءاً بأقرب الناس إليه”(الزهراني، 2007م).

– تؤكد تقارير التنمية الإنسانية العربية على أهمية معالجة قضايا المرأة العربية (التنمية الإنسانية العربية 2009، ص 7، 200) ، وتطالب بتمكين النساء ؛ من أجل تنمية بشرية سليمة ومجتمع أساسه المعرفة . وتشير التقارير الدولية إلى أن المرأة العربية بدأت تأخذ حقوقها وتتقدم بخطوات صغيرة وتكسب المزيد من مساحات الحرية (butters, 2009, p. 20).

– الكثير من المأثورات أخذت طريقها نحو الإنترنت وفارقت رفوف المكتبة لتختلط بحياة الناس من جديد بحلة جذابة وبنطاق أوسع إسلاميا وعالميا، ولكن بنفس المضمون الذي يزدري المرأة في مواضع كثيرة.

هدف البحث :

– توجيه أنظار الباحثين إلى العقبات التي واجهت تربية المرأة وترسباتها في العقل المسلم اليوم ، وإبراز المآزق التعليمية المرتبطة بها ؛ لوضع حد لتحدياتها المعاصرة وتقديم المقاربات الكفيلة بالنهوض بتعليم المرأة.

– تشجيع الدراسات النقدية وتياراتها التربوية في إطار التقدير الكامل لمحاسن التراث وحق الاجتهاد ، وضرورة التجديد.

– تنمية الوعي العام بأهمية العقل الناقد وعدم التسليم بكل ما هو قديم . من منطلق أنه ليس كل قديم محمود وليس كل جديد مذموم.

– تقديم مقترحات عملية لصناع القرار السياسي في الحقل التربوي من أجل ترسيخ أسس المساواة بين الجنسين في المناهج الدراسية ، وصولا إلى تكثيف الجهود الرامية لتحقيق العدالة.

– إثراء المكتبة العربية بدراسات بحثية تربوية تتبع جذور التمييز ضد الأنثى في كافة مراحل حياتها ؛ وذلك بغرض تنقية الثقافة الحديثة من ترسبات الماضي السلبية التي تقوض صورة الفتاة.

منهج البحث وخطواته :

تقوم هذه الدراسة على توظيف المنهج الوصفي التحليلي للرؤى والاتجاهات في فهم الإشكاليات، مع تفعيل الآليات النقدية من أجل تعرف خصائص الظواهر أو جذور المشكلات وتقديم الحلول على أرض الواقع (بدوي، 2009م، ص 38  ).

أسئلة البحث :

في ضوء ما سبق يتمثل السؤال الرئيس للدراسة الحالية في: ما معوقات تربية المرأة في الفكر التربوي الإسلامي وتداعياتها المعاصرة ؟

ويتفرع عن السؤال الرئيس التساؤلات الفرعية التالية :

  1. ما أسباب الانحرافات في عملية تربية وتعليم المرأة المسلمة ؟
  2. ما الشواهد التراثية الدالة على تقليل قدر شخصية المرأة ؟
  3. ما العوائق المانعة لحركة المرأة في المجتمع قديما ؟
  4. كيف تأثرت التربية الراهنة بالموروثات السلبية ؟
  5. كيف تستطيع التربية المعاصرة أن تتغلب على الموانع التراثية ؟

 

الدراسات السابقة:

هدفت دراسة الوشمي (2009م) إلى دراسة قضية تعليم البنات في المملكة العربية السعودية من خلال استجلاء مواقف المناصرين والممانعين في القضية. واستخدمت الدراسة المنهج الوصفي التحليلي للرؤى والاتجاهات . وتوصل الباحث في دراسته إلى أن “تعليم البنات في المملكة العربية السعودية قد تم من خلال عدد من المراحل : البدء بالتعليم النظامي للبنين, وتأصيل ذلك الأمر الرسمي ، الإذن لمدارس تعليم البنات الأهلية ودعمها، الإرادة الملكية بتعليم البنات والتنصيص على دور العلماء، استثناء مدينة بريدة بعد صدور القرار بافتتاح مدرستها استجابة لمطالبة الممانعين بعدم افتتاحها، افتتاح مدرسة بريدة , وجعل الأمر خيارا لا إجبارا فيه ، إلغاء الإشراف المستقل المتمثل بالرئاسة العامة لتعليم البنات, وجعل الأمر مرتبطا بوزارة التربية والتعليم. كما بينت الدراسة إلى أي درجة كانت إشكالية تعليم الفتيات حتى وصل الحال ببعضهم إلى أن يكتب وصيته بأن لا تتعلم بناته في المدارس الحكومية . ولا زال بعضهم حتى اليوم يرفض تعليم بناته إلا عند سيدة تعلمها القراءة والكتابة رغم التغيير الكبير الذي حصل اجتماعيا.

في حين هدفت دراسة باحارث (2007م) لتعرف أسس التربية العقلية للفتاة المسلمة عبر بيان ثلاثة أسس:

– طبيعة الفتاة العقلية مقابلة بالطبيعة العقلية لدى الذكور من جهة الفروق العقلية, والإنتاج الفكري.

– طبيعة المعرفة العقلية المناسبة للفتاة المسلمة من جهة ضوابطها , وحدودها, وطبيعة المنهج التعليمي المناسب.

– استعراض أهم مواهب الفتاة العقلية , وسبل تنميتها , وأهم المعوقات التي تحول دون استمتاع الفتاة بملكاتها العقلية ضمن حدود إمكانيتها.

وتمثلت أهم نتائج الدراسة في أن المرأة تختلف عن الرجل في أساس الطبيعة العقلية، وهناك انخفاض ملحوظ في تفوق الإناث الفكري , ودرجة إبداعهن العقلي , وحجم إنتاجهن العلمي . وهنا يأتي دور التربية في التأكيد والإقناع بأهمية وظيفة الإناث الفطرية في الإنجاب ورعاية النشء, وضرورتها الحيوية في عمارة الأرض , واستمرار الحياة .

وهدف الزهراني (2007م) من دراسته الكشف عن مدى تقدم نظرة ابن رشد إلى قضايا المرأة ضمن الشروط المعرفية والوضعيات الاجتماعية في عصره. فعندما كان ابن رشد يشرح كتاب الجمهورية لأفلاطون قدم أطروحة متكاملة بهذا الصدد يمكن اختزالها في:‏ اشتراك المرأة والرجل في النوع والطبع والكفاءات الذهنية والعملية ، وإن اختلفت عنه في بعض الخصائص والوظائف . وحالة التردي التي كانت تعيشها النساء في المجتمع العربي المسلم آنذاك تعود إلى تصورات خاطئة موروثة من ثقافة قبلية أبويّة تحرم المرأة من اكتساب الفضائل والمهارات. وتغيير هذه الوضعية البائسة يقتضي تغيير وتجاوز تلك التصورات الخاطئة والمتحيزة ضد المرأة ، والتي لابد أن تورث المجتمع كله الضعف المادي والمعنوي نظراً لكون النساء يشكلن أغلبية المجتمع.‏ وتوصل الباحث إلى أن موقف ابن رشد المتحرر يبرز مدى أصالة فكره وعمق آرائه وجرأة مواقفه مقارنة مع خطاب الفقهاء التقليديين الذين كرسوا الكثير من التصورات القبلية الذكورية المتحيزة ضد المرأة.

واهتمت دراسة العلواني (2003م) بموضوع العرف , وحاولت الكشف عن أثر العرف في كيفية فهم المجتهد , وطريقة تناوله لنصوص الأحكام المتعلقة بقضايا المرأة, ومن ثَم بناء بعض الأحكام الفقهية على أساس تلك الاجتهادات التي غالبا ما أثرت فيها الأعراف والبيئات المختلفة بشكل واضح . وتوصلت الدراسة إلى نتائج عديدة يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

– الأثر الكبير للأعراف والظروف الاجتماعية في تأويلات المجتهدين للنصوص , متمثلا في إقبالهم في بعض الأحيان على النصوص, برؤى مسبقة وأفكار جاهزة , ومن ثم تأويلهم وفهمهم للنصوص من خلال تلك الرؤى.

– ضرورة الإفادة من مختلف الإمكانات المتوافرة لتحقيق الفهم السليم المنضبط للنصوص الشرعية مع مراعاة عدم التكلف في استعمالها , والتوغل فيما دون الضوابط الأخرى.

– أهمية مراجعة وتصحيح المواقف الاجتهادية القائمة على منهجيات التبرير والتعليل , ومحاولة تجاوز تحديات الفكر الغربي في قضايا المرأة على وجه الخصوص.

         وهدفت دراسة البنا (1998م) إلى معالجة قضايا المرأة من خلال الفهم الصحيح للإسلام بالعودة إلى القرآن مباشرة ، دون تقييد بما جاء في تفسيرات المفسرين أو أحكام الفقهاء . وخلصت الدراسة إلى أن الأحاديث المروية في كتب السنة , بما في ذلك الصحاح تحتاج إلى غربلة جديدة، والمعيار الذي تقوم عليه هذه الغربلة هو الاتفاق مع نصوص وروح القرآن الكريم .

الإطار النظري لفهم التراث :

لقد تغنى المسلمون عبر القرون ببغداد دار النابغات، ودمشق موطن العالمات، والأندلس أرض الشاعرات ، ومصر بلد المثقفات. منذ زمن البعثة النبوية المطهرة لعبت النساء دورا مرموقا في عملية رواية الأحاديث الشريفة، وتفسير الآيات الكريمة ، وخضن السياسة بجدارة ، والتجارة بجد، وتوخين طلب العلم فكان منهن سيدات العصور في ميادين معرفية شتى وحق لشوقي (1868 – 1932 م) أن يقول مباهيا: 

وَحَضارَةُ الإِسلامِ تَنـ     

 

طِقُ عَن مَكانِ المُسلِماتِ

والإعجاب بروائع التراث الإسلامي ـ حق لا ريب فيه ـ لا يعفي المنصف من بحث العراقيل والقيود وكشف فكر الجمود الذي حام حول حواء وبناتها.

إن التعامل مع التراث بأسلوب يفتقر إلى نقده وتفكيك عناصره، يقود للهروب إلى الماضي ، والدخول في متاهات تبعدنا عن العصر. إن غياب الموقف النقدي من التراث ، وشيوع فكر التمجيد ، وطغيان الثناء والتبجيل، لكل ما يمت إلى الماضي ، وعدم القدرة على إدراك التشوهات والانتكاسات في الموروث ، نجم عنه انسداد الآفاق النقدية ، وإحضار الماضي كما هو ، وبالتالي العجز عن مواكبة متغيرات الحياة (الرفاعي ، 2009م).

لا يرى الإسلام فرقا بين الرجل والمرأة في سيرهما التكاملي في الحياة فيما عدا اختياره الرجل لتحمل مسئولية النبوة والرسالة (غزاوي ، 2002م ، ص81). إن كثير مما يُعتقد اليوم أنه سلفية دينية هو في الحقيقة سلفية اجتماعية تلونت بالصبغة الدينية، وانتقت من التراث الديني ما يتوافق معها لتحجيم وتهميش المرأة (عباس، 2002م، 303).  إنهم يدرسون التراث المتغير بنوع من التعظيم والتمجيد ؛ لأنهم يريدون التقوقع في الداخل ، ولا يريدون الخروج إلى الحياة (العراقي ، 2010م ، ص 10).

إن الذي صنع تاريخ المرأة عبر القرون هو طريقة تعامل أربعة أطراف معها: أ- تصورها لنفسها. ب- تصورها للرجل. ج- تصور الرجل لها. د. تصور الرجل لنفسه ( حمود، 2009م، ص 293) . لقد حصل انحراف فكري حاد كرس سلطة الرجل وانحسر دور المرأة ، وأدى ذلك إلى تشوه معرفي عميق واضطراب في تصور المرأة لذاتها ولقدراتها.

فمن المؤكد أنه ثمة حاجة إلى دراسة التراث من منظور تربوي نقدي؛ ليكشف درجات التحيز للرجل ضد المرأة من دون الحكم على الماضي بمعطيات اليوم ومعايير الزمن الحديث فكل تراث محدد سلفا بسياقاته الزمنية وخصوصياته الثقافية. من الضرورة بحال الأخذ بالاعتبار أن استنباط العبر من دروس الماضي لا يعني أبدا التقليل من قدر من سبق فلكل سبقه وفضله وظروفه الخاصة . قال جل ثناؤه “وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ” (الحشر: 10).

يضع البحث الراهن في عين الاعتبار أن المفكر ابن بيئته وعصره، كما أن البحث الحالي يتحرك في إطار تبجيل وتقدير العلماء وإسهاماتهم بلا تقديس لأشخاصهم وبلا جمود على آرائهم ، وعليه فإن تراثنا التربوي ننطلق منه ونضيف إليه ، ولا ننغلق فيه ولا نقتصر عليه مع الإفادة من العلوم والمعارف والمناهج البحثية الحديثة.

عوامل تدني النظرة إلى المرآة في ضوء آراء وتفسيرات بعض فقهاء الإسلام :

ثمة عوامل داخلية ساعدت في إقصاء المرأة عبر القرون من فضاء الحضارة ظهر معظمها بعد العصر الراشدي ، وهناك أسباب خارجية نشأت من الاحتكاك السلبي بالثقافات الأخرى . وإذا تتبعنا العوامل التي ساعدت على ضعف دور النِّساء الحضاري وتردِّي أوضاعهن عموماً فإنّها قد ترجع إلى تأثر الفقه وواقع المرأة بالعادات الخاصة بتهميش المرأة.

ولعل شيوع الأحاديث النبوية الموضوعة التي تحمل في طياتها عقلية الوأد العاطفي والعقلي والاجتماعي للمرأة رسخ ما سبق. فقد ذكر الشربيني (2004م) الحديث التالي “لا تسكنوا نساءكم الغرف ولا تعلموهنّ الكتابة”. قال بعض العلماء: لأنّ في إسكانهنّ الغرف تطلعاً إلى الرجال وليس في ذلك تحصين لهنّ ولا تستر ، وذلك أنهنّ لا يملكن أنفسهنّ حين يشرفن على الرجال فتحدث الفتنة، وكذلك تعليم الكتابة ربما كان سبباً للفتنة؛ لأنها قد تكتب لمن تهوى ، والكتابة عين من العيون بها يبصر الشاهد الغائب، والخط إشارة اليد وفيها تعبير عن الضمير بما لا ينطق به اللسان ، فهي أبلغ من اللسان فأحب صلى الله عليه وسلم أن يقطع عن المرأة أسباب الفتنة تحصيناً لها” (ج4، 647). إن الإفراط في الخوف على المرأة والسعي إلى سترها من أسباب الخوف منها والشك فيها.

وكان للاتصال بالفكر النصراني دوره في انتقال عبارات ومعتقدات لا تليق بالفكر الإسلامي أبدا. ومن الغريب حقا أن نجد في كثير من كتبنا عبارة “المرأة شر كلها”. وهكذا أسهمت الثقافة الخارجية في تشكيل الفكر المسلم علما بأن القرآن الكريم رفض فكرة خطيئة حواء جملة وتفصيلا ولكنها للأسف تسللت لكتب التفسير وغيرها فاستقرت في أعماق الفكر عند فئة غير قليلة.

قال الشوكاني (2003م) قال ابن عباس : “قال الله لآدم : ما حملك على أن أكلت من الشجرة التي نهيتك عنها؟ قال: يا ربّ زينته لي حوّاء، قال: فإني عاقبتها بأن لا تحمل إلا كرهاً ، ولا تضع إلا كرهاً ، وأدميتها في كل شهر مرتين” (ج1، ص 92).

 وإلى الآن تخرج علينا رسائل دكتوراه وكتب ذائعة الانتشار تحت إشراف مؤسسات دينية وجيهة لتؤكد أنه “لَوْلا حَوَّاءُ لَمْ تَخُنْ أُنْثَى زَوْجَهَا الدَّهْرَ” (رواه البخاري)، وأن فيه إشارة إلى ما وقع من حواء في تزيينها لآدم الأكل من الشجرة حتى وقع في ذلك، فمعنى خيانتها أنها قبلت ما زين لها إبليس حتى زينته لآدم وهذا رأي يذهب إليه عدد كبير جدا من علمائنا قديما وحديثا(الاستانبولي، 2006 م، ص 288) .

وقدم محمد عبد الرحيم (2005 م)  لقصة خروج آدم من الجنة  (ص 24) متسائلا :هل نتحمل أوزار أمنا إن كانت فعلا فعلت ما فعلت؟ أليست كل نفس بما كسبت رهينة إذا افترضنا جدلا صحة القصة ؟ إذا كانت الرؤية الوجودية (الأنتولوجي) على هذا النحو فالمعرفة (الإبستمولوجي) والفكر في هذا الإطار الفلسفي هل سيكون صحيحا؟ وهل القيم (الأكسيولوجي) المتفرعة مما سبق هي قيم عادلة نربي عليها الناشئة ونبشر بها الأمم قاطبة ؟ إذا كانت النظرية فيها بذور الشقاء والاتهام والعقدة فهل التطبيق العملي سيكون رحمة وعدالة؟ هل هذه عقيدة نعيش بها أم عقدة نؤمن بها؟

كانت حواء سببا في هبوط آدم من الجنة لأنها تعاني من نقص في عقلها وضعف في روحها (قنبري ، 2008م ، ص 56)، فهل المؤسسات الأكاديمية والدينية (السنية والشيعية) تتوخى تنمية الفكر النقدي أم أن التكرار سيد القرار؟ وهكذا بكل بساطة تتحمل حواء وحدها مسؤولية الخروج من الجنة فهل حقا قدمنا معاني البِّر لأمنا حواء بهذا التصور القاصر؟ أهكذا يكون البر بالوالدين؟

منذ عهد مبكر من تاريخنا بدت محاولات تغاير الفهم النقي للوحي الذي حرر المرأة والرجل معا. ولقد تصدت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها للعبارات القادحة التي تقلل من قدر المرأة. “عَنْ عَائِشَةَ ذُكِرَ عِنْدَهَا مَا يَقْطَعُ الصَّلاةَ الْكَلْبُ وَالْحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ فَقَالَتْ شَبَّهْتُمُونَا [عَدْلْتُمُونَا] بِالْحُمُرِ وَالْكِلابِ” (رواه الشيخان). “كانت عائشة رضي الله عنها أكثر الصحابة انتباها إلى ما حصل في متون بعض الأحاديث من تغيّر نتيجة وهم أو خطأ… لذلك استدركت على عدد من الصحابة حتى لا تترتب عن تلك الأحاديث أحكام فقهية قد تنعكس سلبا على الأفراد أو المجتمع” (رامي، 2005م).

ولو صرفنا وجوهنا نحو أعلام الفكر الإسلامي نتلمس مواقفهم إزاء المرأة فسنجد تباينا بينهم وأشار قلة منهم لمعوقات تربية المرأة. أعطى محي الدين بن عربي ـ عند فئة من الباحثين ـ المرأة مكانة مرموقة ورفض إقصاء النساء واعتقد أنه ما من صفة للرجال إلا للنساء فيها مشرب فلا مجال للتفضيل والتمييز (براضة ، 2008م ، ص ص 148 162) وانتبه الجاحظ وابن رشد للحالة المزرية للمرأة في عصرهما (الجعفري ، 2010م ، ص ص 252، 264) ولا زال الأمر مرا مما يكشف عن تربية عربية قائمة على إعادة إنتاج للنظام الاجتماعي ، الذي يتسم بالهيمنة الذكورية. يعتقد البعض أن ابن رشد ظلم المرأة (حسن، 1987م، ص 974) ولعل الصواب هو خلاف ذلك تماما.

وربما يكون الفيلسوف ابن رشد (520- 595 هـ/1126 -1198م) قبل ثمانية قرون أول من تنبه من الفلاسفة لتردي وضع المرأة المسلمة؛ لأنه يرجع سبب تخلف المرأة إلى الأوضاع الاجتماعية التي قضت بأن يُنظر إليها وكأنها خلقت فقط للولادة وهذا سبب من أسباب تخلف المجتمع وسبب البؤس الذي حطم المدن الإسلامية من وجهة نظره (الحيدري , 2003 م, ص 296- 297). وهكذا لاحظ ابن رشد خضوع النساء ودوره في غروب الحضارة.

لقد أسهمت كتابات الغزالي في نشر مفاهيم غير قليلة تضع القيود والمعوقات في وجه حرية المرأة مما صبغ جوانب التربية والأخلاق والسلوك ـ إلى يومنا هذاـ بصبغة متشددة نحو المرأة وتحد من إمكاناتها ودورها المجتمعي. قال في تحذيره من شر وكيد معشر النِّساء “وشرهن فاش والغالب عليهن سوء الخُلُق وركاكة العقل”. “فالقول الجامع في آداب المرأة من غير تطويل أن تكون قاعدة في قعر بيتها لازمة لمغزلها لا يكثر صعودها واطلاعها ، قليلة الكلام لجيرانها لا تدخل عليهم إلا في حال يوجب الدُّخول . فإنْ خرجت بإذنه فمختفية في هيئة رثَّة تطلب المواضع الخالية دون الشَّوارع والأسواق محترزة من أن يسمع غريب صوتها أو يعرفها بشخصها لا تتعرف إِلى صديق بعلها في حاجاتها بل تتنكَّر على من تظن أنَّه يعرفها أو تعرفه”. لقد فرض الغزالي قيودا متزمتة يراها من صميم الأدب الإسلامي يلزم المرأة ملازمة منزلها (الكبيسي وآخرون ، 2001م، ص 56).

 ولا شك أن القيود السابقة وغيرها هي عقوبات ألحقت الأذى بعقل المرأة وهويتها ورسالتها وثقافتها وهي نابعة من تصورات ترسخ أسس إخضاع المرأة والتسليم لسلطان الذكر. حشد الغزالي عبارات تراثية كان الأجدر الابتعاد عنها من مثل “شاوروهنَّ وخالفوهنَّ”، “لَحصير في ناحية البيت خير من امرأة لا تلد” و “سوداء ولود خير من حَسناء لا تلد”. “وأربعة من الصناع موسومون عند الناس بضعف الرأي: الحاكة، والقطانون، والمغازليون [العاملون في غزل الصوف والقطن] ، والمعلمون. ولعل ذلك لأن أكثر مخالطتهم مع النساء والصبـيان ، ومخالطة ضعفاء العقول تضعف العقل، كما أن مخالطة العقلاء تزيد في العقل”.”ويجب على الرِّجال مُداراة النِّساء، لسبب نقص عقولهن، وبسبب نقص عقولهم، لا يجوز لأحد أن يتدبر بآرائهن، ولا يلتفت إلى أقوالهن، ومن اعتمد على آرائهن ، والتفت إلى أقوالهن ، ودبَّر نفسه بمشورتِهن خسِر”. وهذا الرأي يتفق فيه الغزالي مع رأي أستاذه الجويني إمام الحرمين القائل “لا يُعلم امرأة أشارت برأي فأصابت إلا أم سلمة” وهذا في ظنهم يدل على عدم مشاورة المرأة. وإلى يوم الناس هذا يأخذ هذا المنطق طريقه لعقول وأقلام الناشطين في الحقل الإسلامي (الراشد، 2002 م ، ص 66).

من هنا نجد أن الأمثال الشعبية، وآراء الفقهاء والمفسرين والمفكرين والمربين ، والعادات والتقاليد ، والأحاديث الموضوعة والضعيفة ، وسيكولوجية الخوف عليها والإسرائيليات [القصص المروية عن بني إسرائيل] وإتباع النص الحرفي للنصوص المقدسة وعدم الالتفات للمقاصد العامة ، والتسليم بأقوال السلف ، من أسباب نشوء الفكر التسلطي إزاء المرأة وتنامي ثقافة لا تقلل من شأن الأنثى فحسب ، بل تحصر دورها في الإنجاب وإمتاع الزوج وتغفل عن حقوقها الإنسانية.

التقليل من قدر شخصية المرأة :

إن المرأة ناقصة يكمل نقصها بلبس الحلي، منذ تكون طفلة، وإذا خاصمت فهي عاجزة عَييِّة؛ ضعيفة . فالأنثى ناقصة الظاهر والباطن في الصورة والمعنى ، فيكمل نقص مظاهرها وصورتها بلبس الحلي ، ليجبر ما فيها من نقص . وأما نقص معناها فإنها ضعيفة عاجزة عن الانتصار. وفي تراثنا نجد وصية من صنع الحكماء والأولياء تتكرر في مواضع كثيرة وهي “اسْتَعِيذُوا بِاَللَّهِ مِنْ شِرَارِ النِّسَاءِ وَكُونُوا مِنْ خِيَارِهِنَّ عَلَى حَذَرٍ”. “لا تطيعوا للنساء أمراً, ولا تَدَعُوهُنَّ يدبرن أمر عيش, فإنهن إن تُرِكْنَ وما يُرِدْن أفسدن الملك, وعصَين المالك…”.

إن تلك الأقوال السلبية وغيرها أكثر عن أداء المرأة الضعيف ورأيها السخيف تبني شخصية نسائية قلقة لا تخدم أغراض التربية أبدا فالتربية السليمة تغرس الثقة بالنفس وأن الإنسان خلق مكرما في أحسن تقويم.

 إن الأقوال السابقة تجد صداها على شبكات الانترنت ولها حضورها القوي بعد أن كانت حبيسة المكتبة ولأن للتراث هالة وقوة فالناس تتناقل هذه العبارات كأنها حقائق دينية ثابتة فما كتبه السابقون ـ رغم مجانبته الصواب أحيانا ـ يوجه ثقافتنا، ويحدد عاداتنا ، ويجمد عقولنا.

“قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ: يَا بُنَيَّ اسْتَعِذْ بِالله مِنْ شِرَارِ النِّسَاءِ، وَكُنْ مِنْ خِيَارِهِنَّ عَلَى حَذَرٍ فَإِنَّهُنَّ لاَ يُسَارِعْنَ إِلَى خَيْرٍ، بَلْ هُنَّ إِلَى الشَّرِّ أَسْرَعُ». ونحو هذا الكلام نُسب للإمام علي رضي الله عنه في نهج البلاغة ولسيدنا عمر رضي الله عنه في أخبار النساء لابن الجوزي. ومن الوصايا المأثورة قال داود لسليمان عليهما الصلاة والسلام “يا بني: امشِ خلف الأسد والأسود، ولا تمشِ خلف امرأةٍ” ( الخباز ، 2009م، ص 105).

ويتفرع من نقص عقل المرأة ـ عند أولئك النفر ـ عدم الاعتماد عليها والخوف من الثقة فيها ، والبعد عن مشاورتها والتحفظ على تعليمها . إن الرؤية الخاطئة لطبيعة المرأة قاد الكثير من البشر عبر العصور لسوء التعامل معها.

وتمتد الإشكالية إلى رسالة المرأة في الحياة فهل خُلقت لتعيش تابعة للرجل كما اعتقد العقاد وغيره من المفكرين؟ اعتقد كثير من علمائنا أن المرأة خلقت لخدمة الرجل وهذه نزعة ذكورية (ملكيان ، 2008م ، ص 38). إن الكثير من العبارات تأخذ مسارها إلى مسامعنا وكتاباتنا دون نقد أو أدنى تدبر لمضامينها مع أنها تستند إلى أسس واهية.

إنهن بشر لا شياطين ولا حتى رياحين للرجال فهي ليست سلعة ولا مادة بلا روح … بل خلقن يقينا مثل الرجل شقائق لعبادة الواحد الديان ولتعمير الحياة جنبا إلى جنب. وخلقن مودة ورحمة لبعضهم البعض فعلاقة الرجل بالمرأة ليست قبض وبسط، وسمع وطاعة، وسلطة علوية وأخرى مقهورة.

ومن العبارات التي تقلل من شأن المرأة وتتسق مع رؤية التهميش والتحجيم للأنثى قولهم في ضرب الطفل “لا تَدَعْ أُمَّ صَبِيّكَ تَضْرِبُهُ فإِنه أَعقلُ منها وإن كان طِفْلاً”. وفي سبيل الحصول على الذكور ” قال الزيادي: كنت رجلا مئناثاً، فقيل لي: أكثر من الاستغفار وقت الجماع ، واستغفر اللـه عند الجماع، ففعلت فولد لي بضعة عشر ولداً ذكراً” (القرطبي، 1999م). وفي لسان العرب “الإناث كل شيء ليس فيه روح مثل الخَشبة والحجارة”. وفي الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي وأيضا في تفسير الألوسي “الأنثى كل ميت ليس فيه روح مثل الخشبة اليابسة والحجر اليابس” (محمود، 2002 م ، ص 173).

وقال بعض الفقهاء أن النساء في الواقع حيوانات بصورة إنسان ليرغب في نكاحهن (عباس ، 2002م ، 297). وقال الفخر الرازي في تفسيره “النساء خلقن كخلق الدواب والنبات وغير ذلك من المنافع … وهذا يقتضي ألا تكون مخلوقة للعبادة والتكليف فنقول خلق النساء من النعم علينا وخلقهن لنا ، وتكليفهن لإتمام النعمة علينا لا لتوجيه التكليف نحوهن مثل توجيهه إلينا، وذلك من حيث النقل والحكم والمعنى ، أما النقل فهذا وغيره ، وأما الحكم فلأن المرأة لم تكلف بتكاليف كثيرة كما كلف الرجل بها ، وأما المعنى فلأن المرأة ضعيفة الخلق سخيفة فشابهت الصبي ، لكن الصبي لم يكلف فكان يناسب ألا تؤهل المرأة للتكليف ، لكن النعمة علينا ما كانت لتتم إلا بتكليفهن لتخاف كل واحدة منهن العذاب فتنقاد للزوج وتمتنع عن المحرم، ولولا ذلك لظهر الفساد” (تفسير سورة الروم، الآية 21، وأيضا: العلواني، 2003 م، ص 215).

إن المرأة في منطقة الخليج العربي لم تحظ قديما إلا بقدر محدود من التعليم ولم تشارك المشاركة الكاملة في الحياة (الزيدي, 1998م ، ص 15). ذكر يوسف العبد الله (2003م) في كتابه تاريخ التعليم في الخليج العربي (1913-1971 م) أن تاجر اللؤلؤ صاحب السفينة قد يرغم زوجة الغواص المتوفى على الزواج منه حتى يسقط حقه في المطالبة بتسديد دين زوجها. وفي بعض الحالات يتم الزواج فتتحول الزوجة إلى خادمة في بيت السيد ، ويتحول الأبناء إلى أجراء وغواصين على سفينة السيد” (ص 51 ـ52). قال معلم الكويت الأول يوسف القناعي وهو يستنكر مكانة المرأة عند المسلمين في فترة تخلفهم “ليس للمرأة قيمة عند الرجال… فهي عندهم من سقط المتاع، إذا ذكر اسمها قال المتكلم لمخاطبه أكرمك الله”. وذكر أن سبب تدني مستواها هو حرمانها من التعليم ومجالس الفكر ، والأسفار ، والاطلاع على الكتب والمجلات.

وفي كتاب الإتقان في علوم القرآن ، للسيوطي أن “الملوك والأشراف لا يذكرون حرائرهم في ملأ ولا يبتذلون أسماءهن بل يكنون عن الزوجة بالفرش والعيال ونحو ذلك فإذا ذكروا الإماء لم يكنوا عنهن ولم يصونوا أسماءهن عن الذكر” (ص 129( . ويقول الأديب الشامي علي الطنطاوي مستنكرا : قال لي صديق أتكتب عن زوجك وتقول إنها من أعقل النساء وأفضلهن؟ هل سمعت أن أحداً كتب عن زوجه؟ إن العرب كانوا يتحاشون التصريح بذكرها ، فيكنون عنها بالشاة أو النعجة استحياء وتعففا. لقد منع الحياء جريراً من رثاء زوجه صراحة ، وزيارة قبرها جهارا. ومالك بن الريب لمّا عد من يبكى عليه من النساء قال:

فمنهنَّ أُمِّي وابنتاها وخالتي ،

 

 

وجاريةٌ أُخْرَى تَهيج البواكيا

فلم يقل وامرأتي. وكذلك العهد بآبائنا ومشايخنا.لم يكن يقول أحد منهم: زوجتى؛ بل كان يقول : أهل البيت وأم الأولاد ، والجماعة ، والأسرة، وأمثال هذه الكنايات. فهل تترك هذا كله ، وتدع ما يعرف الناس ، وتأتى ما ينكرون؟ قلت: نعم! قال: أتقول نعم بعد هذا كله؟( حسين، 2007م، ص 168) .

وامتدادا لما سبق نجد في التراث عبارات صادمة يصعب تصديقها ويحار المرء منها، ولكن يتناقلها لفيف من العلماء ومن ذلك قولهم “النساءُ أَسْفَهُ السُّفهاء (الخباز، 2009م ، ص 63).

وهذه الآراء هي آراء طائفة من السلف الصالح وليست آراء شاذة وهي معتقدات راجت في كتب العلم، وتم تأصيلها على مر القرون ، ومعظمها تستند إلى ترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنهما.

لقد كان الغزالي كما يقول الزهراني (2007م) “يؤول آيات وأحاديث كثيرة لتبرير التحيزات ضد المرأة مثله مثل كل الفقهاء التقليديين … وقد خالفهم ابن حزم وابن رشد في هذا الاتجاه، لكن دونما تأثير يذكر لخطاباتهم العقلانية المفعمة بالمعاني الإنسانية بالأمس واليوم”. واليوم يستمر السجال حيث قام بعض العلماء بالرد على ابن حزم فالمرأة من أسفه السفهاء كما تدل آثار السلف الصالح والأدلة على سفاهة عقولهن كثيرة (عثمان، 2008م، ص 37، 48). وهكذا كان النقاش ولا زال في كتب التفسير واللغة العربية والفقه حول هل حقا النساء سفهاء أم أسفه السفهاء؟ ومثل ذلك أو أكثر جرى في هل تتعلم القراءة والكتابة وإلى أي مدى تتعلم وماذا تتعلم؟ نقاش طويل في حقوق إنسانية من المفترض أنها مسلمات عصرية، وكفى الله المؤمنين شر الجدال، وكثرة السؤال ، والقيل والقال!

ويترتب على كل ما سبق سلوكيات عملية وأخلاقيات اجتماعية من مثل البعد عن الإكثار من الجلوس مع النساء ففي الوصايا العربية للمعلمين وصية بتجنيب الصبي محادثة النساء، “وجنبهم محادثة النساء” (المغراوي، 2009م، ص 546) وفي رواية أخرى “وامنعهم من محادثة النساء”.

وإذا كانت الأسرة لا تقوم إلا على الاستقرار والإشباع النفسي والتقارب بين الزوجين فإننا نجد روايات متناثرة تغاير هذا المسار وتتوسع بتعدد الزوجات بما يفكك أواصر المجتمع ويؤسس عائلات مضطربة. قال الذهبي “وَنَقَلَ بَعْضُهُم: أَنَّ حَمَّادَ بنَ سَلَمَةَ تَزَوَّجَ سَبْعِيْنَ امْرَأَةً، وَلَمْ يُولَدْ لَهُ وَلَدٌ”. وقيل كان للزبير أكثر من ألف أمة وكَانَ المُغِيْرَةُ نَكَّاحاً لِلنِّسَاءِ … وَكَانَ يَنْكِحُ أَرْبَعاً جَمِيْعاً، وَيُطَلِّقُهُنَّ جَمِيْعاً”.وقال مغيرة بن شعبة: حصنت تسعاً وتسعين امرأة، ما أمسكت واحدة منهن على حب، ولكني أحفظها لمنصبها وولدها، فكنت أسترضيهن بالباه شاباً، فلما أن شبت وضعفت عن الحركة استرضيهن بالعطية” (المحاسن والأضداد ، الجاحظ ، ص 65). وذكر ابن كثير في البداية والنهاية “أحصن المغيرة ثلثمائة امرأة. وقال غيره: ألف امرأة. وقيل: مائة امرأة. وقيل : ثمانين امرأة”. وفي إحياء علوم الدين “كان الحسن بن علي رضي الله عنهما مطلاقا ومنكاحا … وكان علي رضي الله عنه يضجر من كثرة تطليقه فكان يعتذر ويقول إن حسنا مطلاقا فلا تنكحوه حتى قام رجل من همدان فقال والله يا أمير المؤمنين لننكحنه ما شاء فإن أحب أمسك وإن شاء ترك ففرح عليا وقال: لو كنت بوابا على باب جنة، لقلت لهمدان ادخلي بسلام” (بتصرف).

تحديات تحد من حركة المرأة المجتمعية :

إن تفضيل الدعوة القديمة- الحديثة ببقاء المرأة في قعر البيت وعدم الخروج منه إلا للضرورة القاهرة ليس دائماً بهدف التربية والعناية بالأسرة بل هو ميل قد يحمل قدرا غير قليل من مشاعر خوف الفتنة منها وعليها، ولذا يأخذ معنى الحجر والتملك .‏

ورد في المُصَنَّف في الحديث وَالآثار لابن أبي شَيبة قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : احْبِسُوا النِّسَاءَ فِي البُيُوتِ فَإِنَّ النِّسَاءَ عَوْرَةٌ. وقَالَ عُمَرُ: اسْتَعِينُوا عَلَى النِّسَاءِ بِالعُرْيِ إنَّ إحْدَاهُنَّ إذَا كَثُرَتْ ثِيَابُهَا وَحَسُنَتْ زِينَتُهَا أَعْجَبَهَا الخُرُوجُ وقالوا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ المَرْأَةِ عَوْرَةٌ حَتَّى ظُفُرُهَا. لقد أشاع بعض الفقهاء عبارات مثل “الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ فَاحْبِسُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ”. وقالوا “ظفر المرأة عورة، فإذا خرجت فلا يبين منها شيء ولا خفها، فإن الخف يصف القدم” (الحنبلي، 1988م، ج5، ص145). وفي تحفة المحتاج في شرح المنهاج للهيتمي “ويحرم النظر إلى قلامة رجلها دون قلامة يدها”. وقال الهيتمي (1987م)”حرم أئمتنا النظر إلى الأجزاء المنفصلة من المرأة كقلامة ظفر يدها، أو رجلها” (ص57).

ولا تنظر المرأة لخارج منزلها كي لا ترى الرجال ويمنع منعا باتا أن يُسمع صوتها خارج المنزل. وإلى بدايات القرن الماضي كما يقول يوسف القناعي “ليس في دورهم منافذ على الطريق لتخلل الهواء ودخول الشمس إلا ما ندر وفتحها عندهم عيب كبير لأنه يسمع منه صوت المرأة”. ورد في الإحياء للغزالي أن السلف كانوا “يسدّون الكوى والثقب في الحيطان لئلا تطلع النسوان إلى الرجال. ورأى معاذ امرأته تطلع في الكوة فضربها”. من المعروف تاريخيا أن الحياة في الريف والبادية كانت أكثر مرونة وحرية لحركة المرأة مقارنة بحياة المدينة والأغرب أن فرص تعلم الإماء في القصور عند السلاطين كانت أحيانا أكبر من فرص الحرائر!

وفي سبيل ترسيخ الخنوع نجد المرأة بعد سلطان والدها خاضعة لسلطان زوجها وتُساق القصص الواهية لتربية المرأة على قيود قاسية وأوضاع بائسة لإرضاء زوجها وهي في سجن البيت. ورد في الإحياء أنه كان رجل قد خرج إلى سفر وعهد إلى امرأته أن لا تنزل من العلو إلى الأسفل وكان أبوها في الأسفل، فمرض … فمات ولم تزره فغفر الله لأبـيها بطاعتها لزوجها. هذه القصة جاءت في كتاب لتهذيب النفوس وتربيتها. ديننا ينبذ القسوة بكافة صورها ولا نحتاج إلى تبرير وسرد قصص تراثية تتعارض مع قيم الحرية والكرامة والإنسانية.

وحتى حال جلوسها في قعر البيت لا تصعد ولا تنزل فالشك قد يراود فكر الرجل صاحب اللب المسلوب. ورد في كتاب المدخل النموذج التالي للزوج المثالي الذي يحافظ على زوجته وقبل أن يخرج من منزله يوصيها قائلا: “لا تَتَحَرَّكِي ، وَلا تَتَكَلَّمِي بِكَلِمَةٍ فِي غَيْبَتِي إلا وَتَعْرِضِيهَا عَلَيَّ حِينَ آتِي لأَنِّي مَسْئُولٌ عَنْ تَصَرُّفِك كُلِّهِ… فَبَقِيَتْ [زوجتي] تُخْبِرُنِي بِمَا يَظْهَرُ لَهَا أَنَّ فِي ذِكْرِهِ فَائِدَةٌ وَتَسْكُتُ عَنْ الْبَاقِي فَوَجَدْت نَفْسِي قَلِقًا … فَبَقِيت إذَا دَخَلْت الْبَيْتَ يُنْطِقُ اللَّهُ لِي جِدَارَ الْبَيْتِ حِينَ أَدْخُلُ فَيَقُولُ لِي جَمِيعَ تَصَرُّفِهَا”. هل هذه علامات الصلاح وحسن الظن بالزوجة؟ هذه التوجيهات سالبة لا تصنع من المرأة راعية وقائدة ورائدة. إن أعز أمر بين الزوجين الثقة وإحسان الظن.

إن الحنين لتطبيق قيم الماضي يجعل البعض يشتاق لحبس المرأة في البيت كما كان الأمر في عصور مضت. ذكر القرطبي في تفسيره “قال ابن العربي: لقد دخلت نيفا على ألف قرية ، فما رأيت نساء أصون عيالا ولا أعف نساء من نساء نابلس… فإني أقمت فيها فما رأيت امرأة في طريق نهارا إلا يوم الجمعة فإنهن يخرجن إليها حتى يمتلئ المسجد منهن ، فإذا قضيت الصلاة وانقلبن إلى منازلهن لم تقع عيني على واحدة منهن إلى الجمعة الأخرى. وقد رأيت بالمسجد الأقصى عفائف ما خرجن من معتكفهن حتى استشهدن فيه”.‏ ومن الأمثال القديمة في أفغانستان وباكستان “ليس أمام المرأة سوى البيت أو القبر” . وكذا في سائر الدول العربية حيث تلقن البنت قبل زواجها “ادخلي بالعباءة واخرجي بالكفن”. وعن فترة من فترات التاريخ نقرأ في إتحاف الحنفا للمقريزي “ومُنِع النساء أن يخرجن إلى الطرقات في ليل أو نهار سواء أكانت المرأة شابةً أم عجوزاً، فاحتبسن في بيوتهن ولم تر امرأة في طريق ، وأغلقت حماماتهن، وامتنع الأساكفة من عمل خفاف النساء وتعطلت حوانيتهم”.

ولو اعتزلت المرأة واعتكفت في بيتها وأغلقت الأبواب على نفسها وجلست في غرفة مظلمة فلن تكون آمنة وستلاحقها الفتاوى الغريبة لكبار العلماء حيث قالوا: ولأن الشَّهْوَةَ عَلَيْهِنَّ غَالِبَةٌ تَحْرُمُ الْخَلْوَةُ بِحَيَوَانٍ يَشْتَهِي الْمَرْأَةَ أَوْ تَشْتَهِيهِ كَالْقِرْدِ وهذا قول ابن الجوزي وابن تيمية (الحنبلي ، 1988م ، ج7 ، ص3). وفي كتاب كشف القناع “وَتَحْرُمُ الْخَلْوَةُ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ وَلَوْ بِحَيَوَانٍ يَشْتَهِي الْمَرْأَةَ”. وابن حزم الذي تعلم من النساء كتب عن طباع النساء : أنهن “متفرغات البال من كل شيء إلا من الجماع ودواعيه، والغزل وأسبابه، والتآلف ووجوهه لا شغل لهن غيره ولا خلقن لسواه… إن المرأة إذا بقيت بغير شغل إنما تشوق إلى الرجال”.

تلك الفتاوى لها حضورها القوي وتأثيرها الخفي على تراثنا الديني إلى اليوم. قال ابن العثيمين “الخلوة يجب التحرز منها كثيراً لئلا تعبث المرأة بالطفل، وإذا علمنا أن من النساء من تدخل القرد عليها لتتمتع به فما بالك بالصبي لسبع سنين” (2008م، فتاوى المرأة المؤمنة في فقه الدين وأمور الحياة، ص 493). تنتشر هذه الفتاوى على شبكات الإنترنت وتشكل وعي وضمير وشخصية المرأة ومع غياب الفكر الناقد تتحول الآراء الشخصية إلى مسلمات دينية.

ورد في الأثر “إن المرأة غلٌّ فانظر ماذا تضع في عنقك، قال عمر رضي الله عنه النساء عورة فاستروا عوراتهن بالبيوت، وداووا ضعفهن بالسكوت. لا تسكن نساءكم الغرف، ولا تعلموهن الكتابة، واستعينوا عليهن بالجوع، والعري فإنهن إذا جعن لا يمرحن، وإن عرين لم يتبرجن. (الدجاجي، ص 56 ـ 59).

وورد “وإذا احتاجت إلى خطاب الأجانب [من الرجال] فليكن بصوت غليظ لا رخيم. فتأخذ ظهر كفيها بفيها وتجيب كذلك” (الحبشي ، 1994م ، ص 68 ، باختصار). قال الذهبي في كتابه المنسوب إليه الكبائر “فإن اضطرت للخروج لزيارة والديها وأقاربها ولأجل حمام ونحوه مما لا بد لها منه فلتخرج بإذن زوجها غير متبرجة، في ملحفة وسخة في ثياب بيتها وتغض طرفها في مشيتها وتنظر إلى الأرض لا يمينا ولا شمالا فإن لم تفعل ذلك كانت عاصية”. هذه الوصايا وغيرها أكثر تنشر في شبكات الانترنت لتربية البنات وصنع جيل جديد ويتم تقديمها على أنها وصايا إسلامية غالية أغلى من الذهب! المعاملة القاسية لا تجوز ولا تليق للتعامل مع أسير في الحروب ولا سجين مُذنب ولكنها انتشرت بين الأحرار وآمن بها بعض الأخيار وكتبها الحكماء ويطالب بها بتطبيقها البعض اليوم.

وإلى القرن الماضي وفي سن الثامنة تحجب البنت من المدرسة خشية على أخلاقها (أبو الإسعاد، 2005م، ص 113). ولقد كانت عادة (الخفار) سائدة في الكثير من المجتمعات الخليجية وغيرها. “والخفار هو حفل إعلان عن التحجب… ثم تدخل البنت إلى البيت وهو دخول نهائي في الغالب للبنت المخفورة ولا تخرج بعده للشوارع إلا للضرورة حتى تتزوج”. وقيل عن عقل المرأة: ليس في استعداهن الوصول إلى تمام العقل ويجب ستر المرأة وفي وقت الصلاة. يجب أن تكون في أشد مكان فيه ظلمة من بيتها (الدومي، 2007م، ص 567). يقول عبد الله النوري إن “الذين يجنحون بها إلى تقاليد الستر: يريدون المرأة أن تكون في سجون مقفلة، أسوارها عالية، تسودها ظلمات بعضها فوق بعض، لا تبصر عالماً، ولا ترى من جمال الطبيعة شيئاً”.

ومن العادات الجائرة في بعض البلاد الإسلامية أن المرأة كانت في العدة بعد وفاة زوجها تمتنع عن رؤية أبناء الجيران إذا لعبوا مع أطفالها إلا الصغار جدا ولا تمس الرماد والملح ولا تنظر إلى المرآة وفي آخر ليلة في عدتها تُؤخذ للبحر معصوبة العينين خوفا من أن ترى رجلا في الطريق فيموت (الخرافي ، 2007م ، ص 614). وهكذا لا يتغير كثيرا حال الإناث في مرحلة الطفولة عن الكهولة والشيخوخة فالحبال الواثقة كالجبال الراسخة تقلل من تقدمها وتكبل حركتها.

إن الحياة مليئة بالطيبات والبعض يصر على أن يحولها إلى محرمات ويطوع التربية والتعليم ويسخرها لقهر الحرية وقمعها. ليس من العلم والعدالة في شيء أن نتحدث عن مظالم الشعوب الأخرى بالتفصيل ونتجاهل عادات جائرة أساءت لمكونات التراث، وعكرت مسار الفكر، ولا زالت بركامها تشوه معالم هويتنا الحضارية.

توجهات ضد الحركة المجتمعية للمرآة :

يذهب فريق من الباحثين إلى تقرير التالي ” لم يفرق الفكر التربوي الإسلامي في التعليم بين الذكر والأنثى إلا بما يناسب كل نوع. أما ما ظهر من دعوات تحض على عدم تعليم البنت كما فعل أبو الثناء الألوسي فهو من قبيل الاستثناء والشذوذ عن القاعدة” (الرشدان، 2004م ، ص 16، ص197،). ويظهر أن الوصايا السلبية والآراء المضادة لتعليم المرأة “لم تحفظ ولم تطبق إذ ضرب بعض النساء بسهم كبير من العلم والتربية منذ نشوء الإسلام إلى وقتنا هذا” (طوطح، 2004م، ص 67).

وبخلاف الرأي السابق يعتقد ثلة من الباحثين أنه تم تقييد حركة تعليم الفتاة لفترات تاريخية طويلة وكان بعض علماء الدين العقبة الرئيسية حيث يحرمون تعليمها بضغط من إرث العادات (السيف ، 2006م ، ص  50 ، 52). الواقع الحقيقي لتربية المرأة لم يكن مشرقا كما يصوره بعضنا بل شدد بعض الأحناف في حركة تعليم المرأة فقالوا الأفضل أن تقوم امرأة بتعليم الفتاة أو أعمى والأفضل امرأة وذلك أن صوت المرأة عورة (الحمال، 2008م، ص 178، 179). رغم وجود قدر من التعليم للنساء (حسانين، 2008م ، ص 165) إلا أنه “لا عبرة هنا بوجود بعض الأديبات والمعلمات والمثقفات في بعض المدن لأن المرأة ظلت غائبة عن المجال الثقافي إلى عهد قريب، وفي مختلف المجتمعات التقليدية ، ولعل هذه الوضعية لم تبدأ في التغير الجدي إلا منذ النصف الثاني من القرن العشرين”‏ (الزهراني، 2007م) .

كان المنع من التعليم النسوي أشبه بالمبدأ العقدي في الأوساط الشعبية وهناك استثناءات لهذه القاعدة حيث نجد نساء متعلمات وخاصة في البلاد الأندلسية حيث يندر وجود امرأة جاهلة ولكن ورغم ذلك ظل التعليم في معظم العصور الإسلامية ظاهرة رجالية . وعندما فتحت مدارس البنات في القرن العشرين وصفها البعض بأنها “المصيبة العظيمة والطامة الكبرى” ومن أعظم المنكرات وتم تبادل الاتهامات بالزندقة بين الخصوم في كثير من المدن الإسلامية حتى أنه في بعض الحالات فتحت مدارس البنات بحماية القوة العسكرية، رغم أنها فتحت حسب الأصول الشرعية إلا أن المعارضة الشعبية والدينية كانت قوية جدا. حرمت المرأة المسلمة من التعليم إلا في نطاق ضيق فمُنعت من حقها الشرعي وأضحت قاعدة سد الذريعة والخوف عليها سلاحا مشرعا في وجه أي دعوة لاستعادة مكانتها وأصبحت العادات الاجتماعية أحيانا ثوابت دينية (العلواني، 2003م، ص 143، 213، 253).

ينبغي أن لا ننكر أن في عصور التراجع والتخلف في معظم الأقطار الإسلامية حرمت المرأة من حقها في طلب علم الدين والفقه فيه ، ومنعها من دخول المسجد للصلاة أو التعلم.

إن نظرة المجتمع العربي لم تتفق على طريقة تعليمها فبعضهم رأى أن تتعلم ما يعنيها ويعينها على فهم أمور دينها ، ومنهم من لا مانع لديه من أن تصعد الفتاة لأعلى درجات المعرفة (أبوعمشة ، 1987م ، ص 239، 463). وفي بعض البلدان الإسلامية كان “تعليم المرأة إلى أوائل الثمانينات من القرن الهجري السابق يكاد يكون مقصورا على تعليم بسيط لا يتجاوز القراءة البسيطة للقرآن الكريم” (المزيني ، 2008م ، ص 29). منع البنت من المدرسة كان ولم يزل متأثرا بالقيم القديمة الراسخة وأن البنت في البيت آمنة (Gewirtz, S & Cribb, 2009, p. 8). من المهم التشديد على أن إبعاد الفتيات من الكتاتيب كان لأسباب مجتمعية وفكرة المنع تتنافي أساسا مع الأصول الإسلامية (Akkari, 2008, p. 234).

قال القابسي مُحذرا من تعليم البنت الكتابة (2009م ، ص 273) “وسلامتها من تعلم الخط أنجى لها”. وقال عبدالقادر الجزائري في ذكرى العاقل وتنبيه الغافل “نهى شرع الإسلام ، عن تعليم النساء الكتابة، لأن المرأة ، قد لا يمكنها لقاء من تهوى، فتكتب له. فتكون الكتابة، سبباً للفتنة”. ويُروى عن أبي الثناء في كتابه الإصابة في منع النساء من الكتابة أنه قال “فأما تعليم النساء القراءة والكتابة فأعوذ بالله منه، فاللبيب من الرجال من ترك زوجته في حالة من الجهل والعمى فهو أصلح لهن وأنفع”. هذه المواقف المتشددة فرضت على العقل الأنثوي والعقل الجمعي وضعا مهمشا في سياق المتحول الثقافي (الموشي ، 2004 م ، ص 117).

وحتى في تعلم القرآن الكريم وضع البعض قيودا منها : “ولا ينبغي للمعلم أن يُعلم البنت “سورة يوسف” (الخباز ، 2009م ، ص 96). وقال الألوسي في تفسيره “وقد صحح الحاكم في مستدركه حديث النهي عن تعليم النساء سورة يوسف”. وفي كتاب الحاوي للفتاوي للسيوطي “كره بعض السلف تعليم النساء سورة يوسف لما انطوت عليه من تلك القصص لضعف معرفتهن ونقص عقولهن وإدراكهن” (ج1، ص 359) وكذا في كتابه الإتقان علوم القرآن، ونقل مثله القاضي عياض في كتابه الشفا بتعريف حقوق المصطفى وأيضا سالم الحضرمي البتاوي في كتابه سفينة النجا.

ورُوى في الأثر: “علموهن الغَزْل ، ولا تُسكنوهن الغُرف ، ولا تعلموهن الخط” (المشتولي، ص 14). والأمر بتعليم المرأة المغزل لا يراد به الإنتاجية ، بل يراد به عزل المرأة عن الحياة العامة وتجهيلها (الصراف ، 2008م ، ص 283). وقال محمد الخراشي في منح الجليل شرح مختصر خليل “وَتَعْلِيمُ الأُنْثَى مَا تُصَلِّي بِهِ كَالذَّكَرِ, كَذَلِكَ وَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْوَلِيِّ وَالزَّائِدِ عَلَى ذَلِكَ لِلأُنْثَى حَسَنٌ, وَكَذَا الْعِلْمُ لا الرَّسَائِلُ وَالشِّعْرُ وَتَرْكُ تَعْلِيمِهَا الْخَطَّ أَصْوَنُ” (ج3، ص 734، المغراوي، 2009م ، ص 538).

ما سبق من رؤى تنطلق من الإيمان بأصل المرأة الشرير وميلها للفساد وتؤكد ذكورية الرؤية في الحياة فالمرأة في مثل تلك الفتاوى شر ومن الشر وإلى الشر وعلى المرأة أن تنفذ أوامر الرجل الذي يفهم الدين والدنيا نيابة عنها كي لا تخرج من سلطته وسيطرته . 

وفي مجال تهذيب أخلاق المرأة وتعليمها قالوا: “اعلم أن معاملة النساء أصعب من معاملة الرجال لأنهن أرق ديناً وأضعف عقلاً وأضيق خلقاً”(باحارث ، 2007م ،      ص 35 ) . المرأة “مُعْوَجَّةُ الأَخْلاقِ لا تَسْتَقِيمُ أَبَدًا، فَمَنْ حَاوَلَ حَمْلَهَا عَلَى الأَخْلاقِ الْمُسْتَقِيمَةِ أَفْسَدَهَا، وَمَنْ تَرَكَهَا عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ مِنْ الاعْوِجَاجِ انْتَفَعَ بِهَا… خُلِقْنَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ الَّتِي لا يُفِيدُ مَعَهَا التَّأْدِيبُ أَوْ يَنْجَحُ عِنْدَهَا النُّصْحُ فَلَمْ يَبْقَ إلا الصَّبْرُ وَالْمُحَاسَنَةُ وَتَرْكُ التَّأْنِيبِ وَالْمُخَاشَنَةُ” (الشوكاني، نيل الأوطار). وفي رأي الغزالي “فيهن شر وفيهن ضعف ، فالسياسة والخشونة علاج الشر ، والمطايبة والرحمة علاج الضعف، فالطبـيب الحاذق هو الذي يقدر العلاج بقدر الداء، فلينظر الرجل أولاً إلى أخلاقها بالتجربة ثم ليعاملها بما يصلحها كما يقتضيها حالها”.

إن خلق حواء من الضلع يدل على “أنهن خلقن من العوج فلا يطمع في تقويمهن” (الأبياري، 2002 م، ص 15). المرأة ـ كمبدأ عام عند فئة من الدعاة ـ “مستعدة لأن تقع في الخطأ أكثر من استعداد الزوج لذلك” (أيوب، 2002م، ص 183). “المرأة تحكمها العاطفة”. وفي ظل هذا الإطار السلبي انحرف المسار الثقافي وفقد التعليم قدرته على تطوير طاقات المرأة بشكل صحيح وتعثرت العملية التعليمية وأصبح حصادها النافع محصورا في بعض الميادين الحياتية.

وإذا اتجهنا نحو عقاب المرأة فنجد أن ضرب المرأة بغرض التأديب أصبح يهدد المجتمع المدني ولا زالت بعض الكتابات المعاصرة تستند إلى التراث لتسوغ ضرب المرأة وتطالب بالعقاب مع توخي الرفق بالمرأة فالضرب في ظنهم طريق من طرق العلاج يجدي مع بعض النفوس الشاردة التي لا تفهم بالحسنى … فبعض النساء يعجبهن من الرجل قسوته ، وشدته ، وعنفه؛ فإذا كانت امرأة من هذا النوع فإنه لا يستقيم أمرها إلا بالضرب (الحمد، 200 م)، هذه رؤية مجتمعية مرتبط بالعادات ومن الصعب أن نقول عنها من محاسن الإسلام كما يصرح أولئك النفر. إنها للأسف الشديد أدبيات تستند للتراث لتكريس الضرب ولتكون سمة من سمات المؤسسة الأسرية المسلمة (فرج ، 2004م، ص 51).

ويروج البعض الحديث التالي “لا يُسْأَلْ الرَّجُلُ فِيمَ ضَرَبَ امْرَأَتَهُ” (الشربجي ، 2002 م، ج2، ص 198) من دون بيان ضعف الحديث عند بعض المُحدثين. “وَقَالَ أَحْمَدُ فِي الرَّجُلِ يَضْرِبُ امْرَأَتَهُ “لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَسْأَلَهُ وَلا أَبُوهَا لِمَ ضَرَبَهَا ؟” (ابن ضويان، 1989م ، ج2 ، 224). “وترى بعض الأمثال أن المرأة لا تلين لزوجها وتطيع أوامره، إلا بعد الضرب والإهانة: (إذا بدك المرا تلين، عليك بحطب التين) ، و(الشمس بعد الغيم ، والمرا بعد الضيم).(إذا أردت الحد الأقصى من امرأة أو كلب أو جوزة، فحسبك أن تلجأ إلى الضرب) ، و(المرا مثل الزيتون ، ما بتحلى إلاّ بالرص) ، و(المرا مثل القط بسبع أرواح). هذه الأمثلة في بعض مدلولاتها انعكاس لتقلص معاني الحوار والإصلاح الراقي بل هي امتدادات طبيعية لعادات متحجرة وانحرافات فكرية سببت ولا زالت تسبب ضعف الإيمان بقدرات المرأة وعقلها الوقاد . إن التأخر المعرفي إزاء قضايا المرأة الراكدة والوافدة ألحقت الضرر في العقل المسلم وسببت له تشوهات معرفية وأخرت مسيرة الأمة.

كثيرة هي الأفكار التي هيمنت على الساحة التعليمية ونصيبها من الصواب قليل وأسانيدها لا تصح وإن صحت فهي مضطربة المتن وعللها قادحة. ومن ذلك قولهم “عن الزهري: العلم ذكر فلا يحبه إلا ذكورة الرجال” (البروسوي، 1985م). وفي جامع بيان العلم وفضله لابن عبد ربه “العلم ذكر يحبه ذكورة الرجال ويكرهه مؤنثوهم” وورد في تاج العروس “العِلْم ذَكَرٌ لا يُحِبُّه إِلا ذُكُورُ الرِّجال”. وقيل “علم القرآن ذكر لا يعلمه إلاّ الذكور من الرجال”. ومن ذلك قولهم عن الشعر “إنما يحبه فحول الرجال ويكرهه مؤنثوهم”. وقالوا:

وكيف يرجى العقل والرأي عند من

 

 

يروح إلى أنثى ويغدو على طفل

وأنشد غيره في معناه:

متى يأت المعلم يوم خيرٍ

 

ولم يعرف سوى أنثى وطفل!

ونحوه قولهم “لا تستشيروا معلّماً، ولا راعيَ غنمٍ، ولا كثِيرَ القُعُود مع النِّساء”. كان يقال: لا ينبغي لعاقل أن يُشَاوِرَ: الرجلُ الكثيرُ المحادثَةِ للنِّسَاء. وقالوا “وينبغي للعالي الهمة أن لا يكون معلمه مؤنثاً”[2]. وعليه، فالعلم قيمة معيارية ذكورية (الفيفي، 2006م، ص 87)، ويذهب إحسان الأمين إلى أنهم حصروا العلم بالذكور، دون الإناث، وكأنّ العلم مختص بهم دون غيرهم حتى انسحب إلى فكرهم العلمي ومواقفهم العملية. إن قضيّة المرأة لا زال من أهمّ الموضوعات التي يتدخّل فيها العرف والفهم الاجتماعي، وقد ترتّبت على الموقف منها والنظرة إليها آراء بل معتقدات ومواقف وأحكام دينية، ولم يسلم من هذا التأثير بعض العلماء.

إن الموروث الاجتماعي كون ثقافة جنسوية أو وعي إسمنتي مسلح ينعت الرجل بصفات العلم والعقل وينسب بالمقابل إلى المرأة الإبليسية والكيد والميوعة والتقلب ونقصان العقل (دولة، 2009م ، ص 43). وهكذا ضُرب بين المرأة وبين العلم بسور منيع من التصورات الجائرة والإيحاءات المتحيزة ضد الإناث.

التداعيات الراهنة :

يذهب بعض الباحثين إلى أنه في وقت من الأوقات دارت معارك جدلية بين المسلمين حول جواز تعلم المرأة وكانت حجة المانعين سد الذريعة فالمرأة المتعلمة أقدر على المغازلة والمشاغلة والمكاتبة والمراسلة ثم انتهت المعركة بإقرار الجميع بأن تتعلم كل علم ينفعها (سعداوي، 2006م، ص 254). هل فعلا تختار المرأة اليوم تخصصها العلمي بحرية أم ما زالت مخيرة في اختيار مهن معدودة ؟ هل توقف العلماء عن تقليص ميادين ودرجة تعلمها ؟ هل تخلص الفكر التربوي الإسلامي بهذه السرعة من ركام ورواسب الماضي وعاد إلى عافيته تماما، وتخلصت المخيلة الشعبية مما سكن في عقلها الباطن طيلة القرون الغابرة؟

قبل الخوض في مقاربات تربوية ودينية واجتماعية وثقافية قادمة يمكن تسجيل مجموعة ملاحظات عامة تمهيدا للمقاربات. يحلو للبعض أن يتحدث عن مساوئ الشعوب غير المسلمة وفي المقابل لا يعترف بسبق الآخرين في ميادين لهم فيها فضل السبق وننعم بثمارها اليوم. إن داء الإقصاء وحيازة ناصية الصواب آفة ثقافية منتشرة في معظم الشعوب. مجموعة كبيرة من كتب تطور الفكر التربوي في العالم العربي إذا تناولت قضية المرأة عبر القرون تذكر سلبيات الأمم الغابرة وتغض الطرف عن تحديات أمتنا في ماضينا وحاضرنا أو تذكر عرضا سريعا لها وعلى استحياء ، فنعد عيوب غيرنا عدا، ونغفل عن عيوبنا عمدا، فلا نحصيها وإذا عالجناها نعالجها معالجة سطحية ومن غير أرضية حضارية.

والملاحظة الثانية أن تلك المؤلفات في الفكر التربوي تتحدث عن عظمة الإسلام في تكريم المرأة وتفترض أن تاريخنا صفحة بيضاء ناصعة فنخلط بين الدين والتدين، والنظرية والواقع ، والمقدس والبشري . إن الحقائق تنطق بتربية قهرية ففي بلداننا نبرر قتل الشرف (حمود ، 2009م ، ص 303) ، وتزويج البنت بغير رضاها لابن العم ، وتزويج صغيرات السن لكبار السن، ومآسي الختان كثيرة ، والمناهج الدراسية لا زالت ترسخ الصورة النمطية للنساء، فهل تخلصنا من رواسب العادات الجائرة حقا؟ لازالت المرأة تتحفظ من ذكر اسمها في الإذاعة وكثير من المجلات الدينية فضلا عن الصحف والمجلات العامة ، ويخجل المجتمع من ذكر اسمها في إعلانات الزواج في كثير من مجتمعاتنا وهي ثقافة ما زالت تجد ذيوعا وهكذا يتربى الرجال في تقاليدنا (الوشمي، 2009م ، ص 51) .

الملاحظة الثالثة والأخيرة أننا نتحدث عن مئات المتميزات في تاريخنا ونتجاهل الملايين من الأميات في أوطاننا فنركز على الاستثناء ونهمل الأصل والشائع، ونضخم النادر ونسكت عن الأعم الغالب. وفي المكتبة التراثية نعثر بسهولة على ألف كتاب بأقلام الرجال ونعجز عن العثور على كتاب من تأليف امرأة. نتحدث عن ذمة المرأة المالية وإسهاماتها في الوقف وبناء المدارس – وهذا حق لا مرية فيه- ونحجب القارئ من أنها كانت محرومة من التعلم أو التعليم فيها لعدة قرون إلا نادرا وأن كل أسواقنا مفتوحة للمرأة دائما وأن معظم مساجدنا مغلقة أمام النساء ، إلا في المناسبات الدينية! ونغفل أن نذكر للقارئ أن بعضنا إلى اليوم يستند إلى رأي السلف عن ضعف عقلها وأنها لا تحسن سياسة مالها (عثمان ، 2008م، ص 35). وإذا كانت التربية الحديثة تدعو لتمكين المرأة في المؤسسات الاقتصادية وغيرها فما زال بعض كبار العلماء يرفض خروجها من المنزل إلا لعذر قاهر فكلها عورة بدنها وصوتها، هذه أصول الشريعة (الشثري، ص 18-19). إننا نذكر نصف القصة وشطر الحقائق لا سيما إذا كانت أليمة. وحتى عندما نستدل بالغرب ودراساته قد نستشهد بما يؤيد عاداتنا الراكدة ويسند توجهاتنا المتحيزة فننتقي من الآخرين ما يؤكد القرار في البيت للمرأة، ومضار الاختلاط، ومفاسد الحقوق السياسية للمرأة ونحجب الدراسات المخالفة رغم منطقيتها في كثير مما تذهب إليه مما يجعل الدراسات في بلادنا أقرب للوصاية والأحكام المطلقة وترسيخ العرف الاجتماعي لا البحث والتفكر والتجديد والاجتهاد الموضوعي.

إن في غياب المساواة بين الجنسين ضياع لمبدأ المساواة في المجتمع ككل (الحمد، 2005م، ص 58). لم يعد عالم الحريم ممكنا كما كان سابقا لكن لا زال الحلم يداعب الفكر العربي ويعيش في مخيلته (الفقيه، 2009م، ص 82) لا زالت المقولات الذكورية تتردد في خطابات الأدب الشعبي وسياقات الوعظ الديني وعلى ألسنة بعض المتعلمين. إن الماضي الأليم يتملكنا ويعيش في حاضرنا ويصور المرأة كمخلوق أدنى. وما تزال عقول كثير من الرجال في عالم اليوم ترى موقع المرأة الطبيعي الانحباس في البيت وهو ضمن تصورات قاصرة تقيد حريات الإناث مما يجعلهن خانعات ويفقدهن الثقة بالنفس وهذه المعتقدات القديمة من أهم المعوقات المعاصرة (حمود، 2009م، ص 19، 257).

ثمة أصوات تعيش القرن الراهن ولكن بذهنية مختلفة حيث تنادي بأن تكون المرأة تابعة للرجل لا متبوعة فلا يصح أن تصبح مديرة (النجدي ، 2001م ، ص 34)، ويوصي كبار العلماء والدعاة بالآتي: خير للمرأة “أن لا ترى الرجال ولا يراها الرجال” (ابن جبرين ، 1419 هـ ، ص 100) ، ويتخذون من الموروثات مرتكزا والآيات ظهيرا لزرع أفكار متشددة لا مجال لها في مجتمع يحترم الحريات الفردية ويعتبرها حاجة ملحة.

تذهب طائفة من كبار العلماء إلى ضرورة تغطية جميع بدن المرأة ولا يجوز أبدا كشف أي عضو منها لأن ذلك تبرج مُحرم شرعا وهذا أمر قطعي لا خلاف فيه لديهم وليس للمرأة حق الاختيار الفقهي فيما فيه خلاف. يرى الشثري (2007م) ومعه مجموعة من العلماء حديثا: إن الله حرم تمكين النساء والأطفال من التصرف في الأموال إلا تحت الوصاية والرعاية من الرجال والمرأة مأمورة بلزوم البيت والانكفاف عن الخروج من البيت إلا لضرورة وإن خرجت تغطي وجهها أو تكشف عينا واحدة… الأنثى ناقصة الظاهر والباطن في الصورة والمعنى … ضعيفة عاجزة عن الانتصار عند الانتصار(ص7، 15،17، 22، 23، 26،75).

لازال هؤلاء إلى يوم الناس هذا يروجون – مع الاحترام الشديد لأشخاصهم- أن حواء أخرجتنا من السماء وأن الله سبحانه عاقب النساء بالعادة الشهرية والحمل والوضع كرها … بسبب تلك الغواية الأولى والمشورة الخاطئة ، ويقدمون البراهين العقلية والنقلية على أن كل البلاء منهن (عثمان ، 2008م، ص 26، 32). وهكذا يستمد التشدد الديني وتياراته من الماضي زاده المضطرب ويصور العادات بأنها محكمات دينية لا يمكن نقاشها. للأسف الشديد كلما زاد التشدد في قضايا المرأة ، زاد التمرد والتساهل. الطرفان في غاية الخطورة في تربية الناشئة على وجه الخصوص مما يسبب التناقض الفكري الحاد في وعيهم وبناء شخصيتهم.

لا بد للعلماء والحركات الدينية وغيرها من مراجعة الفكر الإسلامي المعاصر والابتعاد عن إلزام الناس بآراء المذاهب الفقهية وإتاحة حرية الاختيار في المسائل الخلافية وفك الوصاية الدينية قبل أن تُكسر أكثر وتكون الخسارة أكبر. تعج الجامعات والكليات التربوية بمثل تلك الآراء وكأنها الحقيقة المطلقة وذلك عبر الكتيبات التي تبثها بعض الحركات الدينية التي لا تؤمن برأي آخر وتحرم المرأة حتى من حق اختيار شكل ملبسها في دائرة العفة والصيانة. إن التصورات الخاطئة عن المرأة وعن وطبيعتها وعقلها يتفرع منها مثل تلك الآراء المتشددة التي تقيد حريات الإناث بل تنزع منهن الثقة بالنفس.

تشير الدراسات الخاصة بالأدبيات الإسلامية اليوم أن بعض المدارس الدينية تتبنى تيارا متشددا ضد المرأة, فهو يعتبرها مخلوقا دون الرجل , وأن عليها أن تلزم بيتها ولا تخرج منه إلا مضطرة وبعضهم قال لا تتعلم إلا ما يمحو أميتها وبعضهم قال لا تتعلم إلا المرحلة الابتدائية , وبعضهم يلوكون أحاديث نبوية لم يحسنوا فهمها (القرضاوي, 2004, ص 182) إن جزءا من مأزق الخطاب الإسلامي والفتاوى الشرعية المبالغة في مآلات الأمور وفي التعميم والتهويل فيضع الناشطون دينيا سقفا لتعليم الفتاة ويحرمونها من بعض العلوم الدنيوية الحديثة (الوشمي ، 2009م، ص 142- 152).

ثمة تناقض بين ما يكفله القانون والدستور وبين خطاب فئة من التيارات الدينية التي تقلص حرية الفتاة. قال بعضهم “فليس من الملائم لفتاة أن تدرس الهندسة المدنية، أو الميكانيكية، أو الكهربائية” (بكار، 1428هـ ، ص 28). وعن حكم دراسة النساء للهندسة والكيمياء ورد سؤال لأحد العلماء وهذا نصه “هل يجوز للفتاة أن تدرس في بعض تخصصات العلوم الطبيعية مثل: الكيمياء والفيزياء وغيرها؟” فكان الجواب: “ليس للمرأة التخصص فيما ليس من شأنها، وأمامها الكثير من المجالات التي تتناسب معها، مثل: الدراسات الإسلامية، وقواعد اللغة العربية. أما تخصصات: الكيمياء والهندسة والعمارة والفلك والجغرافيا فلا تناسبها، وينبغي أن تختار ما ينفعها وينفع مجتمعها، كما أن الرجال يعدون لها ما يخصها مثل: الطب النسائي، والولادة، وغيرها. وقال الشنقيطي في أضواء البيان ويجب أن تكون النظرة لتعليم المرأة الكتابة على ضوء واقع الحياة اليوم وفي كل يوم ، وقد أصبح تعليم المرأة من متطلبات الحياة ، ولكن المشكلة تكمن في منهج تعليمها. فكان من اللازم أن يكون منهج تعليمها قاصراً على النواحي التي يحسن أن تعمل فيها كالتعليم والطب وكفى (ج9، ص 99، باختصار).

وهذا يتفق مع نهج حسن البنا الذي آمن بأن تتعلم المرأة ما هي في حاجة إليه في تدبير المنزل وتربية الطفل وكفى! وهكذا وضع كثير من العلماء والدعاة سقفا لتعليم المرأة فلم يتحدثوا كثيرا عن العلوم النظرية والتقنية ولم يتحدثوا عن المرأة الحضارية (المفكرة المفسرة والمواطنة وسيدة الأعمال والباحثة والأم المثقفة ثقافة رفيعة والزوجة الفخورة بحقوقها والطبيبة المحسنة في واجباتها الأسرية). رغم أن التيارات المتشددة نجحت في التركيز على دور المرأة في الأسرة – ولا شك أن ذلك مهم للغاية- إلا أن ذلك ليس نهاية المطاف لمن أرادت المزيد. أخفقت التيارات المتشددة في السعي نحو المطالبة بتوسيع نطاق تعليم المرأة بل هاجمت هذا الطرح ولا تزال تفعل ذلك وتشحن النفوس. وعلى ضوء ما سبق لا نعجب من وقوف كثير من التيارات الدينية ضد دخول أو اقتحام المرأة الجامعات والحصول على البعثات في الخارج بل اشتعلت المعارك الفكرية في سبيل منع المرأة من التوسع في ميادين متنوعة.

ليس المهم أي تخصص تختار المرأة لدراستها وعملها فالأمر فيه سعة المهم تطبيق مبدأ حرية الاختيار وعدم سلبها إرادتها. لا شك أن للمرأة خصوصيتها ولكن الحياة المدنية أعطتها حق الاختيار بما يناسب طاقاتها ومتطلبات التنمية في مجتمعها فلم نوجه الفتيات نحو وظائف دون أخرى؟ لاحظ الباحثون “ضعف مشاركة المرأة في النشاط الاقتصادي ، واقتصار الأعمال التي تزاولها، في أغلب الأحيان، على مهن محدودة مثل التدريس والتمريض وبعض الأعمال المكتبية البسيطة” (مجلس التعاون لدول الخليج العربية، 2004م ، ص 21) مما فتح الباب واسعا لجلب العمالة الأجنبية لسد النقص ومعالجة الاختلال الناتج من موروثات اجتماعية راكدة.

وإذا كان بعض سلفنا الصالح قلل من قيمة عقل المرأة نظرا للسقف المعرفي المحدود والتشبع بعادات متناقضة فإن فئة من الباحثين اليوم تصر على السير في الطريق نفسه وبينما الأمم تغرس في طلابها الثقة في النفس فإن بعضنا ينادي برؤية معاكسة تماما. يؤكد باحارث – أحد المتخصصين في أصول التربية الإسلامية- أن “الإناث أقل قدرة على تعلم المفاهيم الجغرافية من المذكور”. وفي دراسة أكاديمية متخصصة في التربية يؤكد باحارث (2007م) على جملة من المفاهيم مغايرة تماما لما استقر عليه التربويون ففي توثيق المعلومات يُطالب بوضع اسم الرجل قبل اسم المرأة إذا كانت الفقرة في المتن مستنبطة ومركبة من عدة مراجع، فعلى سبيل المثال نكتب أحمد الصمادي قبل عزيزة المانع لأن الرجال قبل النساء. ويطالب باحارث أيضا بمنع ابتعاث الفتيات للخارج لأي مرحلة تعليمية كانت، ولأي تخصص كان (ص 11، 168، 275). ويؤكد على ضعف إنتاج الإناث الفكري بسبب التكوين الخلقي والبيئة الاجتماعية وأن سبب بروزها اليوم علميا قد يكون من علامات آخر الزمان (ص 87-88). وإذا كان باحارث يؤكد على تأخير اسم المرأة فإن القرآن الكريم لا يخدم مثل هذا الفهم الديني الغريب إذ القرآن قد يقدم الإناث على الذكور حسب ما يقتضيه السياق؛ قال تعالى “يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ” (الشورى: 49) . وهنا قدم الإناث على الذكور وذكر الإناث بصيغة النكرة وهو ما يقال له في لسان العرب “تنكير التعظيم” إشعارا بالأفضلية؛ أن يُرزق المرء بالإناث (الخياط، 2009م، ص 138).

وإناء الماضي السلبي لم ينضب بل ينضح اليوم بعبارات لا تليق ومن ذلك أن النساء أسفه النساء وذلك لنقصان عقولهن وطيشهن وضعف رأيهن في العموم فلا تستشار المرأة إلا في نطاق محدود لندرة إصابتها في الرأي كما ذهب الجويني إمام الحرمين وغيره كثير( المدخلي، 2004م ، ص 51). هذا غيض من فيض هادر لم يغادر ذهن كثير من الذكور منذ أقدم العصور وما أشبَهَ الليلةَ بالبارحة!

EL331001 Are you one of those individuals who’ve head noise pretty much right now for many weeks? You’ve done everything possible to find out where tinnitus originated from; and then the medical doctors mentioned https://www.unica-web.com/urbanek.htm viagra 50 mg there was absolutely nothing they could do, therefore you would just have to live with that. (Let’s hope that they did not forget to tell you that ringing in the ears may.

وإذا كان البعض قد يلتمس بعض العذر لمن سبق من العلماء في تحيزهم ضد المرأة فما عذر من يفكر بعقلية القرون الغابرة مع أنه يعيش في عصر تقدم العلوم ومناهجها؟ وامتد هذا التحيز المباشر ضد المرأة إلى عقر دار الصروح الأكاديمية فالمباني العصرية والمؤسسات التعليمية الأكاديمية قد تشوه أو تشوش الحقائق في عقول الناشئة وتزودهم بفكر يميل إلى الانكسار والإذلال وتشويه الذات. ذكر الفيفي (2006م) أن موسوعة من الموسوعات المعاصرة في الأخلاق تبث قيما منحازة للذكور وتقلل من قدر المرأة، وتعتبر الموسوعة نفسها أنها تقدم قيما إسلامية (ص 99). وجاء في دراسة أكاديمية أن أول وأهم خصائص المرأة ما يلي: (العوج الجبلي، والغيرة الجبلية، ونقصان العقل والدين) (الحدري، 1418هـ، ص 350-361) هذه فقط أهم الخصائص. ويعتقد بعض التربويين الأفاضل أن الإسلام والذكورة من السمات الأساسية في القائد الإداري التربوي من المنظور الإسلامي (الأحمد وأبو علي، 2009، ص 291). تلك خصائص المرأة التي على ضوئها سيتعامل المربي مع الفتاة والزوج مع زوجته والحاكم مع رعيته … إنها خصائص تتناقض مع أبسط حقوق الإنسان وهي أفكار تقليدية نابعة من تصور قاصر مشوهه أو تأثر بالوضع الاجتماعي السائد.

وبعض التوجيهات الدينية تشيع فكرا تعليميا لا يتفق مع ما تصبو إليه التربية الحديثة. يقول أحد العلماء “فالذي أراه أن المرأة إذا أنهت المرحلة الابتدائية، وصارت تعرف القراءة والكتابة، بحيث تنتفع بهذا العلم في قراءة كتاب الله وتفسيره، وقراءة أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وشرحها، فإن ذلك كاف؛ اللهم إلا أن تترقى لعلوم لا بد للناس منها؛ كعلم الطب وما أشبهه (ابن عثيمين، 2008م، فتاوى المرأة المؤمنة، ص 315). لا زال الكثير من أتباع الخطاب الديني الحديث يرى أن التعليم الجامعي للبنات غير أساسي (فلية، 2008م، ص 217).

وفي إطار تقليص حركة المرأة يؤكد علماء الدين على حق الرجل في منع زوجته من استعمال الهاتف، ومقاطعة الكوافيرات، ومنعها من لبس البنطلون مطلقا حتى أمام زوجها لأنه تشبه بالرجال، وإذا كان الشعر كثيرا على الحاجب بحيث ينزل على العين فيؤثر على النظر فلا بأس بإزالة ما يؤذي منه (ابن العثيمين، 2008م، الحلال والحرام في الإسلام، ص 347، 348، 353، ص 358). وصل الأمر أن المُعلمة قد تتعرض للوائح وتعاميم مدرسية تحد من حركتها وحريتها الشخصية في بعض المجتمعات العربية حيث يطلب منها لبس العباءة ويتم تقييم حاجبي المعلمة ضمن درجات تقييم أدائها الوظيفي فالحواجب المهملة تأخذ الدرجة كاملة والتي تهذب حواجبها تنقص درجاتها بغض النظر عن كفاءتها كمعلمة وهكذا طغت الشكليات على التعليم .

ومن الغريب أيضا أن يطالب أحد الكتاب بمنع البنات من الخروج وحدهن سواء للسوق، أو للطبيب ، أو غير ذلك، ويرى أنه لا بد من وجود المحرم معهن ، وألا يخرجن إلا للحاجة الملحة مع وجود المحرم وإذا كان الرجل يستحي من النزول مع محارمه فليذهب بهن إلى الأسواق الخاصة بالنساء ، أو يذهب بهن إلى بلدة قريبة من بلدته، وينزل معهن ؛ حيث لا يعرفه أحد هناك ثم وباسم التربية الإسلامية يتدخل المؤلف في خصوصيات حياتية منها التحذير من الأسماء الغرامية الرخوة المتخاذلة مثل: أحلام ، أريج ، تغريد ، غادة ، فاتن، هيام ويحذر من التسمي بها (الحمد، 2002م ، ص 27-28- 88).

إن حقوق الرجل على المرأة ومواعظه (الغيورة) قد تتحول في الواقع والممارسة إلى قيود اجتماعية يتم تجميلها دينيا لتكبيل حركة المرأة والتحجير عليها وتقليص مداراتها وحرمانها من أبسط حقوقها في الاختيار والحركة والتفكير والتجمل. لقد تغير العقل المسلم وتحرر من بقايا الأغلال وزالت كثير من المظالم التي وقعت على المرأة المسلمة ولكن لا زالت عقلية الشك بمسلك المرأة والقلق من طاقاتها القيادية والارتياب بقدراتها الفكرية الخلاقة تلاحق وقد تلاصق أذهان الكثيرين في مجتمعاتنا ممن لازالوا يتحدثون بمفردات ومناهج ومواضيع وغايات لا صلة لها بالعصر ولا مقاصد الدين ولا حقائق الحياة.

يقرر محمود قمبر بعد سلسلة واسعة من الدراسات التراثية النقدية: “لقد ظل التعليم للأسف – طوال عصور متعاقبة في التاريخ وبامتداد الأرض الإسلامية – ظاهرة رجالية، ولم يستسغ المسلمون أبدا فكرة أن تتعلم المرأة، وأن تعلم المرأة”.

إن حرمان المرأة من دخول الأزهر والمستنصرية والبيهقية والنظامية والزيتونة … كمتعلمة ومعلمة لعدة قرون شكل العقل المسلم تشكيلاً سلبيا وليس من السهولة التخلص من تلك العقدة القديمة والرواسب السلبية التاريخية التي تؤثر في الوعي الجمعي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إلا بدراسات نقدية ومواقف شجاعة وانفتاح على معطيات العصر وتجلية الأصول الإسلامية في أن النساء شقاء الرجال.

عصر الحريم لا يزال حيا يرزق في عقلنا الباطن (المسعودي، 2000 م ، ص 90). يقوم الخطاب التقليدي المتشدد اليوم بتزييف وعي المرأة وإبعادها عن العمل المجتمعي والمطالبة بعودتها للمنزل دون فهم التناقضات المجتمعية فعودة المرأة للمنزل حل آني لأزمة البطالة في المجتمع (فلية ، 2008م، 219). نحن أمام النظرة الدونية للمرأة كمجرد جسد حيث التزمُت في فهم الشريعة الإسلامية، تتحول المرأة إلى رمز للخطيئة ومصدر الدمار الأخلاقي، وإلى مجرد عورة ومنعها من أن تلعب دورها في بناء مجتمعها ( الولي، 2009م، ص 180).

يرى عبدالمنعم إبراهيم (2001م) في كتابه تربية البنات في الإسلام أن المرأة اليوم مطالبة بعدم الخروج من بيتها إلا لضرورة (133). يتحدث هؤلاء عن المرأة بمفردات وآراء لا ترتبط أبدا بالمجتمع المدني وحقوق المرأة الأصيلة في العمل والترفيه والاختيار والمواطنة وتحمل المسئولية في الموازنة بين بيتها وحركتها المجتمعية إذا قررت واختارت العمل.

هل الأصل انحباس المرأة وراء الأسوار المنزلية والخروج منه للضرورة فقط أم أن الأصل خلاف ذلك؟ يؤمن عدد غير قليل من المفسرين والفقهاء اليوم بأنه يتعين على النساء أن لا تخرجن من البيوت إلا لحاجة, وهو خطاب لأمهات المؤمنين ولنساء المؤمنات في كل عصر. وهذه رؤية تقيد حركة الإناث بل تشلها فرغم أهمية البيت فإن العمل في سياج احتياجات المجتمع ورغبات الفرد والسياحة في الأرض وتعميرها والاستمتاع بمباهج الحياة من أطياف الحياة الطيبة للرجل والمرأة.

وعلى ضوء كل ما سبق فإن المشكلة هي أن أفق كثير من المعاصرين “من علماء الدين غير بعيد عن أفق الماضين، فالمعاصرون يعزلون أنفسهم عما تنتجه الحضارة الفكرية البشرية الحديثة. الكثير من أقوال المعاصرين في شأن المرأة ما هو إلا اجترار لأقوال الماضين وشرعنة النظرة السلبية للمرأة” (الخباز، 2009م، ص 131، 133). ومن الطبيعي جدا أن يتأثر الميدان التربوي والعمل البحثي بما سبق مما يؤخر التنمية الحقيقية ويقلص مساحة الحريات الإنسانية.

دور التربية :  

دور التربية هو إزالة العوائق التراثية المانعة لتعليم المرأة مع التوجيه الإيجابي نحو بناء شخصية الأنثى  وفتح كل المعابر الكفيلة بتنميتها وحسن تعليمها ولا يتم ذلك حتى نكشف الحقائق ونرفض كافة صور الوصاية وتهميش المرأة التي تتمسح باسم الدين أو الحداثة أو العادات. وعلاوة على ذلك يجب أن نتمسك بكل ما هو صحيح صريح في ديننا الإسلامي العظيم ونقبل ونطور كل ما يسير على نهجه المستقيم من محاسن تراث السابقين وخبرات الإنسانية، فمن المستحيل أن الأحكام الدينية الصحيحة الصريحة القطعية الدلالة تتعارض مع حرية وكرامة المرأة والإسلام دين العلم والعدالة والمساواة والكرامة. وكما يقول ابن تيمية صريح المعقول مطابق لصحيح المنقول. التربية الإسلامية تجعل من آيات القرآن وأحاديث السنة منبع القيم الحميدة، والمعايير السديدة، والأحكام الرشيدة. والقاعدة الأصيلة للمربي المسلم أن كل ما خالف ذلك الهدي من موروثات جائرة فهو مردود.

التربية الحقة هي القوة القادرة على تجفيف منابع التطرف وتقليص آثار الموروثات البالية التي تكرس تهميش المرأة والتمييز والاستغلال. إن استنكار ومنع جميع الممارسات المؤذية والضارة تجاه المرأة هدف التربية المعاصرة وصولا إلى تمكينها كشقيقة للرجل تتمتع بكامل حقوقها وعلى رأسها حق التعليم بلا حدود. أصبحت التربية بلا حدود Education without Frontiers ضرورة من ضرورات التربية المعاصرة ولكن للأسف بعضنا يصر على تحديد تخصصات معدودة لدراسة المرأة وهذا طرح يجنح للتقييد، ويقوض مبدأ حق الاختيار، ويتنافى مع مقاصد الدساتير التي تؤمن بالمساواة.

إن التربية القويمة قادرة على أن تقارع العوائق بنشر محاسن التراث وتبصير الناشئة بغوائله. يميل بعض الباحثين إلى أن ابن رشد “أول من تنبه إلى خطورة تأويل النصوص الدينية للحجر على المرأة داخل المنزل وحرمانها من خوض تجارب التعلم والعمل لأن المجتمع كله يدفع الثمن فقراً معرفياً ومادياً. لقد أدرك ابن رشد أن صورة المرأة ككائن إنساني حر عاقل مؤهل لكل الأعمال الذهنية والعملية لا تتطابق مع صورتها في الواقع حيث تهيمن تصورات تقليدية متحيزة ضدها. كما أدرك أن تدني أحوالها وأحوال المجتمع من ثمة هو النتيجة المنطقية لهذه التصورات التي يتوهم الناس، أنها من قبيل البدهيات التي لا مجال للشك فيها، هذا إن لم يقال لهم أنها من قبيل المقدسات التي لا يجوز لأحد التشكيك فيها” (الزهراني، 2007م، باختصار). هذه الرؤى والمقاربات غدت ذات قيمة كبيرة في مجتمعات تحتكر الفكر وتناصب المرأة العداء باسم الدين وغيره.

إن فلسفة التربوية في بعدها الاجتماعي تتمثل أهدافها في تحرير الإنسان من قيود العادات وأغلالها (خنيفر، 2007م، 106). إن بعض العادات أكثر رسوخا من التوجيهات الأخلاقية الإسلامية مثلا العرف السائد مؤخرا يحكم بأن ذكر اسم الزوجة أمر مشين (مهريزي، 2008م، ص 22).

إن دور التربية في تشجيع المرأة على ذكر اسمها كتابة ومحادثة وممارسة وإتباع منهج الإسلام ورفض العادات السقيمة مهما كانت قديمة. وأبعد من هذا فإن دور التربية اليوم هو حث الأنثى على تقدير نعمة العقل وعدم السماح لأحد أن ينتقص من عقلها وطاقاتها ورسالتها الأسرية والمجتمعية. يقولون الأم مدرسة … والحق أنها مدرسة في بيتها ومجتمعها، ويقولون أن خلف كل عظيم امرأة والحق أن بجانب كل عظيم امرأة. ويقول لكل دولة رجال والحق لكل دولة رجال ونساء … ليس المهم هو تغيير الألفاظ فحسب بل الأهم المضامين فالعبارات تخفي في طياتها مخزون من التصورات قد تُستخدم لتقليص الحقوق وبرمجة العقل.

أصبحت المرأة في العصر الراهن عنصرا فاعلا في حركة الحياة وفي ميادين ومستويات شتى لتواصل بذلك التقدم ما انقطع من عطائها الإنساني ونموها الخلاق مقتدية بسيرة النساء العالمات العاملات اللاتي جمعن عبر القرون بين فضيلتي الإحسان الأسري والعطاء المجتمعي.

واليوم يعتقد عدد من الباحثين المعاصرين أن تعليق أو إظهار السوط أو العصا للعقاب أمر مستحسن للأب في تربية أهل بيته استنادا للحديث النبوي “علقوا السوط حيث يراه أهل البيت فإنه أدب لهم” (الشريف، 2006م، ص 95) ولعل الفهم الحرفي للنصوص يدفعنا لاجترار الماضي وتكريس تربية القهر دون قصد أو بقصد. إن أساليب تأديب الإنسان يجب أن ترتقي. وإذا كانت قضية ضرب المرأة وهضم حقوقها قضية عالمية وليست قضية إقليمية فحسب فإن إحياء الفضائل السلمية المستقرة في أعماق التراث وسيلة لتصويب الفكر. “قَالَ عَطَاءٌ: لا يَضْرِبُهَا وَإِنْ أَمَرَهَا وَنَهَاهَا فَلَمْ تُطِعْهُ، وَلَكِنْ يَغْضَبُ عَلَيْهَا”. وقال الشافعي “وَلَوْ تَرَكَ الضَّرْبَ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ”. وفي الحديث “لَنْ يَضْرِبَ خِيَارُكُمْ”. وفي رؤية مغايرة تماما للساحة الفقهية السائدة اليوم يذهب بعض المتخصصين في الفقه الإسلامي إلى أنه يجب منع العقاب البدني في الأسرة والمدرسة وفق قواعد الفقه المقاصدي (الكيلاني، 2009، ص 130، 134، 158) ولا شك أن سعة ومرونة الفقه الإسلامي يقبل مثل تلك الاجتهادات العصرية. تلك مرئيات تربوية ذات نقاوة عالية حقيق بالمربين الإيمان بها من أجل التحرر من القوالب النمطية في سياق تربية وتعليم المرأة.

يمكن للتراث التربوي الإسلامي أن يلعب دورا مهما في نشر الفكر الإسلامي المستنير الذي يسعى إلى ترسيخ المساواة بين الجنسين وإعلاء شأن الحرية والعدالة والكرامة في رحاب معطيات الدين الإسلامي وما تم الاتفاق عليه من وثائق دولية تسير نحو رفع المعاناة وزيادة قدرة الإنسان على تحقيق الذات.

الأنثى في العالم الإسلامي مهمشة في الحياة العامة (ميرزائي، 2008م، 44) فلا بد من تضمين المناهج الدراسية صورة المرأة المستقلة العاقلة والعالمة في الشريعة والعلوم الدنيوية وسيدة الأعمال الناجحة مع تبجيل عملها في المنزل وإحسانها لأسرتها. يقول محمود قمبر “وعلى الصعيد التربوي العلمي، فإن مناهج الدراسة وبالذات في العلوم الإنسانية والاجتماعية تستدعي بالضرورة مراجعة أصولية لمضامينها المعرفية حتى تتطهر من كل الرواسب التاريخية التي حرفت المفاهيم والتصورات عن المرأة والتي لا تزال تغذي عقلية الرجل سواء في بيئته الشعبية وفي بيئته المثقفة في أواسط المتعلمين” (باختصار يسير).

ولا بد من الانتباه إلى أن تدريس مقررات جديدة، وابتكار مناهج دراسية، وزيادة العناية بالمرأة في مناهجنا يجب أن تكون على أساس تبصيرها بحقوقها وواجباتها وكشف العوائق التي تواجه الأنثى لتمكينها لا لاخضاعها وتخديرها وتكريس ما هو واقع من الدروس التقليدية النمطية التي تهاجم العادات الوافدة وتغض النظر عن العادات الراكدة والموروثات الجائرة منذ مئات السنين!!

إن فتح نقاشات رصينة عن المرأة أساس تجديد الوعي وتغيير التصورات الخاطئة عند الرجل والمرأة والمجتمع. يقول علال الفاسي “والحق أن المرأة وحدها هي التي تستطيع أن تحرر نفسها مما كبلتها به الأجيال وما صنعته بها التقاليد” (إزرويل، 2004م، ص 166). إن توعية المرأة عموما وأهل الميدان التربوي على وجه الخصوص سبيلنا نحو رصد ومعالجة المنهج الخفي الذي يؤصل التمايز والتسلط الذكوري.

يعترف بعض المراقبين بأن حركة تحرير المرأة التي أفرزتها حضارة الغرب رغم نواقصها الجوهرية إلا أنه من الإنصاف التأكيد على أنها وفرت فرصا جديدة تكفل للمرأة حركة مجتمعية فاعلة (خاتمي، 2001م، ص 28). إن الاستفادة من تجارب الحركات النسائية قضية مهمة في إطار تنمية الوعي مع التأكيد على الحفاظ على الهوية المسلمة.

يقول علي وطفة في دراسة عن الشواخص الاجتماعية لوضعية المرأة الاغترابية في الوطن العربي “فـإن الثقافة التقليدية السائدة مازالت تقف موقفا سلبيا إزاء المرأة وجودا ودورا ومصيرا. وليس في الأمر غرابة فالرواسب الثقافية, التي تضع المرأة في مواقع الدونية مـازالت فـي أوج قوتها, ومازالت تجد ينابيع تاريخية ثرة تدفعها إلى النشـاط والحيوية في كل مرحلة أو حقبة تاريخية. وتضرب هذه الرواسـب الثقافيـة جذورهـا فـي عمق الثقافة التقليدية التي تجعل من المـرأة في مرتبه أدنى من مرتبة الرجل” (باختصار). وعليه فإن تنقيح الثقافة وتنقيتها وتوجيهها توجيها سليما من أهم وظائف التربية لحماية ورعاية حق المرأة والرجل.

إن دور التربية اليوم هو ترقية ثقافتنا وتغيير الموروث المشوه الخاص بالمرأة ونقد التصورات السائدة الخاطئة والمعوقة وإعادة التنشئة وفق رؤية سليمة بين الجنسين. ومن المهم بلورة فلسفة مستنيرة تحرر المرأة والرجل من أسر المفاهيم المتخلفة ووضع إستراتيجية تربوية لتطبيق تلك الفلسفة .  

إن الإصلاح الذاتي – بأوسع معانية وأبعد مراميه – هو استدعاء الوعي للنظر في واقع الأمة ومراجعة موروثاتها، ورفع الحصانة والتقديس عن اجتهادات البشر، ونزع الهالة من معطيات الغابر والحاضر مما أنتجه العقل البشري، ومواجهة اتجاهات الغلو الاجتماعي والثقافي والديني نظريا وعمليا بعيدا عن التضخيم المُضل والتعتيم المُخل. شهدت العصور الإسلامية انتهاكات لحقوق الإنسان شوهت مسيرة تربية المرأة وأعاقتها على نطاق واسع وآن الأوان أن ندرس بعناية أسباب التأخر وسر النجاة. التحيز التعليمي ضد النساء في كثير من موروثاتنا دليل على انتفاء العدالة وافتقاد القيم الإسلامية والأُطر السليمة لضبط العمل التربوي في فترات تاريخية حيث كان الشك بقدرات المرأة وزعزعت الثقة بها- لتكريس سلطة الذكور وتفوقهم- يقود عقل كثير من الرجال.

يدرك المتخصصون في التربية أن التربية الإسلامية تربية ثرية مرنة وواقعية وأنها ترسخ أسس العدالة الاجتماعية للجنسين وتتيح فرصة المشاركة العادلة في الحياة العامة ولقد أصبحت قضية إنصاف المرأة وتمكينها من القضايا المهمة في أصول التربية الاجتماعية. يرى الكثير من الباحثين أن مستقبل الإسلام رهن بإعادة النظر في قضايا عديدة، منها الحريات وقضية التحرير الإسلامي للمرأة وأن التشدد كان ومازال مدخلاً للأعداء لكي ينفذوا إلى خصوصيات المجتمع الإسلامي.

دور التربية في الواقع والممارسة هو إيجاد آليات فاعلة لتحرير الفرد وتنوير عقله ومناهضة كل أشكال الإقصاء وكل صنوف التمييز والتحيز والتهميش بين أفراد المجتمع ومنع إساءة استغلال القوة والسلطة والقانون ليقوم الناس بالقسط. التربية خير أداة ليقوم الناس من كل الأجناس بالعدالة وإزالة العوائق. من الأهمية بمكان محاولة تتبع مسيرة المرأة لاستنباط الدروس واستقصاء العبر التي من شأنها أن تقلل الإخفاقات وتقضي على القيود والعراقيل التربوية من جهة، وتساهم في تنمية الواقع ودفع عجلة التقدم لاستئناف المسيرة الحضارية من جهة أخرى.

النتائج والدلالات :

– لم تسلم كتب التفسير، وشروح الحديث النبوي، والأدب والتاريخ والفلسفة  –رغم عظمتها وروعتها- من عبارات قاسية تهمش الأنثى وتعيق تقدم تعليم وتربية المرأة سواء عند السنة أو الشيعة. هكذا نجد أهمية التفريق بين النص المقدس والنص البشري الذي هو اجتهاد بشر لكن إضفاء الشرعية عليه جعل الأعراف الاجتماعية السالبة مع مرور الوقت وكأنها ثوابت دينية راسخة. إن الصور التراثية المشرقة والضخمة عن إسهامات المرأة المسلمة – وهي كثيرة جدا ورائعة إلى أبعد الحدود- لن تشفع لمن يريد أن يغض الطرف عن التحديات الحقيقية التي واجهت ومازالت تواجه المرأة المسلمة وغيرها لا سيما في حقل تربية المرأة اليوم وهي عوائق حقيقية جلية منظورة أحيانا وخفية مستترة غالبا.

– لعبت الأمثال الشعبية، وطائفة من آراء الفقهاء والمفسرين والأدباء، والعادات والتقاليد، والأحاديث الموضوعة والضعيفة، وإتباع النص الحرفي للنصوص المقدسة، وعدم الالتفات للمقاصد العامة دورا مؤثرا في نشوء عوائق جمة أعاقت وتعيق تربية الأنثى. تلك الثقافة السلبية لا تقلل من شأن الأنثى فحسب بل تحصر دورها في الإنجاب وإمتاع الزوج وتغفل عن حقوقها في التنمية الشخصية روحيا وفكريا واجتماعيا وحركيا.

– لا مفر من تنقية التراث – الواسع المتشعب – من الكدر حيث يحتاج إلى مراجعة فكرية دقيقة ومعالجات جذرية ذكية لتتفق مع المقاصد الجوهرية للإسلام. وجود الخلل في بعض النصوص التراثية لا يعني -بحال من الأحوال – الاستخفاف بمعطيات الماضي ومناهج البحث والتأويل والفهم عند السابقين بل هو مبرر لتنقيتها وإنمائها لا إسقاطها وتركها. المطلوب هو تطوير ما انقطع وتجديد المناهج البحثية مع الاستفادة القصوى مما قدمه سلفنا الصالح.

– انقسم الفكر الإسلامي إزاء تعليم المرأة إلى ثلاثة أقسام؛ قسم يمنع تعليم المرأة خشية الفتنة، وقسم يقبل تعليمها بحدود (تدرس ما هو ديني وما هو ضروري وتختار بعض التخصصات مثل العمل في التدريس ولو تكدست الأعداد ولو كان بخلاف الميول) وهذا التوجه لازال مؤثرا في عامة الناس وخاصتهم، وقسم يعتبرها شقيقة الرجل لها مثل الذي عليه حسب رغبتها وحاجة المجتمع وهو ما أخذت به معظم الدساتير الحديثة وهو توجه يلامس الصواب.

– يقوم الفكر النمطي المعادي لتمكين المرأة بخلط تصوراته الشخصية وأعرافه المجتمعية باجتهادات دينية متشبعة بخطاب الوصاية لاستدراج الناس، وإرهاب من يخالفهم، وتبرير التحيز ضد المرأة. إن توفير الحصانة الدينية، والمتانة التربوية، والمناعة التعليمية خير من منع وتحريم ما أحل الله من مباهج الحياة بحجة الغيرة على المرأة وسد الذرائع، وخشية المفسدة على اعتبار درء المفاسد مقدم على جلب المصالح مما ألحق الأذى بالعقل المسلم وحياة الأنثى إلى يوم الناس هذا. سياسة الحصانة خير وأبقى، والمناعة أقوى من سياسة الممانعة.

– إن تربية القهر تختلف عن تربية المودة والرفق والسكن والرحمة. تختلف في ألفاظها ومحتواها وغاياتها ومنهجها ودور التربية الحديثة تصحيح المسار وتصويب الخلل التراثي فالزوج ليس قاهر لزوجته، ولا حاكم عليها، ولا هي تحت سلطانه وحكمه شبه الأسير بل هما من نفس واحدة بينهما علاقة تكامل ورحمة وسكن والتعبيرات القرآنية أكثر إشراقا وأدق وأرق وأعمق.

– لا زالت عوائق تربية المرأة التراثية تلاحق العقل المسلم اليوم – رغم منجزات تعليم المرأة الملموسة والهائلة- بطرائق متنوعة ولكن بروح سلبية لا تختلف في حدتها عن الماضي. واقعنا اليوم فيه صدى لما مضى بكل ما يحمل من أسى. لازالت الأفكار السلبية في التراث تعيش في عقول فئة غير قليلة من العلماء والباحثين في الجامعات وعند الدعاة الذين يحملون الناشئة على الإيمان بها فيكتبون للعامة والخاصة عن زلة أمنا حواء في السماء (كما يزعمون)، وعن النساء كأسفه السفهاء، وعن طبيعة المرأة الشهوانية الشريرة، وعن آراء يتم عرضها على أنها نهج السلف الصالح. إن فكرة تجريد المرأة من الصفات الإيجابية فكرة موجودة في عصرنا الحاضر وواقعنا المضطرب وبعض الكتابات الإسلامية اليوم تقيد حركة المرأة بصورة سيئة وهي نابعة من فهم غير سليم للنصوص الدينية.

– لا زالت دعوات عودة المرأة إلى قعر بيتها على طريقة الموروثات الجامدة المتسلطة تجد أحيانا تفاعلا مجتمعيا لتقليص ميادين دراسة الفتاة وعملها وحركتها. تلك المفاهيم التراثية تهدد مسيرة فئات غير قليلة من النساء فالمرأة في دائرتهم الضيقة لا ترتقي لتصبح فقيهة في مجامع علمية، ولا سياسية محنكة، ولا قاضية عادلة، ولا سيدة أعمال، ولا إعلامية مرموقة، ولا مهندسة معمارية، ولا مديرة شركة، ولا مبدعة في الفنون الجميلة. تلك الوظائف وغيرها في منظورهم تتناقض مع قدرات المرأة أو أنها تتعارض مع ولائها للأسرة وهذا مفهوم خاطئ جملة وتفصيلا، ومخالف لحقوق الإنسان في التعلم والعمل والحياة الكريمة.

– تحرير طاقات المرأة والتخلص من التصورات الذهنية السلبية وكشف مظاهر النظرة الدونية للمرأة هي تربية نحو العزة ولا تبرز قيمتها من غير غرس الإرادة والعلم وبهما تحصل المرأة على المطالب العالية بروح معطاءة في كل المجالات والمستويات.

– كرم الله المرأة فكرا وروحا وخلقها في أحسن تقويم. فكرة خطيئة حواء عقيدة غير سليمة وعقدة قديمة عديمة الفائدة رغم انتشارها وتغلغلها في كثير من الكتب الإسلامية قديما وحديثا تحت اسم إرث السلف. حواء رمز حياة طيبة ومن البر بها والوفاء لها أن ننزهها من خانة الخيانة ونقوم بموضوعية بتوجيه فهم الأحاديث النبوية حسب محكماتها وتفنيد الأباطيل المعهودة.

– تحليل المواقف التراثية في مجال تطور تعليم المرأة يبرز بوضوح ضبابية بعض المواقف والكتابات الدينية حيث تعاني من تأخر ذهني وهيمنة ذكورية يحجبها من مراجعة توجهاتها المتشددة مما يسبب للجميع حرجا بالغا، واضطرابا ملموسا ، وتشوها معرفيا مما يعطل أو يؤخر تقدم المجتمع ويبدد الجهود الإصلاحية ويمزق الوحدة الوطنية.

– قد يكون ابن رشد من أوائل من انتبه إلى خطورة الموروثات الدينية السلبية فهي –قديما وحديثا- أداة سيئة لتقليص تقدم المرأة وعزلها في البيت وتربيتها تربية محدودة. وما سبق يسبب حرمانها من توسيع مداركها، وحجبها من تخصيب تجاربها، ومنعها من الارتقاء بالوعي العام وتعزيز التنمية المجتمعية.

– ثمة مرئيات تربوية تمثل التراث التربوي الإسلامي الأصيل في التعامل مع المرأة حقيق بالمربين والباحثين من الجنسين الالتفات إليها، والتوسع فيها، وبثها إيمانا وعلما وعملا وإبداعا في ثقافتنا الراهنة من أجل التحرر من القوالب النمطية القائمة على نزعة التسلط.

– للمرأة في رحاب التربية الإسلامية الحق الكامل في التعلم والعمل والحركة والتجمل والمشاركة المجتمعية بكافة مجالاتها ودرجاتها بما يحقق ذاتها، وينفع مجتمعها، ويعكس سماحة دينها. وبهذه المرئيات والإفادات والركائز الفكرية مجتمعة نتجاوز عقبات تربية البنات ونعدهن حقا للاستمتاع بالحياة الطيبة بالإيمان والعمران.

التوصيات :

* بلورة فلسفة مجتمعية متجددة ومستنيرة لتمكين المرأة والرجل وتحريرهما من أسر المفاهيم السلبية والموروثات الخاطئة ووضع إستراتيجية تربوية لتطبيق تلك الفلسفة وإحياء محاسن التراث مع تكاتف جميع وسائط التنشئة الاجتماعية في تحقيق تلك الغاية. والخطوة الأولى في ذلك تضمين هذه الرؤية في فلسفة وزارة التربية واستراتيجياتها.

* عمل دورات تدريبية تربوية للتوعية بخطورة التحيز ضد المرأة وكيفية التعامل الواعي مع الصورة النمطية للمرأة في كثير من الكتب التراثية عبر إيقاظ الحس النقدي مما يؤدي إلى رفد وإنماء الأدبيات التربوية المعاصرة.

* إبراز التراث الإسلامي الأصيل الذي يعلي من شأن المرأة فكرا وعملا وحركة وتفعيل النظر فيه والإفادة منه وتوظيفه في الواقع وبناء حقل لدراسة معوقات تنشئة المرأة وسبل تمكينها على نحو حضاري يعتز بالإسلام دينا.

* تطعيم المناهج الدراسية بأنشطة تعليمية مدارها كشف المعوقات الدينية والثقافية والاجتماعية التي واجهت عملية تعليم المرأة وطرائق تحريرها من الموروثات السلبية قديما وحديثا.

* ضرورة تنقية المناهج الدراسية من الرواسب التراثية المتحيزة ضد المرأة والتي لا تزال تكرس سلطة الرجل وتفوقه. يتعين على المربين توجيه الكتب المدرسية والجامعية لتنمي حس الفتاة كمواطنة لها حقوقها الدستورية فهي شقيقة الرجل وصنوه وتمتلك مواهب وطاقات مازالت معطلة في مجالات شتى.

* توجيه البحث التربوي لتلمس حاجات وتطلعات المرأة وإبراز جهود المصلحين عبر القرون في تحرير المرأة من قيود التزمت في ضوء المبادئ الإسلامية السمحة، ومعطيات العلوم الإنسانية المتنامية، ومقاصد المواثيق الدولية المتفق عليها، والنافع المفيد من التجارب النسوية حول العالم.

* توجيه فلسفة وسائل الإعلام وبرامجها لتجديد الخطاب الدعوي والوعي التربوي والمشهد الثقافي عبر تنقية الأمثلة الشعبية والتصورات الدارجة من العبارات التراثية وغيرها التي تقلل من شأن المرأة وعقلها وطاقاتها وبث المعاني الإنسانية الرفيعة والقيم الإسلامية التي تبني الذات الطموحة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المراجع مرتبة كما وردت بمتن الدراسة :

عمارة، محمد (1427هـ-2006م). قاسم أمين الأعمال الكاملة. ط3، القاهرة : دار الشروق.

عويد، عدنان (2006م). الأيديولوجيا والوعي المطابق. ط1، دمشق: التكوين.

بنت الحسين، آمال قرداش (2001م). دور المرأة في خدمة الحديث في القرون الثلاثة الأولى. قطر: سلسلة الأمة عدد رقم 70 رئاسة المحاكم الشرعية والشئون الدينية.

الميلاد، زكي (2008م). الإسلام والتجديد: كيف يتجدد الفكر الإسلامي. ط1، المغرب: المركز الثقافي العربي.

المرنيسي، فاطمة (2003 م). شهرزاد ليست مغربية. ترجمة ماري طوق، ط2، بيروت: المركز الثقافي العربي.

النجار، باقر سليمان (2008م). الديمقراطية العصية في الخليج العربي. ط1، بيروت: دار الساقي.

باحارث، عدنان حسن (1428هـ-2007م). أسس التربية العقلية للفتاة المسلمة. ط1، بيروت: الأردن.

سلطان, محمود ومجاهد, أشرف (2008م). وعي طالبات جامعة الأزهر ببعض القضايا المرتبطة بحقوق المرأة في الإسلام. في مستقبل التربية العربية. العدد الرابع والخمسون. الإسكندرية: المركز العربي للتعليم والتنمية.

الزهراني ، معجب سعيد  (1428- 2007م). صورة المرأة في خطاب ابن رشد. مجلة التراث العربي-مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب-دمشق العدد 105 السنة السابعة والعشرون.

butters, a. l (2009). Saudi’s small steps: women are steadily wining rights and greater freedom. a look behind the veil of a society.  in time. vol. 174, no. 15. October.

بدوي, عبد الرءوف محمد (2009). نحو فلسفة نسوية للتربية لمقاومة النظام الأبوي. في مجلة مستقبل التربية . المجلد: الخامس عشر, العدد: 57, الإسكندرية: المكتب الجامعي الحديث.

الوشمي، عبد الله (1430هـ-2009م). فتنة القول بتعليم البنات في المملكة العربية السعودية: مقاربة دينية وسياسية واجتماعية. ط1، الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي.

باحارث، عدنان حسن (1428هـ-2007م).مرجع سابق .

الزهراني ، معجب سعيد  (1428- 2007م). مرجع سابق .

العلواني، طه (1430هـ-2009م). نحو تأسيس علم المراجعات في تراثنا الإسلاميَّ. موقع مدارك.

البنا, جمال (1419 هـ – 1998م). المرأة المسلمة بين تحرير القرآن وتقييد الفقهاء. القاهرة: دار الفكر الإسلامي.

الرفاعي، عبد الجبار (1430هـ-2009م). إسلامية المعرفة.. الواقع والمتخيل. موقع (إسلام أون لاين).

غزاوي، زهير (1423هـ – 2002 م). ملامح النظرية الاجتماعية عند السيد محمد حسين طباطبائي، في تفسير الميزان –قضية المرأة-. في كتاب المنهاج: المرأة في الفكر الإسلامي المعاصر: إشكاليات التراث وتحديات الحداثة. ط,1 لبنان: بيروت. الغدير للطباعة والنشر والتوزيع.

عباس، دلال (2002م) حقوق المرأة في الإسلام بين النص والممارسة. المرأة في الفكر الإسلامي المعاصر: إشكالات التراث وتحديات الحداثة، تأليف مجموعة من الباحثين.

العراقي، عاطف (2010م). البحث عن المعقول في الثقافة العربية: رؤية نقدية. ط2، الإسكندرية: دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر.

حمود, رفيقة سليم (1429هـ – 2009م). تعليم الإناث في الدول العربية: الإنجازات والمعوقات وآفاق المستقبل. تقديم: حامد عمار, ط1, الدار المصرية اللبنانية.

الشربيني، محمد بن أحمد (2004م). تفسير السراج المنير الشربيني. بيروت: دار الكتب العلمية.

الشوكاني، محمد بن علي (1423هـ-2003م). فتح القدير الجمع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير. راجعه وعلق عليه الشيخ هاشم البخاري والشيخ خضر عكاري. بيروت: المكتبة العصرية.

الإستانبولي، محمود مهدي (1426 هـ – 2006 م). تحفة العروس: أو الزواج الإسلامي السعيد. ط1، الرياض: مكتبة المعارف للنشر والتوزيع.

عبد الرحيم، محمد (1425هـ-2005م). قصص رواها الرسول صلى الله عليه وسلم. دمشق: دار الإيمان.

 

قنبري، بخش علي (1429هـ-2008م). المرأة في التراث العرفاني: رابعة العدوية وسبيل العشق الإلهي. في: المرأة في الفكر الإسلامي المعاصر: قضايا وإشكاليات. ط1، بيروت: دار الهادي.

رامي، ليلى (2005 م) قراءة في استدراكات أم المؤمنين عائشة على روايات الصحابة، في مجلة إسلامية المعرفة – العدد 39 أكتوبر 2005 م (محور العدد: علم متن الحديث).

براضة، نزهة (2008م). الأنوثة في فكر ابن عربي. ط1، بيروت: دار الساقي.

الجعفري، ماهر إسماعيل (2010م). الفكر التربوي الإسلامي في أصول التربية. الأردن: دار اليازوري العلمية.

حسن، زينب (1987م).  تعليم المرأة. في الفكر التربوي الإسلامي:  الأصول والمبادئ.  تونس:  المنظمة العربية للتربية والثَّقَافَة والعلوم.

الحيدري, إبراهيم (2003 م). النظام الأبوي وإشكالية الجنس عند العرب. ط1, بيروت: دار الساقي.

الكبيسي، عبد الله وآخرون (1422هـ – 2001م). المكانة الاجتماعية للمعلم. ط1، الدوحة: دار الثقافة.

الراشد، محمد أحمد (1422 هـ – 2002 م). أصول الإفتاء والاجتهاد التطبيقي. ط1، كندا: دار المحراب.

الخباز, محمد (2009م). صورة المرأة في التراث الشعبي: تفكيك لآليات العقل النصي. ط1, بيروت: الانتشار العربي.

ملكيان، مصطفى(1429هـ-2008م). مسألة الإسلام، النسوية وسيادة الرجل. في: المرأة في الفكر الإسلامي المعاصر: قضايا وإشكاليات. ط1، بيروت: دار الهادي.

القرطبي، ابن عبدالبر (1999م). بهجة المجالس وأنس المجالس وشحن الذاهن. بيروت: دار الكتب العلمية.

محمود، إبراهيم (2002 م) الشبق المحرم: أنطولوجيا النصوص الممنوعة.ط1، بيروت: رياض الريس.

عباس، دلال (2002م) .مرجع سابق .

العلواني، رقية طه جابر (1424 هـ – 2003 م). أثر العرف في فهم النصوص (قضايا المرأة نموذجا). ط1، دمشق: دار الفكر المعاصر.

الزيدي, مفيد (1998 م). بدايات النهضة الثقافية في منطقة الخليج العربي في النصف الأول من القرن العشرين. دولة الإمارات العربية المتحدة: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.

العبد الله، يوسف إبراهيم (2003 م) تاريخ التعليم في الخليج العربي (1913-1971 م). ط1، الدوحة.

السيوطي (بدون تاريخ). شرح السيوطي على السنن الصغرى. بيروت: مكتبة المعرفة.

خنيفر، حسين (2007م). أصول الإدارة التربوية في فكر الإمام علي (ع). في: النظام التربوي الإيراني: محاولات إعادة تشكيل المفاهيم. ط1، بيروت: مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي.

الخباز, محمد (2009م). مرجع سابق .

الزهراني ، معجب سعيد  (1428- 2007م).مرجع سابق .

عثمان ، خالد محمد (1428هـ – 2008م). جزء في أحكام مشاورة النساء. راجعه وقدم له: عبد المحسن بن محمد المنيف. ط1، مصر: دار علم السلف.

المغراوي (1430هـ – 2009م). جامع جوامع الاختصار والبيان فيما يعرض بين المعلمين وآباء الصبيان. في الجامع في كتب آداب المعلمين. جمع وتعليق: عادل بن عبد الله بن سعد آل حمدان. ط1، جدة.

الحنبلي، محمد بن مفلح (1988م). المبدع شرح المقنع.

الهيتمي، أحمد بن محمد بن حجر (1987 م). تحرير المقال في آداب وأحكام وفوائد يحتاج إليها مؤدبو الأطفال. تحقيق وتعليق: مجدي السيد إبراهيم. القاهرة: مكتبة القرآن.

الحنبلي، محمد بن مفلح (1988م). مرجع سابق .

الدجاجي، سعد الله (د. ت). سفط الملح. موقع الوراق: http://www.alwaraq.net

الحبشي، محمد (1414هـ -1994م). البركة في فضل السعي والحركة. القاهرة: المكتبة الأزهرية.

أبو الإسعاد، محمد (2005م). نبوية موسى ودورها في الحياة المصرية. القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب.

الدومي, عبدالقادر بن بدران (1428هـ – 2007م). شرح كتاب الشهاب في الحكم والمواعظ والآداب. اعتنى به تحقيقا وضبطا وتخريجا: نور الدين طالب. ط1, بيروت: دار النوادر.

الخرافي، نجمة يوسف ناصر (2007م). علم النفس الإكلينيكي. ط1، الكويت.

الرشدان، عبد الله زاهي (2004م). الفكر التربوي الإسلامي. ط1، الأردن: دار وائل.

طوطح، خليل (1425هـ – 2004م). التربية عند العرب. ط1، القاهرة: مكتبة الثقافة الدينية.

السيف, توفيق (1427هـ – 2006م). الحداثة كحاجة دينية. ط1, بيروت: الدار العربية للعلوم ناشرون.

الحمال، أيمن محمد عبدالعزيز (2008م). التراث التربوي في المذهب الحنفي. تقديم أ. د. مصطفى رجب. ط1، دار العلم والإيمان للنشر والتوزيع. مصر.

حسانين، ، أحمد حمدان (2008م). التراث التربوي في المذهب المالكي. تقديم أ. د. مصطفى رجب. دار العلم والإيمان للنشر والتوزيع. مصر.

الزهراني ، معجب سعيد  (1428- 2007م).مرجع سابق .

العلواني، رقية طه جابر (1424 هـ – 2003 م) . مرجع سابق .

الصالحي، محسن ، وملك، (1428هـ – 2007م). مواصفات الأزواج في عيون الزوجات: رؤية تربوية من حديث أم زرع. ط1، الكويت: اقرأ.

أبو عمشة، عادل (1407هـ-1987م). قضايا المرأة في الشعر العربي الحديث في مصر. بيروت: دار الجيل.

المزيني، حمزة (2008م). ثقافة التطرف: التصدي لها والبديل عنه. ط1، بيروت دار الانتشار العربي.

Gewirtz, S & Cribb, A (2009). Understanding education A sociological perspective. Cambridge: Polity Press.

Akkari, A (2008). Socialization, learning , and basic education in Islamic contexts. In Educational theories and practices from the majority world. Edited by: Dasen, P & Akkari, A. London: SAGE Publication.

القابسي، علي بن محمد (1430هـ – 2009م). الرسالة المفضلة لأحوال المتعلمين وأحكام المعلمين والمتعلمين. في الجامع في كتب آداب المعلمين. جمع وتعليق: عادل بن عبدالله بن سعد آل حمدان. ط1، جدة. 

الموشي، سالمة (1425هـ-2004م). الحريم الثقافي بين الثابت والمتحول. ط1، الرياض: دار المفردات.

الخباز, محمد (2009م). مرجع سابق .

الصراف، شيماء (2008م). أحكام المرأة بين الاجتهاد والتقليد: دراسة مقارنة في الشريعة والفقه والقانون والاجتماع. ط1، بيروت: الانتشار العربي.

المشتولي (بدون تاريخ). سلوة الأحزان للاجتناب عن مجالسة الأحداث والنسوان.

المغراوي (1430هـ – 2009م). مرجع سابق .

الأبياري، عبدالجواد (1422 هـ – 2004 م). تحفة الرؤساء في ما ورد في النساء. دمشق: دار التوفيق.

باحارث، عدنان حسن (1428هـ-2007م).مرجع سابق .

الشوكاني، محمد بن علي (1423هـ-2003م). مرجع سابق.

أيوب، حسن (1422هـ-2002م). السلوك الاجتماعي في الإسلام. ط1، القاهرة : دار السلام.

الحمد، محمد بن إبراهيم (2004 م).  من صور تكريم الإسلام للمرأة. موقع صيد الفوائد.

فرج، أماني أبوالفضل (1425هـ-2004م). ما لم يقله الفقيه. ط1، دمشق: دار الفكر.

الشربجي، علي (1423 هـ – 2002 م). المرأة في رحاب السنة النبوية المطهرة. ط1، الكويت: اللجنة الاستشارية العليا للعمل على استكمال تطبيق أحكام الشريعة.

إبراهيم بن محمد بن سالم بن ضويان (1989م). منار السبيل. المكتب الإسلامي.

البروسوي، إسماعيل حقي (1985م). روح المعاني. بيروت: دار إحياء التراث العربي.

ابن عبد ربه (2000م). جامع بيان العلم وفضله. بيروت: دار الكتب العلمية.

الفيفي، عبدالله (2006م). نقد القيم: مقاربات تخطيطية لمنهاج علمي جديد. ط1، بيروت: الانتشار العربي.

دولة، سليم (2009م). الثقافة.. الجنسوية الثقافية: الذكر والأنثى ولعبة المهد. ط1، دمشق: دار الفرقد.

سعداوي، عمرو عبدالكريم (1427هـ-2006م). قضايا المرأة في فقه القرضاوي. ط1، القاهرة: قطر الندى.

حمود, رفيقة سليم (1429هـ – 2009م). مرجع سابق .

الوشمي، عبد الله (1430هـ-2009م). مرجع سابق .

عثمان ، خالد محمد (1428هـ – 2008م). مرجع سابق .

الشثري، عبدالرحمن (1428 هـ – 2007 م). المرأة والولايات السيادية. ط1، الرياض: دار المغني للنشر.

الحمد، تركي (2005م). المجتمع المدني العربي: إشكالية مفهوم وأزمة واقع. في العصر العربي الجديد: الواقع والتحديات. الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.

الفقيه، شبر (2009م). المرأة العربية المعاصرة وإشكالية المجتمع الذكوري: رؤية البعد السيكولوجي لدى الفرد المسلم تجاه المرأة. ط1، بيروت: دار البحار.

حمود, رفيقة سليم (1429هـ – 2009م). مرجع سابق .

النجدي, محمد بن حمد الحمود (1421هـ – 2001 م). مجالات عمل المرأة المسلمة المعاصرة. ط2, الكويت: جمعية إحياء التراث الإسلامي: اللجنة العلمية والثقافية.

ابن جبرين, عبدالله (1419 هـ). الأجوبة الفقهية عل الأسئلة التعليمية والتربوية. ط1, الرياض: دار القاسم.

الشثري، عبدالرحمن (1428 هـ – 2007 م). مرجع سابق.

عثمان ، خالد محمد (1428هـ – 2008م). مرجع سابق .

القرضاوي، يوسف (2004م). خطابنا الإسلامية في عصر العولمة. ط1، القاهرة دار الشروق.

الوشمي، عبد الله (1430هـ-2009م). مرجع سابق .

بكار, عبدالكريم (1428هـ). إلى أبنائي وبناتي: 50 شمعة لإضاءة دروبكم. الرياض: مؤسسة الإسلام اليوم.

مجلس التعاون لدول الخليج العربية (2004م). التطوير الشامل للتعليم بدول مجلس التعاون. الرياض.

باحارث، عدنان حسن (1428هـ-2007م).مرجع سابق .

الخياط، محمد هيثم (2008م). المرأة المسلمة وقضايا العصر. ط1، دمشق: دار الفكر.

المدخلي، ربيع بن هادي عمير (1425هـ-2004 ). الحقوق والواجبات على الرجال والنساء في الإسلام ويليه طاقات المرأة وقدراتها العقلية والعلمية تتجلى في شخصية د.عزيزة المانع. ط1، الجزائر: مجالس الهدى.

الفيفي، عبدالله (2006م). مرجع سابق .

الحدري، خليل بن عبدالله بن عبدالرحمن (1418 هـ). التربية الوقائية في الإسلام ومدى استفادة المدرسة الثانوية منها. المملكة العربية السعودية: جامعة أم القرى.

الأحمد عبدالعزيز، وأبوعلي، وفقي حامد (2009م). الإدارة التعليمية: أسسها وتنميتها في ضوء الاتجاهات الإدارية المعاصرة. ط1، الكويت: الدار الأكاديمية للنشر والتوزيع.

فلية، فاروق عبده (1429هـ-2008م). الجندر .. غزو ثقافي: مواجهة تربوية من منظور إسلامي. تقديم احمد عمر هاشم. ط1، القاهرة: دار الكتب.

الحمد، محمد بن إبراهيم (1423 هـ – 2002 م). التقصير في تربية الأولاد: المظاهر ، سبل الوقاية والعلاج. ط4، الرياض، دار ابن خزيمة.

المسعودي, على (2000 م). سعاد الصباح: حمامة السلام. ط1, الكويت: المجموعة الإعلامية العالمية.

فلية، فاروق عبده (1429هـ-2008م). مرجع سابق.

الولي، مصطفى (2008م). المرأة والحداثة: من الاضطهاد إلى الاستلاب. في:  المرأة وقضاياها: دراسات مقارنة بين النزعة النسوية والرؤية الإسلامية. تأليف مجموعة من المؤلفين. ط1، بيروت: مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي.

الخباز, محمد (2009م). مرجع سابق .

خنيفر، حسين (2007م). مرجع سابق .

المهريزي, مهدي (2008م). فقه المرأة: إشكالياته وتحدياته: دراسة نقدية ومحاولات تأسيس لمنهج جديد. في: فقه المرأة: دراسات نقدية ومنطلقات التجديد المنهجي. ط1، بيروت: مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي.

الشريف، محمد بن شاكر (1427هـ -2006م). نحو تربية إسلامية راشدة من الطفولة حتى البلوغ. ط1، الرياض: كتاب البيان، سلسلة تصدر عن مجلة البيان.

الكيلاني، عبدالله إبراهيم زيد (1430هـ – 2009م). السياسة الشرعية: مدخل إلى تجديد الخطاب الإسلامي. ط1، عمان: دار الفرقان للنشر والتوزيع.

ميرزائي، نجف علي (2008م). إشكاليات في قراءة قضايا المرأة إسلاميا (المرأة في نهج البلغة نموذجا). في:  المرأة وقضاياها: دراسات مقارنة بين النزعة النسوية والرؤية الإسلامية. تأليف مجموعة من المؤلفين. ط1، بيروت: مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي.

إزرويل، فاطمة الزهراء (2004م). المسألة النسائية في الخطاب العربي الحديث من التحرير إلى التحرر. ط1، القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة.

خاتمي, محمد (2001 م). المجتمع المدني: مقاربات في دور المرأة والشباب. ترجمة: سرمد الطائي. ط1, بيروت: دار الفكر المعاصر.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 



(*)   كلية التربية الأساسية- الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب- الكويت .

(**)   كلية التربية الأساسية- الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب- الكويت .

[1] نجد في الأمثال الشعبية عالميا عبارات تعكس التفكير النمطي وتكشف مدى التحيز ضد الإناث منها : انتظرْ شهراً كي تمدحَ حصاناً، وسنةً كي تمدحَ امرأةً- احذرِ المرأةَ السِّيئة- ولا تثقْ بالمرأةِ الجيّدة- ينسى الحسّونُ التغريدَ ولا تنسى المرأةُ الكلام- المالُ والنساء يُفضِّلنَ الأغبياء- مَن يثق بالنّساء يكتبْ على الثلج- نصيحةُ المرأةِ لا تنفعُ سوى المرأة- لا توجدُ إلاّ امرأة شرّيرة في العالَم، وكلُّ زوجٍ يخالُها زوجتَه- المرأةُ شعُرها طويل، وفكرُها قصير-احذِر النّساءِ السّيئاتِ السيرة، أمّا سائر النّساءِ فلا تثقْ بهنّ.

[2] (البهاء العاملي، بدون تاريخ، الكبيسي وآخرون، 2001م، ص 58، قمبر، 2006م، ص 247).